ثقافةصحيفة البعث

إلياس زيات الأيقونة.. سوري بالمعنى الحرفي للكلمة

تأكيداً على ضرورة تكريم مبدعينا بالشكل اللائق، وسعياً إلى ترسيخ قيم الحب والوفاء لشخصيات كانت ولا زالت تؤثر فينا وفي مجتمعنا احتفى مركز ثقافي أبو رمانة مؤخراً من خلال ندوة تكريمية ومعرضٍ شارك فيه عدد كبير من فنانينا بالفنان التشكيلي إلياس زيات، وبيَّن معاون وزير الثقافة علي المبيض أثناء تكريمه للزيات أنه إذا كانت كل دروب الحب تؤدي إلى حلب فإن دروب الفن الجميل تؤدي إلى قامات ثقافية وفنية أمثال إلياس زيات، وهو حينما يكرمه باسم وزارة الثقافة فإنه يكرم نفسه، في حين شكر إلياس زيات كل الجهود التي بُذلت لإقامة هذه الندوة، كما شكر جميع الفنانين الذين شاركوا في المعرض الذي أقيم تحية له على هامش الندوة، وأهدى تكريمه لذكرى فنانين أمثال محمود جلال ومحمود حماد وفاتح المدرس ونذير نبعة.

حصادٌ لما زرعه
وأكد الناقد سعد القاسم الذي أدار الندوة والتي شارك فيها الفنانون نشأت الزعبي ود.عبد الكريم فرج أن زيات فنانٌ سوري بالمعنى الحَرفي للكلمة بتمثله سورية ثقافةً وحضارة عبر آلاف السنين، بعيداً عن الاستنساخ ومن خلال تقديمه التراث برؤية فنية معاصرة، وهذا يشمل فنون ما قبل التاريخ، وبشكل أساسي مدينة تدمر، إلى جانب عمله الهام في فن الأيقونة والفن الإسلامي وبحثه الطويل فيهما فاستطاع أن يقدم أنموذجاً في كيف يمكن للفن الحديث أن يكون أصيلاً دون أن يتخلى عن علاقته بعصره، وأشار القاسم إلى الجهود الكبيرة التي بُذلت من قبل الفنانين للمشاركة في معرض تحية لزيات، ولم يستغرب ذلك لأن حب الفنانين للزيات هو حصاد لما زرعه في حياتنا الإنسانية والتشكيلية.

طفل وجرة
أوضح نشأت الزعبي أن معرفته بزيات بدأت في مصر أثناء العام الدراسي 1960-1961 عندما اصطحبه نذير نبعة إلى مَرسم السنة الرابعة في كلية الفنون في القاهرة ليريه عملاً لسوري قَدِم من بلغاريا ليستكمل دراسته في مصر، ولم يكن صاحب العمل موجوداً وقتها في المرسم، فوقف الزعبي مع الفنان نبعة متأملَين عملاً استحوذ عليهما بكثير من الدهشة والمتعة والحب، وبيّن الزعبي أنه كان عملاً واقعياً “طفل وجرّة” ولكن الأهم أنها كانت واقعية محملة بإدراك حسيّ على نحو خاص، وأشار إلى أن زيات كان وما زال لا يكترث بالمحاكاة أو بتقديم تقرير مفصّل فوتوغرافيّ عما يراه وإنما كان يمتلك رؤياه الخاصة، ولكن بعد الانفصال بين مصر وسورية وجد الزعبي نفسه والزيات سوية في كلية الفنون بدمشق طالباً وأستاذاً، فتعمقت صداقتهما، وكان الزعبي زائراً مرحبّاً به في مرسم زيات وبيته، كما كانت تجمعهما سهرات ثقافية مهمة جداً مع الأستاذ محمود حوّا أستاذ علم الجمال في الكلية آنذاك والذي كان يسكن في ملحق يطل على ساحة التحرير، ذلك الملحق الذي كان مقصداً لكثير من الشعراء والفنانين والزملاء.
ورأى الزعبي أن الأوقات التي تركت تأثيراً كثيراً ما تسترجعها الذاكرة بما تحفظ، لذلك لا يغيب عن ذاكرته أبداً ذلك البورتريه الذي كان معلّقاً في صالة بيت الزيات والذي كان ربما لأخته لأنه عملٌ مدهش لبساطته وشفافيته، فجاء بروح صوفية ترقى به لأن يكون أيقونياً. ولأن الزغبي كان وما زال يصنف نفسه تلميذاً لزيات بيَّن أنه تعلم من صحبته كيف يكون جيداً على قدر ما يستطيع في كل شيء، وأن يفتش في عمله في الفن عن نشوته الخاصة بما يرى أو يشعر، وألا يركّب لوحته تركيباً مصطنعاً لا حياة فيه.

الإبحار في الأعماق
وأن يكتب تلميذٌ عن معلمه وأستاذه كمن يصعد سلّماً درجاته متباعدة، لكنه سيحاول التسلق.. بهذه الكلمات بدأ د.عبد الكريم فرج مداخلته، -وهو من الذين عايشوا زيات معلّماً- أن زيات المعلم لم يعوِّد طلابه على رسم الصور التمثيلية لأشياء لأنه لم يمتهن التقليد والمنسوخ، لكنه علّمهم طريق الإبحار في الأعماق وكيف يصلون إلى منابع الصدق، فكم من مرة قال : “شيئين لا يُستغنى عنهما في الإبداع الفني هما الضوء وجوهر الحياة” وقد جاءت لوحاته تنبئ بذلك، فمن خلالها نكتشف ذواتنا، باحثين عن الأمل والنور في كل لحظة وفي كل مكان إلى رحاب الشكل واللون.
أما الحقيقة في لوحاته التصويرية فيراها فرج منعمة بالحوار بين المادة والروح، حيث تتحول المادة إلى وجدان يفيض بالمشاعر الإنسانية التي عُرف بها الزيات وقد عُرف بمحبته لطلابه وزملائه وهو الذي كان يردد دائماً أمام طلابه: تعلّموا من فاتح المدرس عندما يقول لكم: “الفن الشرقي بناء لاهوتي يدور في فلك غير مرئي” ولطالما استشهد أمام طلابه بأقوال كثير من زملائه الأساتذة الكبار.
وذكر فرج أنه وأثناء دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة في وارسو التقى في محترف أستاذه البروفيسور روجينسكي بالبروفيسور البلغاري أستاذ الغرافيك في أكاديمية صوفيا توموف وسأله إن كان يعرف زيات لأن الزيات كان قد ترك انطباعاً خاصاً في أكاديمية صوفيا عندما كان طالباً هناك. وختم فرج كلامه بالإشارة إلى أن أهم نشاطات زيات الفنية المتميزة أنه أعدّ معرضين للأيقونة، الأول في مكتبة الأسد عام 1987 والثاني في المتحف الوطني بدمشق.

أمينة عباس