اقتصادصحيفة البعث

عفوية التعاطي مع الاستثمار..!

لم تأخذ مسألة “دراسة الجدوى الاقتصادية لأي مشروع كان” أبعادها الجدية لجهة اعتمادها ركناً أساسياً يعتمد عليه خاصة لدى الحصول على التمويل المصرفي من جهة، وطغيان السيادة شبه العفوية لدى التعاطي مع البدء بأي مشروع استثماري والاعتماد على خطوط عامة فضفاضة يحسب من خلالها تكاليف مدخلات ومستلزمات الإنتاج بشكل تقريبي بعيداً عن الدقة المطلوبة من جهة ثانية..!

ولعل مرد إشكالية عدم التعاطي الجدي مع دراسات الجدوى يعود بالدرجة الأولى إلى الافتقار إلى قاعدة بيانات عن جميع قطاعاتنا الإنتاجية والخدمية بشكل تفصيلي يظهر مستوى المنافسة، ومدى قابلية السوق لمنتجات المشاريع الجديدة، وحصر الفرص الاستثمارية وتصنيفها وفق مستويات “ذهبية – فضية – برونزية”، وغيرها من المعطيات التي تظهر واقع السوق وحيثياته التفصيلية المتعلقة بالشأن الاستثماري..!

كما أن هناك استسهالاً واضحاً من قبل أصحاب المشاريع خاصة المتوسطة والصغيرة بهذا الجانب، لاعتبارات قد تتعلق بتكاليف مثل هذا النوع من الدراسات، جاهلين أو متجاهلين أنها أحد الأسس الداعمة لضمان الأرباح بشكل أو بآخر..!

فمن الأمور التي يتم تجاهلها أو إغفالها أو ربما غير واردة بحسبان المستثمر، أن أهمية دراسات الجدوى تكمن في التأكد من سلامة القرارات الاستثمارية سواء من وجهة نظر المستثمر الفرد مستهدف الربحية الخاصة، أم من جهة نظر المجتمع مستهدف الربحية الاقتصادية والاجتماعية (العامة)، مع التركيز هنا على أن دراسة الجدوى التسويقية تعد من أهم الدراسات التي يمكن أن تتم على أي مشروع، ويتوقف على نتائجها قرار الاستمرار في الدراسة الفنية والهندسية، أو التوقف والبحث عن بدائل أخرى للمشروع.

إن المكانة التي تحتلها دراسات الجدوى في عمليات صناعة القرارات الاستثمارية والتمويلية تجعلنا نتوقف عند ماهية هذه الأداة من خلال التعرف إلى خصائصها، والتي تبرز جوانب في غاية الأهمية، إذ يمكن القول إن هذه الدراسات تعد لازمة وضرورية لكل أنواع المشروعات مهما كانت أهدافها، حيث نجدها مطلوبة للمشروعات العامة والمشروعات الخاصة، وفي المشروعات الزراعية والصناعية والخدمية أيضاً، كما يتوقف حجم هذه الدراسات وتكلفتها على حجم المشروع.

ففي ظل هذا الواقع الراهن لبيئتنا الاستثمارية ومفرزاتها التنموية المتواضعة إلى حد ما، نجد أنه أصبح من الضروري البحث عن الصرامة الاقتصادية في توجيه وتخصيص الموارد، وترشيد القرارات الاستثمارية ضمن إطار العملية التنموية كلها، ولعل دراسات الجدوى الاقتصادية باتت تفرض نفسها بقوة لجهة تصويب مسار هذه العملية لضمان استمرارية المشاريع الاستثمارية.

حسن النابلسي

hasanla@yahoo.com