دراساتصحيفة البعث

هــل يمكــن هزيمــة البريكســت؟!!

ترجمة: عناية ناصر عن موقع فالداي 27/2/2018
في 23 حزيران 2016 أعطى الاستفتاء البريطاني بشأن الاتحاد الأوروبي أغلبية، قدرها أربعة في المئة (52 إلى 48 في المئة) لصالح أولئك الذين صوتوا على الخروج من الاتحاد، وكان ذلك بمثابة هزيمة للطبقة السياسية البريطانية التي أيدت بقوة حملة “البقاء”، دعمت سياسة جميع الأحزاب الرئيسية (المحافظون، حزب العمال، الليبراليون الديمقراطيون، الوطنيون الاسكتلنديون، و74 في المئة من أعضاء البرلمان البريطاني)، البقاء في الاتحاد الأوروبي، كما انضمت النخب الأكاديمية والاقتصادية البريطانية إلى معسكر “البقاء في الاتحاد الأوروبي”، وقبل الاستفتاء حذرت من كارثة على نطاق واسع إذا نجح التصويت على الخروج، كما حذر المدير العام لاتحاد الصناعات البريطانية كارولين فيربايرن من أن مغادرة الاتحاد الأوروبي من المحتمل أن تكلف الاقتصاد البريطاني 100 مليار جنيه استرليني و950 ألف وظيفة بحلول عام 2020، وتوقع رئيس بنك انكلترا كارثة مالية إذا خرجت بريطانيا.
وعلى الرغم من هذه التحفظات، قَبل زعماء الأحزاب الكبرى (حزب العمال والمحافظين) بالنتيجة بعد الاستفتاء، فقد أعلنت تيريزا ماي رئيسة الوزراء، وهي من “مؤيدي البقاء” أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يعني الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك فقد خاض المعارضون معركة بائسة، وقد قام القوميون الاسكتلنديون، الذين يعتمدون على تصويت الأغلبية في اسكتلندا بـ “البقاء”، والديمقراطيون الليبراليون بحملة من أجل إجراء استفتاء ثانٍ، كما تم التشكيك في الطبيعة الملزمة للاستفتاء على الحكومة، وبعد الطعن القانوني، أقرت محكمة العدل العليا في المملكة المتحدة أن على الحكومة إحالة المسألة إلى التصويت البرلماني، وقد فشلت هذه المحاولة بقلب نتائج الاستفتاء عندما دعم مجلسا البرلمان الحكومة بدعم كبير.

التحرك ضد البريكست
ونتيجة لذلك أعلنت تيريزا ماي في 29 آذار 2017، في رسالتها الموجهة إلى رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك أن “الاستفتاء كان تصويتاً لاستعادة تقرير مصيرنا الوطني”، واستندنا على ما هو مقرّ في المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، وهكذا بدأت العملية الرسمية لمغادرة المملكة المتحدة.
كانت المفاوضات محفوفة بالانقسامات السياسية الداخلية داخل قيادة حزب المحافظين، وأثارت انتقاداً شديداً لسلوك الحكومة في المفاوضات، وطالب المعارضون بإبطال المادة 50 بالمزيد من التنبؤات بالانهيار الاقتصادي، “وكان الخبراء” متشائمين حول عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلال مناقشات التفاوض، وقد أخذ الاقتصاديون زمام المبادرة في التنبؤ بالآثار الوخيمة، على الأقل في السنة الأولى من الانتقال.
في المقابل وجدت دراسة أكاديمية أن التنبؤات حول آثار إعلان الخروج كلها كانت مخطئة، لأن جميع التنبؤات أكثر سلبية من العواقب الفعلية، وتخلص الدراسة إلى أن جزءاً كبيراً من هذا العمل يحتوي على عيوب في التحليل، وفي معالجة الأدلة، ما أدى إلى توقع أعباء مبالغ فيها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر، كيف كانت تقديرات وزارة الخزانة البريطانية عندما تم تدقيقها عن كثب، أنها غير صحيحة بشكل خاص، وما كان صحيحاً منها، أنه بعد أكثر من ثمانية عشر شهراً على نتيجة الاستفتاء، تحققت واحدة فقط من توقعات وزارة الخزانة بوضوح، ألا وهي الانخفاض في قيمة الجنيه الاسترليني، وما يترتب على ذلك من ارتفاع في التضخم، ولم يحدث أي ركود على مدى الاثني عشر شهراً التالية للاستفتاء، كما لم يرتفع معدل البطالة، وفي خريف عام 2017، بعد خمسة عشر شهراً من الاستفتاء، انخفضت البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ 33 عاماً، ولم تظهر دلالة تذكر على الارتفاع، وثبت خطأ توقع وزارة الخزانة البريطانية بارتفاع سعر الفائدة علاوة مخاطر الأسهم، ما كان سيؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم، وقد أدى انخفاض الاسترليني بدلاً من ذلك إلى ارتفاع أسعار الأسهم في المملكة المتحدة، حيث أصبحت أرباح الشركات من الخارج أكثر قيمة بالجنيه الاسترليني.
ومن الأخطاء الشائعة في النظرية الاقتصادية الراهنة أن العلاقة المفترضة بين التجارة الحرة والنمو الاقتصادي مبالغ فيها، إذ تظهر الدراسات أن معدل النمو في بريطانيا لم يرتفع بشكل ملحوظ خلال عضوية الاتحاد الأوروبي مقارنة بما كان عليه الأمر قبل دخولها الاتحاد الأوروبي، كما تم تجاهل المزايا الأخرى للسيادة الاقتصادية البريطانية مثل زيادة استثمارات الدولة في البنية التحتية والتعليم المهني، والمشتريات الحكومية للسلع والخدمات المنتجة في بريطانيا، والمشاريع التي تعزز العمالة المحلية.
ومع ذلك، فإن الآراء السائدة للاقتصاديين تدعم حملات جماعات الضغط الكبيرة الممولة تمويلاً جيداً والتي تدعو إلى التراجع عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولا تزال حملة “بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي” حية، كما قال المدير التنفيذي إلويز تود لـمجموعة “الأفضل لبريطانيا”: إن مستقبل المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي لم ينته، ولا يزال هناك تصويت قادم، ويستحق الناس في جميع أنحاء البلاد معرفة الحقيقة حول الخيارات المطروحة على الطاولة، والتي إحداها البقاء والقيادة في مجموعة “الأفضل لبريطانيا” في الاتحاد الأوروبي التي أسسها مارك مالوك براون، وهو وزير سابق في الحكومة البريطانية، والنائب السابق للأمين العام للأمم المتحدة جينا ميلر الذي تقدم بالدعوى القضائية ضد الحكومة البريطانية، وحصل في شباط 2018 على أكثر من 400 ألف يورو من مؤسسة “المجتمع المفتوح” التابعة لجورج سوروس وحدها، كما قدّم أكثر من 300 ألف يورو لمجموعات أخرى مناهضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مثل الحركة الأوروبية البريطانية وخبراء الاتحاد الأوروبي، وقد شكلت مجموعات العمل عبر الأحزاب فريق عمل شاملاً للأحزاب في البرلمان للتراجع عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتأثير على مسار المفاوضات.

