رأيصحيفة البعث

على أعتاب الثامنة: ماذا بعد السبع العجاف؟!!

وعلى أعتاب السنة “الثامنة” من سنوات الحرب، في سورية وعليها، ومع التطورات الملفتة والمتسارعة في ملف “الغوطة الشرقية” بما يخرجها عن دورها المرسوم مسبقاً كخنجر في خاصرة العاصمة، ربما لم يبق من أوراق في يد واشنطن، قائدة الحرب على سورية، سوى حلم التقسيم، بعد أن جربت خلال السبع العجاف الماضيات كل ما هو ممكن في سياق عملية الاستتباع والإركاع التي شهدنا فصولها المتعددة، سواء الدموية في الميدان، أو الدبلوماسية – السياسية في اجتماعات ما سمي بـ”أصدقاء سورية” أو أروقة الأمم المتحدة ومجالسها المتخصصة العديدة.
والحال فإن “حلم التقسيم” الذي أكدته روسيا بالأمس حين قالت على لسان نائب وزير دفاعها: “إن الولايات المتحدة تسعى إلى تقسيم سورية، على الرغم من وعودها بالمحافظة على وحدة وسيادة هذا البلد”، هو حلم قديم متجدّد تحاول به واشنطن ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول، يتعلق بالدور السياسي والميداني القديم والمتقدم لسورية في الصراع مع المشروع الصهيوني في المنطقة بحيث أن استمرار النزيف السوري هو أمر ضروري لنجاح “صفقة القرن” التي تستخدمها واشنطن كخطوة انطلاق في استراتيجية “تفتيت الشرق الأوسط إلى جيوب طائفية” متقاتلة ومتصارعة تمنح، بوجودها، الشرعية المطلوبة لقيام “الدولة اليهودية” المزمعة، وتقدم، بانشغالها في صراعاتها البينية، نعمة الأمان لـ “إسرائيل”، بل تجعل منها بحكم الوقائع حليفاً لطرف ضد آخر وحكماً مقبولاً ومحايداً في القضايا الخلافية بين حلفائها الجدد.
أما الأمر الثاني الذي تبغيه واشنطن فهو تفتيت الركيزة المستجدة التي أثبتت السنوات الماضية، وما رافقها من بزوغ حلف دولي إقليمي واضح وناضج حول قضيتها، أن نتيجة الحرب فيها ستكون المحطة الرئيسة في ترتيب النظام العالمي الجديد بعد ثبوت نهاية صلاحية نظام القطب الواحد الذي فرض نفسه بعد سقوط جدار برلين، خاصة إذا اخذنا بعين الاعتبار تزايد “الأهمية الإستراتيجية لمنطقة شرق المتوسط، وسورية مركزها، بعد الاكتشافات الجديدة للغاز فيها”، وتزامنها مع ارتفاع حدة الشراسة العالمية في الصراع على أنابيب وخطوط نقله باعتباره الطاقة البيضاء الأنسب في صراع الاقتصاد لما تبقى من القرن الحالي.
وبالطبع لم يكن لواشنطن أن تمضي في مشروعها قدماً، كما قالت وزارة الدفاع الروسية وأثبتت الحقائق الميدانية، لو لم تكن على حوامل داخلية وبالتحديد على حاملين اثنين يبدوان متناقضين ظاهرياً وإن كانا متوافقين موضوعياً، أولهما الإرهاب المسلّح المتمثّل بـ”داعش” وأشقائه والذي افتعله ورعاه دهاقنة البيت الأبيض مستندين إلى إبراز وخلق ارتكاسات متعددة لظواهر تاريخية إشكالية كان الظن الثابت أنها اندثرت وبادت، والثاني أحزاب سياسية، بامتدادات عسكرية، ذات توجّه يساري أممي أضاعت، كغيرها من أشباهها، البوصلة حين لوّحت لها واشنطن، كاذبة، بحلم شوفيني وبأغصان زيتون اتضح لاحقاً أنها أغصان دامية وأنها أول أضحية في حساب الأحجام الدولية ولعبة الأمم القاتلة.
بيد أنه من الواجب ونحن نعرض للأحلام الأمريكية أن نؤكد أن التحذير منها شيء، والترويج لها والاستكانة لحتميتها كمآل نهائي للحرب أو كقدر لا يمكن رده أو مواجهته شيء آخر، وإذا كان التحذير منها محمود ومطلوب، فإن الترويج لها كقدر حتمي ضعف نظر وخوار إرادة إذا افترضنا حسن النية، ومساندة واضحة للمحتّل في حال النية السيئة، فالحرب لم تضع أوزارها بعد، وما نشهده منها هو صولات وجولات فيها كرّ وفيها فر، والنصر قرار كما هي الوحدة إرادة، وتلك، أي الوحدة، ستكون معركة “السنة الثامنة” وما بعدها، وتلك معركة تحتاج إلى السياسة وتوافقاتها الوطنية الداخلية، باعتبارها نتاج فعل مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات، كما تحتاج إلى الرصاص ضد المحتّل الخارجي. والتاريخ دروس وعبر، والميدان لا زال مفتوحاً، والصراع مستمر.
أحمد حسن