تحقيقاتصحيفة البعث

تتطلب الإسراع في الإنجاز .. المخططات التنظيمية في اللاذقية.. تفتح مسارات التوسع العمراني.. وتنشط القطاع الاستثماري

 

تلقّت خطة التوسع بالمشروعات الاستثمارية سقوفاً عالية من الوعود المتلاحقة لإحداث اختراق حقيقي في المعيقات التي تعترض تنفيذها، وتحدّ من انتشارها، وكثرت التطمينات الداعية لتحريك المياه الراكدة في الاستثمارات الصغيرة لكونها تحقق الحامل الحقيقي للتنمية الاجتماعية أولاً، وللتنمية الاقتصادية ثانياً، ولأنها قابلة للتنفيذ وأسرع في دخول العملية الإنتاجية، كما أنها تحقق الانتشار الأفقي المطلوب قبل غيره، كونه يولّد فرص عمل، ولا يحتاج إلى مساحات واسعة من الأرض، ولا يخفى أنّ تأمين الأرض يشكّل عقدة مستعصية الحل في كثير من الأحيان، والحالات في محافظة مثل اللاذقية ذات الطابع الزراعي الحراجي والسياحي، وما يزيد الطين بلة، عدم اكتمال المخططات التنظيمية لعدد غير قليل من الوحدات الإدارية التي دخلت –هذه الأخيرة– على خط الاستثمارات في أملاكها العامة تشاركياً أو ذاتياً، وبات المطلوب منها التوجّه الفعلي نحو هذه الأولوية الاستثمارية لتحقيق عائدات وإيرادات تدعم مشروعاتها وخدماتها واحتياجاتها.
عقبة تخطيطية
وفي الوقت نفسه فإن الراغبين في الاستثمار الخاص في نطاق هذه الوحدات الإدارية بمشروعات ذاتية لن يكونوا بمنأى عن عقبة تخطيطية تنظيمية تقطع عليهم طريق الاستثمار، وقد تطيل أمده الإجرائي في أحسن الأحوال إذا لم تكن المخططات التنظيمية للتجمعات العمرانية في الوحدات الإدارية صادرة ومصدّقة أصولاً ليكون مسار الترخيص الإداري سالكاً بسهولة، وأما الملكية على الشيوع التي تعدّ علامة فارقة في مساحات واسعة من أراضي اللاذقية، فهذه مشكلة مزمنة وحادة يجري طرحها على مدى عقود، ولكن لم يتم الاقتراب من هذا الملف المعقد مطلقاً، وربما يعزى عدم الاقتراب إلى أنّه ملف شائك، وبالتالي فإن الخروج منه ليس مثل الدخول إليه.

لتحريك العجلة الاستثمارية
وفي السياق نفسه يرى البعض أن تحريك العجلة الاستثمارية مرتبط في جزء كبير منه بقضية الاستملاك السياحي للشريط الساحلي الذي تنضوي تحت إشارته مساحات واسعة من الشاطئ بعمق يصل حتى 3 كم في بعض مواقعه، وما يجعل هذه المساحات مجمّدة استثمارياً منذ أربعين عاماً، وخلالها لم تقلع حتى المشروعات الاستثمارية السياحية التي تمّ وضع إشارة الاستملاك لأجلها منذ سبعينيات القرن الماضي، ومهما يكن فهناك أيضاً من يرى أنّ الزخم الكبير من الاهتمام الحكومي بدفع عجلة الاستثمار يجعل من المعالجة المطلوبة للعقبات الاستثمارية ممكنة وواردة ولو تدريجياً، سواء من خلال ميزان استخدام الأراضي، وتعديل الصفة التنظيمية، والإسراع بإصدار، وتصديق المخططات التنظيمية، ومنح صلاحيات أوسع للوحدات الإدارية وفق الأنظمة والقوانين، واعتماد بوصلة ناظمة تخطيطياً للعملية الاستثمارية تمكّن من فلترة المعيقات، ومعالجتها بمصفوفة حلول جامعة للمشكلات المتماثلة والمتشابهة.

ضرورة تنموية
وعندما لا تغطي المظلة التخطيطية أي تجمع عمراني في الوحدة الإدارية لسبب أو لآخر، فمن البديهي أن ينعكس على تعذّر الترخيص الضروري للمشروعات في مناطق الوحدات الإدارية حسب الأنظمة والقوانين النافذة، وهذا يكبح أي مشروع تنموي أو استثماري بما في ذلك أعمال التشييد التي يشترط فيها استيفاء الصفة التنظيمية، وهذه الصفة أشبه بإعجاز حقيقي، لأنّ مصير أي مشروع معلّق عليها، وكما أنّ مآله متوقف عليها ومرهون بها، وفي إطار أشمل فإن أكثر ما تحتاجه عملية التوسع في هذه المشروعات التخطيط التنظيمي والعمراني والطبوغرافي لتلبية متطلبات وضرورات التوسع الذي يفرضه التزايد السكاني والنشاط التنموي الذي يسهم في زيادة عدد المنشآت والمشروعات الصغيرة والمرافق العامة، وبرغم ذلك فإن المسار التخطيطي لهذا التوسع في ريف اللاذقية تعثّر وتأخر خلال الفترة الماضية، وهذا التأخر يقرّ به المعنيون بهذا التخطيط.

