الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

تأملات غسان نعنع في “تجليات”

 

افتُتح أمس في صالة تجليات بدمشق معرض الفنان التشكيلي غسان نعنع وضمّ آخر أعماله التشكيلية. الفنان الذي أضاف للمشهد التشكيلي السوري نكهة بروح الأيقونة بما تتضمن من تعبير وجداني في حيّز من التصوير البليغ في شفافية الموقف المجسّد في الصورة المعبّأة بالمعنى والحميمية، المغطاة بهالة من النور والعاطفة، فقد ألبس لوحته قميصاً من ضوء يأتي من داخل شخوصه ليملأ المكان المقدّس في جو من أجواء الصلوات الجماعية، أو التواصل الروحي الصامت بين الأرواح في لغة لا يدركها إلا غسان نعنع المولع بالشفافية والصوت الخفيض أمام المعنى الكبير، حيث لا لغة إلا الجمال والتسليم بقيمة الإنسان كونه حميمياً ومألوفاً في نقاء القلب والسريرة والنور.
قدمت صالة تجليات في بيانها النقدي الفنان نعنع ولوحته:
“هي لوحة زمنية بامتياز، ولوحة صوتية بامتياز أيضاً، لوحة أسرار وبوح، موسيقا ووشوشات حدّ الصراخ، ولكن بأقل ما يمكن من الإثارة والضجيج، لوحة تصوّر مقطعاً زمنياً، للحدث أو الحالة، إلا أنها تكثفها ككل، وهذه طاقة وفنية غسان في الإخفاء والإظهار، دون التركيز على المكان إلا إذا كان يخدم الزمن، كوجود الآلة الموسيقية على الأرض مثلاً، لكن ليس بالضرورة أن يكون الشهيد ممدداً على الأرض، يمكن أن نراه ممدداً على الأبيض أو على الضوء (مجازاً)، إلا أن الزمن في لوحته يأخذ باتجاه المكان إذا كان العرض يتمّ في دائرة الحدث الزمني محور موضوع اللوحة، كما في لوحة (النظرة الأخيرة)، حيث يظهر من الأبيض موضوع اللوحة (الشكل الإنساني) وحوله العديد من الشخوص في حالة من الترقب والخوف تربطهم النظرات والهمسات. وأقول موضوع اللوحة لأحدّد أن الإنسان هنا هو الموضوع وليس الرجل وحسب، الشكل الإنساني هنا هو تعميم إنساني، لكن التخصيص الذي يأخذ اللوحة للمكان هو إشارة الأحمر هذه على الأبيض تحديداً، إشارة خفيفة قد لا نلحظها، لكنها تشير إلى نوعية الموت، وتشير بكل ضعف قوتها اللونية إلى الحرب، لذا تحدثت عن وشوشات، لمسات ريشة تصل حدّ الصراخ، عندما يتحول الأبيض إلى مسرح كبير ثم لا ترى إلا صرخة مختنقة ولمسة أحمر عندها إلى ماذا ستذهب روحك، وبماذا ستفكر؟! أن نعرف هذا عن اللوحة ثم نذهب لرؤيتها هو أفضل بكثير”.
في النهاية يمكن القول إن هذا المعرض من معارض العيار الثقيل بالجمال والبلاغة التشكيلية، فهو من المعارض المهمّة التي شهدتها العاصمة، وأضحى من الضرورة اليوم الاعتراف بأن الحياة التي انتصرت على الموت تتجسّد بلغة جميلة متفوقة ومتفائلة بدأت منذ وقت طويل وإيمان راسخ أن لا بديل عن الحياة ولغة الجمال والحب وهي اللغة السورية بامتياز.
أكسم طلاع