دراساتصحيفة البعث

في سورية.. مَنْ يضرم النار ومَنْ يُخمدها؟

 

ترجمة: علاء العطار
عن موقع يوراسيا ريفيو – 3/3/2018
في الآونة الأخيرة، اتهم قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال جوزيف فوتيل، الكرملين بلعب دور “مضرم النار” و”رجل الإطفاء” في سورية، لكن هذا الإسقاط بعيدٌ كل البعد عن الحقيقة، لأن واشنطن هي من أجج نار الحرب في سورية، وهي تتظاهر الآن أنها تعمل بيأس لإخماد تلك النار.
فخلال أول ثلاث سنوات من حرب الوكالة في سورية التي امتدت من 2011 إلى 2014، دعمت واشنطن المجموعات المسلحة التي تقاتل الحكومة السورية نيابة عنها، ومن ثم أعلنت الحرب على فصيل واحد من هذه المجموعات، وهو تنظيم “داعش”، عندما تجاوز هذا الأخير نطاق صلاحياته، وتجرأ على احتلال الموصل والأنبار في العراق بداية عام 2014، وهي مناطق كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها منها منذ ما يقارب السنتين، في كانون الأول 2011.
وزيادة على ذلك، في مطلع العام الماضي، تم شن حملتين عسكريتين متماثلتين ومتزامنتين في سورية والعراق، ورغم اعتبار وسائل الإعلام الرئيسية أن الهجوم السوري بدعم جوي روسي على المسلحين المتمركزين في شرق حلب عملٌ “غير إنساني”، إلا أنها أشادت بالحملات العسكرية في الموصل والرقة التي شنتها القوات المدعومة من الولايات المتحدة، بل واعتبرتها “كفاحاً للتحرير”.
وشُنت الحملات العسكرية في الموصل والرقة ضد تنظيم “داعش”، في الوقت الذي قادت فيه الحكومة السورية هجوماً عسكرياً ضد من تم تسميتُهم بـ “المتمردين المعتدلين”، لكن هذا التفريق بين الجهاديين الإسلاميين و”المسلحين المعتدلين” هو وهمٌ لا يمت للواقع بصلة.
وفي الآونة الأخيرة، قادت الحكومة السورية حملة عسكرية في الغوطة الشرقية ضد إرهابيي هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وجيش الإسلام، وهو ما وصفته وسائل الإعلام بـ “المجزرة”، مع أن كليهما جماعتان مسلحتان سلفيتان تُمولهما دول الخليج بسخاء، وقد قامتا باحتجاز مدنيي الغوطة الشرقية كرهائن منذ عام 2013.
وفيما يتعلق بالصلة بين الجهاديين الإسلاميين و”المتمردين المعتدلين” في سورية، فوفقاً لتقرير وكالة “فرانس برس” الأخير الذي قدمته مايا جبيلي، انضم المئات من مقاتلي تنظيم “داعش” إلى أولئك “المتمردين المعتدلين” في ادلب في معركتهم لصد تقدّم القوات الحكومية السورية بدعمٍ جوي روسي.
وكان لتنظيم “داعش” موطئ قدم في محافظة حماة المجاورة لادلب، ويبدو أن تسلله إلى ادلب هو بمثابة امتداد لنفوذه، كما صرح تنظيم “داعش” في 12 كانون الثاني أن ادلب هي إحدى “إماراته الإسلامية”، وأغلب الظن أن بعض جهاديي تنظيم “داعش” الذين شاركوا في المعركة في ادلب كانوا جزءاً من نفس مجموعة المسلحين الذين فروا من الرقة في تشرين الأول من العام الماضي بموجب اتفاق لعبت فيه قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة دور الوسيط.
وفي الواقع، كان أحد الأهداف الرئيسية للاتفاق هو السماح للجهاديين بمحاربة القوات الحكومية السورية ليهنأ الجو لقوات سورية الديمقراطية التي تسعى للاستيلاء على حقول النفط والغاز في دير الزور والمراكز الحدودية على طول الحدود السورية العراقية.
والهجوم الذي شنه تنظيم “داعش” في ادلب، التي كانت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام التي تزعمتها جبهة النصرة منذ عام 2015، ليس الأول من نوعه، فعلينا ألا ننسى كيف جاء التنظيم لإنقاذ من يُدعَون بـ “المتمردين المعتدلين” بفتحه جبهةً جديدة في تدمر في كانون الأول 2016، عندما كانت الحكومة السورية على وشك تحقيق نصرٍ مدوٍ على المسلحين المتمركزين في شرق حلب.
ونتيجة لذلك، تعيّن على الحكومة السورية إرسال تعزيزات من حلب إلى تدمر للدفاع عن المدينة، ورغم أن القوات الحكومية السورية قد تمكنت من طرد المسلحين من جيب حلب الشرقي، واستعادة تدمر من قبضة تنظيم “داعش” في آذار من العام الماضي، كان الغرض الأساسي من هذه الخطوة التكتيكية التي قام بها التنظيم هو تحويل أنظار الحكومة السورية ومواردها إلى تدمر وبعيداً عن حلب.
