اقتصادصحيفة البعث

كونها المقوم غير المتكرر وغير القابل للمنافسة .. أوابدنا التاريخية على طاولة وزارتي “السياحة والثقافة” في مقاربة أولية بعد أن طالتها “حضارة” الإرهاب

إن المحتوى الثقافي المميز والموجه للسواح في إطار ما يطلق عليه بالسياحة الثقافية، لا يمكن أن يكون الهدف منه إلا هدفاً إنمائياً للقطاع السياحي وتحقيقاً للتنمية الشاملة للبلاد، ولتحقيق ذلك لابد أن تتوفر مجموعة من الأطر التي يمكن من خلالها تقديم النشاطات الثقافية المختلفة التي تساعد على تشجيع السياحة الثقافية. وفي هذا السياق يأتي اجتماع وزارة السياحة ممثلة بوزيرها المهندس بشر يازجي، ووزارة الثقافة لكونها الجهة الوصائية على المواقع الأثرية وغيرها من أوابد تاريخية، ممثلة بمدير عام الآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود، إضافة إلى اللجنة المختصة من المعنيين في الوزارة و”الآثار” في محافظات اللاذقية وحمص وطرطوس، لمناقشة تأمين الخدمات السياحية اللازمة لعدة أماكن أثرية، منها قلاع المرقب والحصن وصلاح الدين.

لأهميتها..

ولأن السياحة الثقافية هي المقوم السياحي المتميز غير المتكرر أو المتشابه أو القابل للمنافسة، فإن الاهتمام بالباعث الأساسي عليها هو الاطلاع على ثقافات الأمم وزيارة المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمتاحف، والتعرف إلى الصناعات التقليدية أو أي شكل من أشكال التعبير الفني والحضاري، لهو أمر في غاية الضرورة، ولعله يكتسب ويتطلب عناية خاصة في الحالة السورية، بعد التشويه الإعلامي المتعمد المترافق بتدمير أكثر تعمداً لمرتكزات هذا النمط من الأنماط السياحية القادرة على إيصال كم من الرسائل المختلفة إلى العالم.

تتطلب..

إن الاهتمام بالباعث أو ما يسمى بعلم السياحة “الدافع السياحي” لقيام السائح إلى سورية، يتطلب دراسة الأسواق المصدرة لتلك المجموعات السياحية المتعطشة لهذه السياحة، وهذا لم يطرح خلال الاجتماع المذكور، إذ ركز فقط – وهو أمر مطلوب وهام – على مناقشة تأمين الخدمات السياحية اللازمة لعدد من المواقع، ومنها كما ذُكر تلك القلاع، مكتفياً  بتناول مسائل مثل (الشارات- نقاط الخدمات- الاستراحات اللائقة – استخدام التكنولوجيا- مرافق صحية لائقة)، بما يحافظ على خصوصية الآثار وجمالها، كما تم مناقشة الاستعدادات لمهرجانات جزيرة أرواد بعد إعادة تأهيلها، ومهرجان القلعة والوادي في حمص، وتطبيق خدمة الترميز QR للاطلاع على أجمل مواقع الجذب السياحي للمغتربين السوريين ومحبي سورية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن اللجنة المشكلة بقرار وزير السياحة رقم ٨٩٠ تضم ممثلين من الخبرات الفنية في كل من المديرية العامة للآثار والمتاحف والوزارة، مهمتها دراسة الأماكن المناسبة للتوظيف السياحي داخل وخارج القلاع مع الفعاليات والأنشطة المقترح أقامتها، وإعداد دفتر شروط لاستثمارها وتقديم الخدمات فيها.

بعين الاعتبار..

وعليه يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار والحسبان أن السياحة الثقافية في وقتنا الحالي لم تعد مقتصرة في مفهومها على الثروات التاريخية، وإنما أدخلت عليها عناصر جديدة، وذلك باستحداث مناسبات واستغلال ظروف معنية بما يحقق تنويع المنتج السياحي لجذب شرائح جديدة من السائحين والزوار، وهذه المنتجات إن كان بعض منها موجوداً عندنا، لكنها لا تزال بحاجة للكثير من الترويج والتسويق لها، على الأقل على مستوى السياحة الداخلية، هذا ناهيكم عن استقطاب وجذب الخارجية. وفي هذا الشأن نرى إن من بين ما يقتضي العمل عليه في مرحلة التعافي السياحي، على سبيل المثال هو إحياء الدروب الأثرية المحلية والدولية التي كانت مكرسة لاستخدامات الحجاج والتجار، وبكل ما كان عليها من برك وآبار وخانات وشواهد وأعلام، بطرازها القديم، وأشكالها التاريخية؛ لأن ذلك سيعزز السياحة الثقافية، مثل المسارات الدينية، ومسارات الرحالة المشهورين، وطرق الحج والقوافل القديمة.

كما يمكن إنشاء مسارات سياحية جديدة في كل المناطق، سواء أكانت سيراً على الأقدام أم باستخدام الحافلات السياحية، وذلك بغية توسيع الدائرة السياحية لكي تشمل مناطق متنوعة تحتوي على مقومات سياحية مختلفة، وقادرة على المساهمة في عملية التطوير السياحي، وفي حالتنا السورية هذه يمكن إحياء طريق الحج الذي ربط قديماً أرواد وعمريت بالمعابد الفينيقية القديمة، مثل حصن سليمان مروراً بـ حمين.

التحدي..

وليس ختاماً نلفت إلى أن عدد المواقع المكتشفة والمعروفة حتـى الآن في سورية تقدر بنحو 3 آلاف موقع ومركز أثري يرجع بعضها إلى عمق التاريخ بأكثر من 8 آلاف عام، وقد تمّ تسجيل ستة مواقع منها على لائحة التراث العالمي (مدينة حلب القديمة – مدينة دمشق القديمة- تدمر- بصرى – قلعتي الحصن وصلاح الدين- موقع البارك الأثري في شمال سورية)، مواقع وأوابد لعل التحدي الأكبر الذي يواجه المعنيين بها هو كيفية وإمكانية إعادة من طالتها حضارة الإرهاب، وإعادة تسويقها في سوق السياحة الثقافية العالمية.

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com