رد الاتحاد الأوروبي
كانت قيادة الاتحاد الأوروبي مندهشة سكيولوجياً وسياسياً، وحتى محبطة، من التصويت غير المتوقع على الخروج، وفي شباط 2018، قال رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك: ما يزال أمام البريطانيين الوقت لتغيير “رأيهم”، وإيقاف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا تزال “قلوب الاتحاد الأوروبي مفتوحة” لــ “أصدقائهم البريطانيين”، كما أنه لدى الاتحاد الأوروبي الكثير ليقدمه ليس فقط من حيث ميزان القوى في الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضاً حقيقة أن الاتحاد الأوروبي هو مصدر كبير للمملكة المتحدة – حالياً لدى المملكة المتحدة عجز تجاري مع الاتحاد الأوروبي يبلغ 100 مليار يورو- كما أن الاتحاد الأوروبي أيضاً هو المستفيد الرئيسي من صافي 10 إلى 15 مليار يورو سنوياً من المساهمة المالية للمملكة المتحدة.
غير أن دونالد توسك لا يستطيع التحدث إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أو عن شرعية وقف عملية الانسحاب، أما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيوافق على التراجع عن المادة (50)، فذلك أمر مشكوك فيه للغاية، حيث يجب على الدول الأعضاء أن تقتنع بالتزام المملكة المتحدة السياسي، حتى قبل الاستفتاء، لم تكن المملكة المتحدة جزءاً من منطقة اليورو، ولا من منطقة شنغن، لكنها اعتبرت نفسها عضواً رئيسياً في حلف الأطلسي، وأعربت عن علاقاتها الثقافية والاجتماعية القوية مع العالم الناطق باللغة الانكليزية، كما كان لديها روابط تجارية واقتصادية أقوى خارج الاتحاد من الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، وكانت المملكة المتحدة دائماً عضواً متردداً إلى حد ما في الاتحاد، وعلاوة على ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي سيصبح أكثر توحداً، وفقاً للنهج الذي يراه الرئيس الفرنسي ماكرون، لأن بريطانيا بعد خروجها ستتوقف عن كبح التوجهات الصاعدة في الاتحاد الأوروبي.
إن من غير المحتمل إجراء استفتاء ثانٍ على الصعيد المحلي، لأن ذلك سيكون هزيمة للديمقراطية البرلمانية، ومن شأن ذلك أن يضعف الالتزامات التي قدمها زعماء الأحزاب السياسية الكبرى (حزب العمال والمحافظين) بأن المملكة المتحدة ستغادر الاتحاد الأوروبي، ومن المرجح أن تذهب دعوات إجراء استفتاء ثانٍ من قبل القوميين الاسكتلنديين والديمقراطيين الليبراليين، الذين فقدوا المصداقية بعد الهزائم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أدراج الرياح، والمفارقة في الحدث غير المحتمل لجولة ثانية ناجحة، أن أمر البت فيما إذا كانت المملكة المتحدة يمكن أن تبطل المادة (50) بعد بدء العملية يعود إلى محكمة العدل الأوروبية.

ما نوع العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي؟
في الوقت الحالي النقاش السياسي الحقيقي هو حول شروط التفاوض، وهنا تكمن إمكانيات الحفاظ على العديد من روابط الاتحاد الأوروبي. بالنسبة لمن يعارضون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيكون المسار السياسي الأكثر عملية هو قبول مكان خارج الاتحاد الأوروبي من أجل الحفاظ على العديد من الاتفاقات القائمة مع الاتحاد الأوروبي، وتدعم هذا الخيار مجموعة قوية من أعضاء فريق شامل من الأحزاب في البرلمان. ومن شأن دعاة إبقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الجمركي أو السوق الموحدة، إذا نجحوا، أن يلغي أهداف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وستظل المملكة المتحدة خاضعة للمحاكم الأوروبية، ويتعين عليها المساهمة في تمويل الاتحاد الأوروبي، وستتطلب العضوية في السوق الواحدة الامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن الحركة غير المقيدة للعمل ورأس المال، وبالإضافة إلى ذلك، فإن عضوية الاتحاد الجمركي ستحول دون وجود سياسة تجارية مستقلة، وهذا النوع من التسوية هو بالضبط ما يخشاه المعارضون للاتحاد الأوروبي أن تكون النتيجة هزيمة للبريكست.