تحقيقاتصحيفة البعث

مع الحاجة لها.. تغيّر نظرة المجتمع لاستخدام الدراجات الهوائية وانتشار ثقافة ركوبها عند معظم فئاته

ما يلفت نظر المارة أمام ثانوية “جودت الهاشمي التجهيز الأولى” غير البناء المميز والرائع للثانوية بطرازها المعماري المختلف الذي يجعل منها أجمل مدارس القطر، وما يلفت النظر ليس جمال البناء فقط، بل أيضاً مشهد الدراجات الهوائية المركونة أمام سور المدرسة والتي تعود إلى طلاب تلك المدرسة، في دليل واضح على وعي الطلاب المبكر على الرغم من صغر سنهم، وانتشار ثقافة الاعتماد على وسائل نظيفة وصديقة للبيئة وللصحة العامة خاصةً، وأنها تعتبر من أهم الرياضات التي ينصح بمزاولتها.

حل سحري

عبود أحد طلاب ثانوية جودت الهاشمي، الذين قرروا أن يعالجوا مشكلة وصولهم إلى المدرسة، باعتماده على دراجته الهوائية التي قام بتجهيزها من كل النواحي من حيث تخصيص مكان لوضع حقيبته المدرسية، وتركيب قفل لحمايتها من السرقة، خاصةً وأنه يركنها لساعات طويلة أمام مدرسته.

إن عدد الدراجات الكبير التي تعود ملكيتها للطلاب يعكس مدى فعالية هذه الفكرة، وضرورة تطبيقها بشكل أوسع، خاصةً لدينا نحن فئة الطلاب يقول عبود، فهي تختصر الوقت والجهد والمال علينا، إضافةً إلى أنها تخفف عن كاهل أسرنا عبء المصاريف التي تذهب ثمن تذاكر للمواصلات، مستطرداً أنا في الصف الثالث الثانوي، ما يعني أنّ الوقت له قيمةٌ كبيرةٌ جداً لدي ولدى من هم في عمري، وليس من العدل أن يضيع هذا الوقت في انتظار وصول الباص، أو السرفيس، أو في الركض خلفهما للحصول على مكانٍ ما قد يكون في كثيرٍ من الأحيان متمثلاً بالجلوس على أرضية تلك المركبات.. إن ركوب الدراجة الهوائية يمنحنا شعوراً رائعاً، ويمكننا من التمتع بطريق الذهاب والإياب بالإضافة إلى ممارستنا للرياضة، يختتمُ عبود حديثهُ مبتسماً.

حلول فردية

إحدى أهم المشكلات والصعوبات التي تواجه المواطن منذ لحظة خروجه من منزله وحتى عودته إليه، تتمثل برحلة البحث الشاقة عن وسيلة للنقل توصله إلى وجهته (مكان عمله أو الجامعة، أو ربما لتمضية بعض الوقت بصحبة الأصدقاء -مع أنّ هذا الأمر أصبح من الكماليات بالنسبة للكثيرين -) محمد موظف بإحدى المؤسسات الحكومية التي لا تؤمّن وسيلة لنقلِ موظفيها، يقضي يومياً أكثر من ساعتين حتى يتمكن من الوصول إلى منزله الكائن في منطقة المعضمية، معتبراً أنّ قدرته في الحصول على مكانٍ ما في وسيلة نقل، حتى لو كان ممسكاً بباب المركبة، وحتى لو عرضت نفسك للخطر، هو بمثابة حلمٍ لن تتنازل عنه لأحد، قائلاً: في السابق  نادراً ما كنّا نرى امرأةً، أو رجلاً كبيراً في السن، أو حتى أطفالاً، ولا نعطيهم مكاننا للجلوس، ولكن اليوم وصلنا لمرحلة ، ربما قد تكون الأنانية، وليس انعدام الشفقة، ويرجع ذلك للمعاناة الكبيرة جداً التي تتمثل في الحصول على مكانٍ ما في وسائل النقل، لذلك قررت أن أشتري دراجةً هوائية، وأوفر على نفسي معاناة  ملاحقة وسائل النقل.

