ثقافةصحيفة البعث

الغوطة ونصرها الأغر

الشمس أنتم وبشائر النصر والعنفوان.. أبجديات من الكلام المُقفّى.. أنتم نطقُ الله وسرمده, نطقُ النصرُ المجتبى وحقيقته.. بأي الأقلام نكتبُ وكُلّها تنحني تبجيلاً  وخشوعاً أمام عظمة دمائكم ورحيق تعبكم، وما أجمله من رحيقٍ! عطره تسامى, وريحانه اجتباء النصر في موعده, اجتباء لحنه وبعض علاماته، وما أجمله الوقت عندما يُقدس جماله, ويُجتبى من حيث خطة أقدامهم, ومن حيث علائم نصرهم وإعجازهم البطولي, من حيث ذاك الصوت الذي يسألُ عن الغوطة والجواب يأتي: قُل هي صلاة رجال الله في محراب الوقت القدسي, هي بسملة الأوفياء من صبروا وصابروا وكانوا أشداء على من دنّس تراب الوطن, كانوا نسغ الحياة وهل من بعدهم ترتجى الحياة؟ وهم أعمدة البقاء الأسطوري.. هم من عمّدوا بدمائهم أرض الشام, فكانوا التاريخ الأغر عندما يجلجل بصدى الصوت العظيم، وهم فرحة كل طفلٍ ينتظر والده البطل أن يهاتفه قائلاً: (بابا الجيش انتصر) وبينما تصرخ تلك الأم قائلة: قمْ يا ولدي، قمْ يا قطعة من روحي, قمْ فالشمسُ تسطع الآن من حيث كنتم, من حيث تقدّس المكان بطهر دمائكم قمْ و حدّثهم عن بردك و جوعك عن أيامٍ وليالٍ، كنت تحلم بذاك الانتصار أن يكون شمسها وقمرها قمْ وحدّثهم عن أرضٍ عشقت ترابها, فكنت اجتباء الشهادة في محرابها.

كنتم وكانت الغوطة  دليلاً آخر على أن الياسمين لا يموت بياضه لأنه عُتق نهج من وصايا الشهداء عطره يرتسم وكأنه سلاماً من طُهر الأوفياء، كلما اقترب النصر لاحت ذكراهم والغوطة تعود وهم من تسامى الوعد بهم وكانوا كل العناوين التي تختصر عنوان النصر العظيم.. كانوا الغوطة المحررة للتوّ, كانوا كل الانتصارات التي سبقت وكل الانتصارات اللاحقة.. كانوا رجال الحق في الغوطة وغيرها وما بدلوا تبديلاً نهجهم مقاوم, شمسهم لم يزرها الخسوف يوماً، إنهم أحرف مُشبّهة بكل شيءٍ قدسي,  ما أجمل كل الاستعارات اللغوية التي تأتي لتطال شموخهم من حيث شاهقات العُلا، ومن حيث شاهقات الوجع التي تسألُ عنهم وتقول: غوطة الأبطال ها قد تحررت، هم فتحوا أبوابها بعظمتهم, أسرجوا للشمس من قبس مُشكاتهم، هؤلاء الأبطال دحروا الظالمين, كانوا يقين المجد وسرّه ومجتباه, كانوا من حيث خبطة أقدامهم كانت كزلزالٍ عظيم, كتبوا قدسية رواياتهم المقدسة ملاحم، كانوا الأبطال ومن سواهم يزرعُ قمح العزّ الإلهي، ومن غيرهم بسمل النصر من حيث تسامى المجد، وكانت أقاصيص الإعجاز البطولي، كانوا هم سطوع الضوء عند فجره،  وشموع المجد والفخر على ضفتيّ نهره.

آهٍ لو يعرف العالم بماذا نشعر بعد عجاف السنين والمحن.. إنه قميص القداسة يُلقى اليوم على وجوهنا، يُلقى على مُدننا مدينة تلو أخرى، ونحن كمن يتذكر وجوه الأحبة ويقول: هذا نصركم، وتلك شموسكم التي تشرق للتوّ، وأي غصّة نشعر بها ويختنق بها صوت الانتصار ونحن نقول: ها قد عادت غوطة الأبطال، وها قد كُتب النصر بدم قدسيّ, دم ياسمينه لا يموت، يرفد بردى رطباً ونخيلاً، يرفد صبر الثكالى رحيقاً آخر يشبه نصرنا، والغوطة إذ ما سألت عنها قُل هي نطق النصر وسرّه العظيم، قُل هي بسملة أبطالنا الميامين وصرخة أسودنا ونمورنا إذ نطق الكون كلّه بسرّ نصرهم العظيم.

منال محمد يوسف