اقتصادصحيفة البعث

أين نحن من قياس الأداء..؟

 

 

مؤشرات عدة تدل على عودة الحركة الإنتاجية لعدد من المؤسسات وعلى أكثر من صعيد وإن كانت ليست بنفس الوتيرة التي سبقت الأزمة، وأخرى تدل على تراجع ملحوظ بالأداء للبعض الآخر، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الراهنة التي باتت شماعة لتعليق الفشل أحياناً، والإفشال أحياناً أخرى، لكن سبق وأشرنا وبأكثر من مناسبة إلى أن بعض المؤسسات تكيفت مع تداعيات الأزمة وفق الإمكانيات المتاحة، واستطاعت فعلاً تنفيذ مشاريعها سواء على الصعيد الإنتاجي أم الخدمي، في المقابل هناك الكثير من المؤسسات التي استكانت لمجريات الأمور، بل إن بعضها وجد الأزمة فرصة لتبرير تقصير يمتد لعقود خلت..!
وبعيداً عن تحديد هذه المؤسسات الناجحة والفاشلة، إلا أن ما سبق يستدعي اعتماد مبدأ قياس الأداء للقطاع العام الذي لم يكن بعيداً عن التطورات التي حدثت خلال السنوات التي سبقت الأزمة، والتي تحدث بالتزامن معها، سواء على الصعيد العالمي الذي تمخض عنه ظهور ما سمي علم الإدارة العامة الجديد، وما نادت به من تطبيق مفاهيم إدارة الأعمال الخاصة في إدارة المنظمات العامة، أم على الصعيد المحلي وما أفرزه من تحديات باتت بحاجة إلى مبادرات استثنائية لتجاوزها تارة، والتكيف معها تارة أخرى.
في الوقت الذي يحمل فيه الكثير من المراقبين رئيس الهرم في أية مؤسسة أو شركة حكومية مسؤولية التعثر أو التقصير في مؤسسته، ويعد البعض أن الحل الأمثل لتحسين مستوى الأداء يتمثل بضرورة تعديل مراسيم إحداث هذه المؤسسات بما يتماشى مع الواقع الراهن والمنافسة الحقيقية مع القطاع الخاص، بحيث تمنح المؤسسات الاقتصادية التجارية والصناعية الاستقلالية في ميزانياتها، وأن تتعامل بمنطق الربح والخسارة مثلها مثل أي تاجر؛ لأن استمرار العمل بالأنظمة الحالية في ظل المنافسة الشديدة للقطاعات الأخرى يزيد من تراجع أدائها ويوقعها في مآزق مالية لا يمكن أن تستمر.
تؤكد تجارب كثير من دول العالم أن منافسة القطاع الخاص لنظيره العام تؤدي إلى خسارة الأخير لاعتبارات تتعلق بمستوى تدقيق الأول وحرصه على متابعة سيرورة أعماله؛ ما يحتم على العام بسط سيطرته على قطاعات استراتيجية خدمية وإنتاجية دون الخاص، وألا يدخل معه بمنافسة في بقية القطاعات، ولعل سرّ نجاح مؤسسات القطاع الخاص ولاسيما الإنتاجية منها مقارنة بالعام يكمن في اعتماد مبدأ قياس الأداء الذي يفتقده نظيره العام، وهنا نشير إلى أن كلا القطاعين يكمل بعضهما الآخر في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإن بعض المؤسسات التي يجب أن تبقى محصورة بيد العام لا بد من إخضاعها لقياس الأداء بغية تطوير عملها بشكل مستمر، حتى لا نصل إلى مرحلة – وإن كانت مستبعدة على الأقل في هذه المرحلة – تتعالى فيها الأصوات المطالبة بخصخصة قطاعات، مثل الهاتف والبريد والتدريس والكهرباء وغيرها من القطاعات التي يجب حصرها بيد الحكومة ولا يتدخل فيها نهائياً القطاع الخاص..!
لعلنا لا نبالغ إن قلنا: إن تجربة منافسة الخاص للعام في مجال التدريس أثبتت فشلها، وأصبحت المنافسة على حساب الارتقاء بمستوى التعليم، وكذلك الأمر في مجال النقل الداخلي حيث استغل المستثمرون حاجة المواطن اليومية لهذا الموضوع الحيوي، ولم يبالوا بتقديم الخدمة المناسبة..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com