دعاء طالبة في كلية الهندسة المدنية،  وهي من سكان المزة القديمة، تتحدث عن تجربتها في ركوب الدراجة الهوائية التي أصبحت بمثابة صديقةٍ لها تلازمها في أغلب تنقلاتها.. بداية وحسب قولها: كانت نظرة المجتمع إليها تحمل شيئاً من السخرية والتهكم والاستغراب، خاصةً وأنها تسكن في حارةٍ شعبية ومحافظة، ولكن ومع الوقت استطاعت تجاوز كل هذا، وأصبحت تشعر بتقبل الكثيرين لمشهد قيادة دراجتها الهوائية، حتى إنّ بعض صديقاتها في الكلية تشجعنَ لهذه الفكرة، وأظهرنَ تحمسهنَ لها.

“ضرورة لا ترف”

اليوم بات مشهد ركوب الدراجات الهوائية مألوفاً عند الكثير من الأشخاص، خاصةً في العاصمة دمشق، فهو بمثابة حلٍ ناجعٍ حتى ولو كان فردياً لحل أزمة السير الخانقة التي نعاني منها جميعنا، وعلى الرغم من بعض الفعاليات التي قد تعتبر خجولةً بعض الشيء، إلا أنّها تعتبر ضروريةً لترويج ونشر ثقافة ركوب الدراجات الهوائية لما لها من منافع كبيرةً، وبالتالي لما توفره على الجيب من مبالغ كبيرة تذهب لقاء استخدامنا لوسائل كسيارات الأجرة وغيرها، وبما لا يتلاءم مع مدخولنا الشهري كطبقةٍ محدودة الدخل.

وهنا يمثل سعيد أحد هؤلاء الأشخاص الذين حسموا خيارهم بالاعتماد على الدراجة الهوائية، على الرغم من  المسافة الكبيرة التي تفصل منزله عن عمله، لتكون دراجته بمثابة المنقذ له، والوسيلة الشبه وحيدة لإنجاز عمله الذي يتطلب منه التنقل في أكثر من مكان، قائلاً: عملي في أحد أسواق دمشق القديمة يتطلب مني التنقل إلى أماكن يحتاج الوصول إليها لاستخدام وسيلة نقل، ربما سيارة أجرة أو سرفيس ، وبسبب الوقت الكبير الذي كان يضيع على الطرقات، وأزمة المحروقات التي عانينا منها في السنوات السابقة المتمثلة بالطوابير التي كانت تقف لأيام للحصول على لتر من البنزين أو المازوت، إضافةً إلى ارتفاع أسعارها، ما انعكس بدوره على ازدياد أجور النقل، واستغلال تجار الأزمة لهذه المشكلة، قررتُ الاعتماد على دراجتي الهوائية التي تختصر عليّ الوقت والمسافات والمال، ولكن هذا لا يعني أن معاناتي قد انتهت هنا،  فأنا وفي كل مكان أصلُ إليه، أقضي بعض الوقت في البحثِ عن مكان  آمنٍ ومناسب لركنِ دراجتي فيه، وهذا ما أتمنى على الجهات المختصة أن تفكر فيه،  ألا وهو  إعطاء أهمية كبيرة لهذه الوسيلة التي إذا ما لاقت الاهتمام المطلوب ستحلُّ مشكلةً كبيرة، وخاصةً مع ازدياد أعداد الأشخاص الذين يستخدمون الدراجات الهوائية في مدينة دمشق ومن كل الفئات العمرية.

ربما الجانب الأهم في كلّ مما سبق، يتمثل بوعي جيل الشباب، وأهمية اعتماده على وسائل صديقة للبيئة، وبدافعٍ شخصيٍ منه، خاصةً في ظل ما تعانيه معظم دول العالم من أزمات سيرٍ خانقة، وما تسببهُ من تلوث للبيئة، إضافةً لحوادث السير التي يذهب ضحيتها أعداد كبيرة من الشباب نتيجة السرعة الزائدة، وعدم التقيد بقواعد المرور، وبالتالي خسارتنا لطاقات الشباب وقدراتهم، الذين يمثلون إحدى أهم الركائز في بناء المستقبل، ومراهنتنا اليوم على قدرة الشباب السوري في خلق وابتكار حلول لما يواجهونه من صعوبات، إن دلت على شيء، فهي تدل على الوعي المتقدم، والنضج لدى هذه الفئة  المهمة من المجتمع.

لينا عدره