الحد من البناء العشوائي
ويوصّف مدير الخدمات الفنية في اللاذقية المهندس وائل الجردي واقع الحال في التخطيط التنظيمي بأنه حصيلة تراكم لسنوات ماضية، وما تخللها من تقصير في إنجاز المخططات في الوحدات الإدارية، وهذا ما يجري العمل حالياً على تداركه بكل الإمكانات والسبل لاستكمال العمل التخطيطي في التجمّعات العمرانية في الوحدات الإدارية، مؤكداً أن الهدف من مشروعات التخطيط والتنظيم العمراني والطبوغرافي الحدّ من البناء العشوائي، وتلبية الاحتياجات التنموية الناتجة عن التزايد السكاني، وتحديد اتجاهات التوسع في التشييدات والمنشآت من مرافق خدمية ومدارس، ووحدات إدارية وإرشادية، وشبكات طرقية وغيرها من المرافق الضرورية في التجمعات السكنية، وتندرج في خطة مديرية الخدمات الفنية.

الوصول إلى قاعدة تخطيطية
ولفت الجردي إلى توافر الآليات لإنجاز الأعمال بالسرعة المطلوبة لأداء الفرق الطبوغرافية التي يستغرق عملها في المسح والسبر شهوراً للوصول إلى القاعدة التخطيطية المتكاملة بكل إحداثياتها وبياناتها ومعطياتها، لأن المخطط التنظيمي للتجمع السكني والعمراني يشكّل بوصلة حقيقية لآفاق توسع المنطقة المدروسة، وتحديد المواقع المتاحة للمشروعات والمرافق الخدمية والتنموية، ويرى الجردي أن التقصير في إنجاز المخطط التنظيمي لأية وحدة إدارية تتحمله المديرية والوحدة الإدارية نفسها التي لم تتابع مخططها كما يجب، ودون أي تأخير أو تأجيل قياساً على أهمية المخطط بالنسبة لها، وفي ضوء حاجتها له في التوسع بالمشروعات في نطاق عملها وفي مجال إشرافها.

صعوبة في الترخيص
ويجد الجردي أن هذا التقصير سيلقي بظلاله أيضاً على المواطن القاطن في تلك التجمعات العمرانية، لأنه يتعذّر عليه الترخيص ليتمكن من البناء ما لم تكن المخططات التنظيمية منجزة ومكتملة ومصدّقة أصولاً، ويعزو ذلك كله إلى خلل في عمل القائمين على الوحدة الإدارية، وإلى تقصير مديرية الخدمات الفنية خلال الفترات السابقة، حيث كان من المفترض إنجاز هذه المخططات تحسباً، وتحقيقاً لمتطلبات ومقتضيات التوسع والتنظيم، وهذا ما راكم العمل كثيراً في هذا المجال.

معالجة لاستدراك التراكم
وعن معالجة التقصير التخطيطي الحاصل يقول الجردي: لدى مديرية الخدمات الفنية متابعة يومية في عملها لكل ما يتصل بالمخططات التنظيمية استدراكاً للتقصير المتراكم، ولديها تسارع في معالجة كل ما يردها بهذا الخصوص من الوحدات الإدارية، كما تتواصل المديرية مع هذه الوحدات ليكون التخطيط التنظيمي على رأس الأولويات من خلال مناقشته، ودراسته، وإنجاز ما يلزم من أعمال وإجراءات بهدف الوصول إلى وضع مخططات لهذه الوحدات الإدارية بعد عرضها خلال 15 يوماً، موضحاً أن هناك 130 مخططاً تنظيمياً مصدّقاً على مستوى المحافظة، وليست هناك أية معوقات تعترض طريق إنجازها بما يخص الكوادر، والمستلزمات الفنية، والآليات، والاحتياجات.

توسعات يجري العمل عليها
وكشف المهندس الجردي عن توسعات جديدة تعمل عليها مديرية الخدمات الفنية في المخططات التنظيمية في كل الوحدات الإدارية، لاسيما أن التوسع ضرورة تنموية حيوية في كل الوحدات الإدارية التي باتت مغطاة بمخططات تنظيمية، أما إذا كانت هناك إشكالات فمردها إلى تلكؤ الوحدة الإدارية في عرض مخططاتها على اللجنة الإقليمية، وعدم الإسراع في الإجراءات المطلوبة لتصديق مخططاتها نتيجة عدم عرضها على اللجنة، ولذلك فهناك عمل مكثّف وحثيث على مدار 24 ساعة لاستدراك أي نقص أو تقصير في الإنجاز.

