دراساتصحيفة البعث

واشــنطن توقــد فتيــل حــرب عالميــة ثالثــة

 

ترجمة: هيفاء علي
عن ريزو انترناسيونال – 28/2/2018
تعمل واشنطن منذ سنوات لإطلاق شرارة حرب عالمية ثالثة، وهذه النتيجة المؤكدة نستخلصها من الحروب الثلاث التي تشنها حالياً في سورية، وكوريا الديمقراطية، وأوكرانيا من منطلق الامبريالية الأمريكية التي تسعى على الدوام لفرض هيمنتها على النظام العالمي لصالح الرأسمالية الأمريكية، ولكن الحقيقة الواضحة أن روسيا والصين هما المستهدفتان من هذه الحرب العالمية.
هذه السيناريوهات الثلاثة في سورية، وكوريا الديمقراطية، وأوكرانيا ترتبط بالتأكيد ببعضها البعض، لأن الاضطرابات التي تشهدها هذه الدول الثلاث ذات صلة وثيقة مع خطط الحرب الأمريكية التي تقتضي تموضع قوات عسكرية استراتيجية، ففي منتصف شهر شباط الفائت، ارتكبت القوات الأمريكية مجزرة شنيعة شرقي دير الزور بحق القوات الحكومية المتواجدة هناك من خلال شن غارات على تلك المواقع، وكان ذلك الهجوم علنياً ووقحاً ضد الدولة السورية، إذ تقود الولايات المتحدة مع حلفاء آخرين من الناتو حرباً بالوكالة على سورية منذ أكثر من سبعة أعوام بغية تغيير نظام الحكم فيها، ولم يكن هذا الهجوم اللاشرعي هو الأول الذي تشنه القوات الأمريكية ضد مواقع للجيش السوري، بل سبقه أكثر من هجوم، ما يثبت أنها تطبق علناً خطة تدمير الدولة السورية، إذ تتصرف الوحدات العسكرية الأمريكية كجيش احتلال وتتحدى روسيا وحلفاء سورية الآخرين.
وفيما يخص كوريا الديمقراطية، لا توفر واشنطن جهداً، ولا وسيلة لإعاقة الجهود الدبلوماسية الجارية بين زعيمي الكوريتين في بيونغ يانغ وسيئول، ورغم أن جولة الحوار بين الكوريتين كانت إيجابية، إلا أن واشنطن نصبت قاذفات نووية (B-52، وB-2) في المنطقة وأرست ثلاث سفن حاملة للطائرات، والقاذفات B-2 مسلحة بقنابل سعتها 14 طناً من المتفجرات، وهي أضخم القنابل غير النووية في الترسانة الأمريكية الموجهة لتدمير مستودعات الصواريخ الكورية تحت الأرض، و”الإطاحة” بقيادتها العسكرية، كما أن نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس كان قد أطلق رسالة حرب ضد كوريا الديمقراطية دون مواربة أثناء حضوره الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية، وقال: إن الانفراج بين كوريا الديمقراطية وحليفة الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، سينتهي عندما تخمد الشعلة الأولمبية قريباً، أي عند انتهاء الألعاب الأولمبية، وهذه السياسة الحربية تتعارض مع الجهود المبذولة من قبل روسيا والصين لتنشيط المسار الدبلوماسي السلمي بين الكوريتين.
وخلال هذا الوقت، تقتضي الأجواء المشحونة والمتوترة للوضع في شرق أوكرانيا قرب اجتياح منطقة دونباس الانفصالية، حيث سيصل مفتشون ومستشارون عسكريون من البنتاغون إلى منطقة التماس التي تفصل قوات النظام في كييف المدعوم أمريكياً عن قوات الجمهوريات الشعبية في دونتيسك ولوغانسك، ما استدعى قائد الجيش في دونتيسك للتحذير من أن وصول مستشارين عسكريين من البنتاغون، وبريطانيا، وكندا يشير إلى أن القوات المسلحة في كييف تعد العدة لهجوم جديد ضد سكان دونباس الروس، حتى إن مراقبي منظمة الأمن والتعاون الأوروبي المكلفين بمراقبة إطلاق النار الرمزي على طول منطقة التماس بدؤوا التنويه إلى وجود أرتال من الأسلحة الثقيلة ومن قوات كييف في المنطقة نفسها، ما يشكل انتهاكاً لاتفاقات مينسك 2015 من أجل السلام.