حقيقة الأمر أن التمييز بين الجهاديين الإسلاميين، و”المتمردين المعتدلين” في سورية ما هو إلا وهم لا يمت للواقع بصلة، فقبل أن يجتاح تنظيم “داعش” الموصل في العراق في حزيران 2014، كان جزءاً لا يتجزأ من المجموعات الإرهابية في سورية، ولايزال يتمتع بعلاقات أيديولوجية وعملياتية وثيقة مع الجماعات المسلحة الأخرى في سورية.
ومن الجدير ذكره أنه رغم أن حرب العصابات لم تكن شائعة بين “داعش” والجماعات المسلحة الأخرى العاملة في سورية وحسب، بل كانت تدور أيضاً داخل الجماعات المتمردة نفسها، إلا أن تنظيم “داعش” وبقية الجماعات المسلحة العاملة في سورية يتشاركون بالهدف النهائي ذاته، وهو محاربة الحكومة السورية.
وفيما يتعلق بما يسمى “المعارضة السورية”، فإن جزءاً صغيراً منها يتألف من أفراد شكّلوا ما سمي بـ “الجيش السوري الحر”، بيد أن الغالبية العظمى منها تتألف من جهاديين إسلاميين، ورجال قبائل مسلحين تم تمويلهم بسخاء، وتدريبهم، وتسليحهم، وتشريع وجودهم دولياً من قبل رعاتهم الإقليميين والعالميين.
ولا يتعدى تنظيم “داعش” كونه إحدى الجماعات المسلحة السورية، شأنه شأن جبهة النصرة، وأحرار الشام، وجيش الإسلام، وغيرهم، وجميع الجماعات المسلحة العاملة في سورية تمتلك القدر نفسه من التعصب والوحشية الموجود لدى تنظيم “داعش”، لكن السمة الوحيدة التي تميز تنظيم “داعش” عن غيره هي أنه مستقل فكرياً، وأكثر أيديولوجية.
وسبب انقلاب الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش” هو أن جميع الجماعات المسلحة السورية الأخرى تمتلك طموحات محلية تقتصر على محاربة الحكومة السورية، في حين أنشأ تنظيم “داعش” شبكة عالمية من العناصر الإرهابية العابرة للحدود التي تضم مئات المواطنين الغربيين الذين أمسوا خطراً أمنياً وطنياً يحيق بالدول الغربية.
وفيما يتعلق بالمجموعة المسيطرة على المسلحين السوريين في ادلب والغوطة الشرقية، فإن هيئة تحرير الشام، وفقاً لتقرير صدر عن “سي بي سي كندا” في أيار 2017 التي كانت تعرف سابقاً باسم جبهة النصرة حتى تموز 2016، ثم جبهة فتح الشام حتى كانون الثاني 2017، قد تم إزالتها من لائحة الإرهاب في الولايات المتحدة وكندا بعدما اندمجت مع مقاتلين من حركة نور الدين الزنكي، والجهاديين المتشددين من أحرار الشام، وأعادت تسمية نفسها باسم هيئة تحرير الشام في كانون الثاني من العام الماضي، ووزارة الخارجية الأمريكية مترددة إزاء تسمية هيئة تحرير الشام جماعة إرهابية- رغم صلة الهيئة بتنظيم القاعدة- لأن الحكومة الأمريكية قد قامت بشكل مباشر بتمويل حركة نور الدين الزنكي، وهي أحد مكونات هيئة تحرير الشام، وتسليحها بأسلحة متطورة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات التي صنعت في الولايات المتحدة.
والغاية من إعادة تسمية جبهة النصرة أولاً بجبهة فتح الشام، ثم بهيئة تحرير الشام، وادعائها قطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة، هي لإضفاء الشرعية على نفسها، وتيسير الأمور أمام رعاتها لإرسال المال والسلاح.
وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت جبهة النصرة في القائمة السوداء في 2012، وأقنعت حلفاءها الإقليميين: السعودية، وتركيا، بحظرها أيضاً، ورغم أن اسم جبهة النصرة كان مدرجاً في قائمة المنظمات المحظورة في السعودية وتركيا منذ عام 2014، إلا أنها ظلت تتلقى منهما الأموال والأسلحة.
وختاماً، فيما يتعلق بالعلاقات الأيديولوجية العميقة بين تنظيم “داعش” وجبهة النصرة، فرغم أن جبهة النصرة الحالية كان يتزعمها أبو محمد الجولاني، إلا أن أبا بكر البغدادي، زعيم تنظيم “داعش”، هو من عينه كأمير لجبهة النصرة في كانون الثاني 2012، وفي الواقع، فإن جبهة النصرة بقيادة الجولاني ليست سوى جماعة منشقة عن تنظيم “داعش”، فقد انفصلت عن تنظيمها الأم في نيسان 2013 بسبب نزاع على القيادة بين التنظيمين.