إنجاز المخططات التنظيمية
تستحوذ أولوية الإسراع بإنهاء المخططات التنظيمية في الوحدات الإدارية على برنامج عمل اللجنة الإقليمية في محافظة اللاذقية التي تعقد اجتماعات ماراثونية طويلة لساعات على مدى أيام بشكل دوري للنظر في الأضابير والمخططات المعروضة عليها، ويؤكد أعضاء اللجنة على ضرورة إنهاء المخططات التنظيمية في مجالس المدن والبلدات لما لهذه المخططات من أهمية تنموية، وبيئية، وعمرانية، واستثمارية، وقد أكدت اللجنة على إقامة المولات في طوق البلد والضواحي، وضرورة زيادة عدد الفنادق في المدينة، وضرورة أن تكون أقبية الأبنية السكنية والتجارية مرائب للشاغلين، وتدرس اللجنة المخططات التنظيمية لمجالس البلدات بعد دراسة اعتراضاتها إيذاناً بإصدارها كونها جاهزة.

ضوابط واشتراطات
لم تكن المنشآت الصناعية الصغيرة هي الأخرى بمنأى عن اشتراطات التخطيط الإقليمي التنظيمي، حيث تحول هذه الاشتراطات دون انتشارها وإقامتها إلا بعد حصولها على الموافقة الإدارية من الوحدة الإدارية عبر اللجنة الإقليمية رغم تقديم تسهيلات لها في الترخيص الصناعي في إطار تشجيع التوسع بالاستثمارات الصغيرة، إلا أن هذه التسهيلات لا تثمر مشروعاً دون لحظ مثل هكذا مشروعات في المخطط التنظيمي، ولأجل تخطي هذه الصعوبة تم في محافظة اللاذقية تفعيل لجنة البلاغ رقم (9) التي تضم في عضويتها مديري البيئة، والسياحة، والخدمات الفنية، والصناعة، والتخطيط الإقليمي، والموارد المائية، والشؤون القانونية في المحافظة، وهذه اللجنة معنية بدراسة ومنح التراخيص والموافقات للمنشآت الصناعية القائمة وغير الحاصلة على التراخيص المؤقتة، حيث تم تكليف اللجنة بدراسة الأضابير المقدمة للحصول على تراخيص بالسرعة الممكنة، وحل المشكلات المتعلقة بها، ووضع معايير للعمل وفق ضوابط قانونية، وبما يتناسب مع الظروف الحالية، وقيام المديريات المعنية بمنح التراخيص بمتابعة الأضابير حرصاً على دقة العمل، والتركيز على مسألة إعطاء تراخيص لمنشآت صناعية داخل وخارج المخططات التنظيمية لجميع المهن، ووضع جدول زمني متكامل للعمل يضمن عدم الإطالة بإعطاء أي ترخيص مستوف للشروط، ووفقاً للمعطيات فإن عدد التراخيص الصناعية التي حصلت على موافقة مؤقتة بلغت (234)، والتي حصلت على موافقة كلية بلغت (43) منشأة، وتم تكليف اللجنة بدراسة المنشآت المتوقفة، وأسباب توقفها، وتسوية أوضاع المنشآت القائمة قبل عام 2012.

تحريك ملف الاستملاك السياحي
لأنه يجمّد مساحات واسعة من الشريط الساحلي فإنه لا يمكن الحديث عن توسع تنموي في اللاذقية دون إيجاد معالجة لهذا الملف الذي لايزال يعيش على الوعود منذ سنوات، وفي آخر ما رشح عن جديد هذا الملف المعلّق أن تحريكه ووضعه على خط يمكن أن يكون مرتقباً في المدى بالتنسيق بين وزارة السياحة ومحافظة اللاذقية، وأن هناك خيارات للمعالجة المقترحة، إحداها قد يكون التخفيف من عمق الاستملاك عن خط الشاطئ، لأن الاستملاك يصل عمقه في بعض المواقع إلى 3 كم عن الشاطئ، أي أن هذا الخيار يرمي إلى تحديد الاحتياجات الدقيقة الفعلية للاستملاك دون أن تكون على حساب العقارات المستملكة بأعماق كبيرة، ووضع رؤية تطويرية تنعكس على المزارعين، وأصحاب العقارات المستملكة أراضيهم، وفق أسس ومعايير تضمن إنصافهم، واعتماد التخطيط السياحي المدروس بما ينصف الفلاحين المستملكة أراضيهم، مع حساب قيمة فوات السنوات بحلول مدروسة قابلة للتطبيق، وببدائل، ووفق معايير متوازنة لتطوير الشريط الساحلي وتنميته.

مروان حويجة