وإذا ما شنت قوات كييف تحت قيادة أمريكية هجومها المتوقع الشهر الجاري ضد دونباس، فإنه يخشى من وقوع أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، وبالتالي سيجر هذا “التطهير العرقي” الذي تقوده قوات النظام في كييف ضد السكان الروس، والذي يحمل أيديولوجية النازيين الجدد بكل وضوح، تدخل موسكو على نطاق واسع لأسباب إنسانية، ولكن يبدو أن المخططين الأمريكيين يراهنون على ردة الفعل هذه التي ستكون الشغل الشاغل لوسائل الإعلام الغربية المسيرة، والتي ستصف الرد الروسي بـ “الاعتداء الروسي الجديد”، وكما هو معتاد لن تتردد في بث التقارير والصور المفبركة الضرورية لذلك.
وبحسب تحليل السياسي الأمريكي ريندي مارتين، من المؤكد أن واشنطن تسعى لشن الحرب وفق ثلاثة سيناريوهات عالمية، إذ إن “التحضير للحرب يعني الحرب”، وأضاف: كما يجب الأخذ بعين الاعتبار ملف “مراجعة الوضع النووي” الذي نشره البنتاغون بداية شهر شباط الماضي، والذي أعلن فيه أن روسيا والصين مستهدفتان، وأنه على استعداد للجوء إلى الأسلحة النووية من أجل قيادة حروب تقليدية ستكون اعتداءات غير مسبوقة، ويرى ريندي مارتين أن ما تريده واشنطن ليس واضحاً، ولكن يبدو أن الأمر يتعلق بالسعي للهيمنة على العالم قاطبة، هذه الهيمنة التي كانت منذ زمن طويل في صميم الامبريالية الأمريكية، وقد عبّرت عنها عقيدة “فولفويتز” عقب نهاية الحرب الباردة، ما تريده واشنطن من روسيا والصين هو المشكلة، ذلك أنها ظاهرياً تستخدم التهديد بالحرب كوسيلة لانتزاع ما ترمي إليه، ولكن لا نعرف ما الذي يرضيها، ربما تغيير النظام في روسيا بنظام موال للغرب ولواشنطن، أو ربما تريد من روسيا والصين العزوف عن مشروعهما المتعلق بالانضمام إلى الاتحاد الأوراسي الاقتصادي، والتخلي عن الدولار في معاملاتهما التجارية، إلا أن ما يبدو شديد الوضوح تورط واشنطن في مشروع حرب عالمية، كما تشهد على ذلك الأحداث الخطيرة في سورية، وشبه الجزيرة الكورية، وأوكرانيا، وربما تعتبر واشنطن كل سيناريو من السيناريوهات الثلاثة طريقة للضغط على موسكو والصين كي ترضخا بطريقة أو بأخرى لطموحاتها الخاصة بالهيمنة العالمية.
لا شك في أن واشنطن متهورة، بل حتى إجرامية بقيادتها التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة، وتخرق قوانين دولية لا تحصى، وتتصرف بوقاحة كنظام سوقي مارق دون أن تبدي أدنى رأفة بعالم مضطرب على حافة الهاوية، وفي المقابل لن تستسلم روسيا والصين للتهديد الأمريكي، لأن طموح الهيمنة العالمية أحادية القطب من المستحيل تحقيقه، ولأن هيمنة واشنطن على مدى سبعة عقود من الزمن، عقب الحرب العالمية الثانية، تغيرت وانقلبت بعدما غدا النظام العالمي متعدد الأقطاب، فعندما تتهم واشنطن موسكو وبكين بمحاولة تغيير النظام العالمي لمصلحتهما، الأمر الذي يسلّم به القادة الأمريكيون، فذلك ناجم عن قلقها من رؤية أفول حقبة الهيمنة الأمريكية.
روسيا والصين لا تفعلان شيئاً لاشرعياً ولاقانونياً، وإنما بكل بساطة نحن أمام حقيقة تحول تاريخي، ومشاريع حرب واشنطن جميعها دون جدوى لأنها تحاول تحقيقها بالقوة والإكراه الإجراميين، وليس بوسع هذه الخطط قلب مجرى التاريخ، لكنها قادرة على إبادة مستقبل العالم بحكم سمتها الشيطانية، مرة أخرى العالم على حافة الهاوية كما كان عشية الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهنا يرى الجميع أن الرأسمالية، والامبريالية، والفاشية في صلب المشهد مرة أخرى، وكما قال المحلل ريندي مارتين: لقد خرج القادة الأمريكيون من الخزانة لكشف القناع عن طبيعتهم الحقيقية المعارضة للعالم، والمولعة بالحروب، وأيديولوجيتها القائمة على التسلطية العسكرية، والهيمنة العالمية ما هي إلا وجه من وجوه الفاشية.