اقتصادصحيفة البعث

يستطيعون ولا يستطيعون؟!

عديدة وهامة هي النقاط التي طرحها السيد رئيس مجلس الوزراء أثناء اجتماعه مع مديري المؤسّسات الاقتصادية ومعاونيهم.

تقديرنا لما تمّ تناوله، مردّه أمران اثنان أولهما: الشفافية في مقاربة الوضع الاقتصادي وواقع مؤسساتنا وشركاتنا الاقتصادية، وحقيقة الدور الراهن للقائمين على إدارتها لناحية الفعالية والجدية والنتائج. وثانيهما: لأن تلك النقاط أظهرت المتابعة لما يُطرح في الإعلام، خاصة وأن ما طُرح تمّت مقاربته من الزاوية التي عُرض فيها خلال الاجتماع.

ولعلّ أكثر ما استوقفنا من تلك النقاط، موضوع التشاركية مع القطاع الخاص، الذي ورغم خصَّه بقانون، إلاَّ أن النتائج لم تكن بقدر المأمول منها، وربما يكون أحد الأسباب في ذلك –حسب قراءتنا- كامن في التوضيح الذي لفت إليه رئيس الوزراء حين قال: “نرجو ألا يُفهم من كلامنا أننا نبيع مؤسساتنا”، ما يعني أن هناك فهماً منحرفاً لقانون التشاركية أدى لشبه انعدام أية مخرجات استثمارية للقانون، نكتفي بهذه الإشارة ولن نزيد أكثر!.

ولو انتقلنا لتبيان المراد من التشاركية انطلاقاً من ضرورة العمل ضمن رؤية منطقية، بمعنى أن “على الجميع أن يعتبر مؤسسته مؤسسة خاصة ويحولها إلى مؤسسة رابحة”، كما ذكر رئيس الحكومة، لتجلَّت الأمور على حقيقتها الكاملة.

رئيس الحكومة الذي أراد من المدراء اعتبار مؤسساتهم مؤسسات خاصة، ربط من حيث يدري أو لا يدري، نجاح المؤسسة وتحقيقها للربح بأسلوب وطريقة وآليات إدارة المؤسسة الخاصة، وكأننا به –للوهلة الأولى- لا يعلم أن التحوّل لمثل الخاص، أو ما يشبهه، يحتاج أول ما يحتاج لبنية تشريعية تمكّن المؤسسة العامة مما في الخاصة من مرونة وآليات وفكر ديناميكي.

أما الأكثر أهمية فهو ضرورة أن تؤمن القيادات الإدارية في تلك مؤسسات العامة بأن ما تديره هو كما “ملكها الخاص” تماماً، وهنا يحضرنا العديد من المدراء الذين فشلوا وفشَّلوا مؤسسات وشركات كانوا يديرونها، لكن عندما أصبحت لديهم شركات خاصة بهم حقّقوا نجاحات وأرباحاً لم يستطيعوها في السابقة، علماً أن هناك مدراء عامين عملوا شركات خاصة به وهم على رأس عملهم العام؟!.

مطالبة رئيس الحكومة، الآنفة أعلاه، نظرياً تستحق التقدير إلاَّ أنها عملياً من الصعوبة ما يجعلنا نتساءل: وكيف…؟!.

وتساؤلنا ليس من فراغ، بل نابع مما نعلمه في هذا الشأن، وحدث مع رئيس مجلس الوزراء نفسه، يوم طرح موضوع مشروع مصنع العصائر في الساحل لإنهاء عقدة تسويق محصول الحمضيات في ساحلنا، التي لا تزال “مُعنِّدة” على العلاج؟!.

ما حدث -بالمختصر- أن رئيس الحكومة وفي اجتماع مع وزير الصناعة السابق بخصوص المصنع العتيد، وجّه بالعمل لإنجاز كلّ ما يتطلبه الوصول ليصبح المشروع واقعاً، ولأجل ذلك أعطى الوزير والمعنيين بالأمر كامل “الحرية والمرونة” للوصول إلى ذلك، وفعلاً تمّ إعداد كلّ ما يلزم من إعلان ولقاء مع مستثمرين بلغ عددهم نحو العشرة، وتمّ تقديم العروض وغير ذلك، لكن حين تم ّتقديم ما خلصوا إليه من نتائج للمباشرة بإجراءات تجسيد المصنع على الأرض، كانت المفاجأة أنه يجب اتباع الخطوات القانونية، ليكون المصنع قانونياً وفق الأنظمة المرعية في استثمارات كهذه؟!.

ذكرنا ما ذكرنا لنقول: إنه وعلى الرغم مما أبداه رئيس الوزراء يومها من مرونة، متجاوزاً كل الخطوات البيروقراطية وتعقيداتها، إلاَّ أنه لم يستطع تمرير المشروع وهو رأس السلطة التنفيذية، فكيف بمؤسسات وشركات تحكمها وتكبّلها منظومات قانونية وغير قانونية، ويُراد من مدرائها، ما يستطيعونه وما لا يستطيعونه؟!!.

هامش: مؤخراً شملت هيئة الاستثمار مشروع مصنع متكامل للعصائر الطبيعية والحليب والمياه الغازية، بطاقة إنتاجية تصل إلى 8 آلاف طن من الحمضيات المغلفة والمعبّأة بـ 42 مليون عبوة عصائر، و17 مليون عبوة حليب منكه وغير منكه، و27 مليون عبوة مياه غازية، بكلفة 312,75 مليون ليرة.

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com