تصنيع النجوم ؟!

محمد راتب حلاق
النجم هو الشخص الذي حظي بشهرة واسعة في مجال من المجالات. فللسياسة نجومها، وللرياضة نجومها، وللفن نجومه، وللأدب نجومه.
وحتى الأمس القريب كان النجم الفرد هو الذي يصنع نجوميته وشهرته، باجتهاده، وسلوكه، وبما يملكه من إمكانات ومبادرات واستعدادات لتحمل المسؤولية، مما جعل منه المثال والنموذج، في مظهره وسلوكه وتصرفاته ولباسه وطريقة ممارسته للحياة، بل إن مريديه والمعجبين به يتطرفون فيحبون ما يحب ويكرهون ما يكره؟!.
لقد كانت النجومية هي ما يفعله النجوم أنفسهم، لذلك كان الواحد منهم قادراً على الاحتفاظ بالشهرة مدة طويلة، بل قد تستمر معه مدى الحياة، كما قد يبقى مكانهم شاغراً في القمة حتى بعد رحيلهم عن دنيا الناس، ورحم الله أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وطه حسين والعقاد وسواهم، هذا إذا استثنينا رجال السياسة والأبطال الشعبيين.
أما اليوم فقد انقلبت الآية، وصار النجم من يُمْنَحُ صفات النجومية التي يحددها السوق، أو التي تحددها بعض الجهات المتخصصة في تصنيع النجوم في المجالات كافة، بعد أن أصبح ذلك صناعة قائمة بذاتها، لها معاهدها ومدارسها (ستار أكاديمي وسوبر ستار وأرب آيدول وشاعر المليون وما يماثلها من البرامج والمدارس)، حيث يتم إنتاج النجوم حسب المواصفات والمقاييس المطلوبة في السوق، حتى وإن اقتضى ذلك القيام بتغيير الشكل وتعديله، عن طريق الحقن أو الشفط أو العمليات الجراحية.
والملاحظ أن شهرة النجم أضحت مؤقتة، يبقى نجماً ما دامت وسائل الإعلام تريد منه أن يبقى كذلك، أو أن مصلحتها تتطلب ذلك، فإذا نفدت صلاحيته تم دفعه إلى هوة النسيان والانطفاء، ليفسح المجال أمام نجم جديد تم إنجازه حسب آخر الصرعات!. وكلنا سمع عن العمليات الجراحية التجميلية المتعددة التي أجريت لبعض المطربات الراقصات، كي تنطبق عليهن الصفات المطلوبة في سوق النجومية، فالواحدة منهن لم تغدُ نجمة إلا بعد أن طُوّعت وصُقلت وصُنّعت ونحتت لتستجيب لشروط النجومية الموضوعة من قبل وسائل الإعلام والجهات والشركات المستفيدة.
وما قلته عن المطربات الراقصات ينطبق على المجالات الأخرى وعلى الجنسين: (المذيعون والمذيعات، والفنانون والفنانات، والشعراء والشواعر، والأدباء والأديبات، والناشطون والناشطات)، حيث يجري توضيب من يتم اختياره منهم (للنجومية)، ويتم تأهيله وإعادة إنتاجه لينسجم، ويخدم، منظومة معينة من الأفكار والسياسات.
وقد أدرك بعض من وصل إلى النجومية الحقيقة التي تقول إنه ليس نجماً بذاته، وإنما بما هيئ له من الدعم والتسويق والتوضيب، وخشي أن يحل به ما حل بسواه من النجوم المصنّعين، فلجأ إلى تبديل شكله على حسابه الخاص، حسب المواصفات المطلوبة في السوق، وما فعله (جاكسون) على سبيل المثال أهون مما فعله، ويفعله، كثيرون في المجالات الأخرى، حتى كاد بعضهم أن يخرج من جلده. والمفارقة أن هؤلاء لن ينفعهم شيء، إذا سقطت ورقتهم من أجندة من كان قد صنّعهم، حتى وإن بدلوا هويتهم تبديلاً كلياً، فالأرجل التي تحملهم من خزف هش سرعان ما تنقصف عند أول إشارة ممن وضعهم في المقدمة. ولكل مرحلة نجومها؟!.
3 total views