اقتصادصحيفة البعث

تعديل الأجور

يميل المحللون إلى المداورة عندما يتحدثون عن الرواتب والأسعار؛ لأن الوقائع المباشرة صادمة للعاجزين عن تأمين المستلزمات الأساسية للحياة اليومية..!

يستفيض المحللون مثلاً بالحديث عن (ارتفاع الأسعار بشكل جنوني) مادامت هذه العبارة تؤلب الرأي العام ضد الجهات الرسمية المعنية بالأسعار والأسواق.. ولكن لا أحد منهم يجيب عن السؤال المهم: هل حقاً ارتفعت الأسعار..؟!

كما يستفيضون بالحديث عن تدهور (المستوى المعيشي للأسرة السورية بسبب ارتفاع الأسعار)، وهم يعلمون جيداً أن هذا غير صحيح، ولا يستند إلى وقائع سليمة..!!

ربما العبارة الصحيحة التي يذكرها المحللون أحياناً هي (الفجوة بين متوسط الرواتب في سورية والحاجة الشهرية للأسرة تصل إلى خمسة أضعاف)..!!

لكنهم يضللون المواطنين بالإيحاء أن الفجوة سببها ارتفاع الأسعار..!!

وبما أننا لا نسلط الضوء على السبب الحقيقي لتدهور الأحوال المعيشية للأسرة السورية فإننا لا نساعد في إيجاد الحلول لتحسين أوضاعها..!

جذر المشكلة هو: ضعف القدرة الشرائية لليرة السورية..!

وهذا الضعف يعني ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية بمقدار عشرة أضعاف عما كانت عليه في عام 2011 وما قبل ذلك العام..!

وبما أن الجهات العامة والخاصة عدلت تسعير منتجاتها وخدماتها وفق سعر الصرف الفعلي لليرة السورية فقد كان من الطبيعي أن ترتفع الأسعار بمقدار عشرة أضعاف..! وبحسبة بسيطة يمكن أن نضرب سعر السلعة والخدمة التي كانت في عام 2011 برقم 10 لنكتشف بسهولة أن السلع والخدمات بما فيها أجار وأسعار الشقق السكنية لم ترتفع، بل إن بعضها قد انخفض فعليا..!

هذه الحقيقة يعرفها الاقتصاديون والتجار جيداً، بل إن الحكومة اعتمدت سعر صرف الدولار 500 ليرة في الموازنة العامة للدولة لعام 2018..!

حسناً إذا كانت الحكومة تتعامل بسعر صرف 500 ليرة للدولار، فهذا يعني أن السلع والخدمات التي ستقدمها للمواطنين ستستند إلى هذا السعر..

وحسناً أكثر.. لو أن الحكومة اعتمدت سعر الصرف الرسمي بصرف الرواتب والأجور..!! من كان راتبه عشرة آلاف في 2011 (أي أكثر من 212 دولاراً) يجب أن يحافظ على القدرة الشرائية نفسها في عام 2018، أي يجب ألا يقل عن 106000 ليرة، هذا باستثناء الترفيعات الدورية والزيادات التي طرأت على هذا الرقم..!! الصدمة التي تلقاها المواطن أن راتب عشرة آلاف تقزّم إلى 20 دولاراً، أي خسر 192 دولاراً..!!

ومع ذلك لا يسأل أحد: كيف ستواجه الأسرة السورية هذه الكارثة..؟!

وبالتالي بدلاً من أن يتحدث المحللون عن ضرورة زيادة الرواتب يجب أن يركزوا على ضرورة الحفاظ على مستواها الذي كانت عليه في عام 2011،  والعاملون بأجر لا يريدون أي زيادات جديدة على رواتبهم بل سيتنازلون عن أي ترفيعات دورية..!!

نعم.. في عام 2011 تلقى المواطنون صدمة رفع أسعار المازوت الذي جرّ معه رفعاً لجميع مستلزمات إنتاج السلع والخدمات، وحينها عانى المواطنون الأمرين من (جنون ارتفاع الأسعار).. ولكن بعدما خسرت الليرة عشرة أضعاف صرفها فلا ندري ما الكلمة التي سنطلقها على واقع الأسرة السورية..؟ اللافت أن لا أحد من المحللين يشير إلى أن الرابح الأكبر من تدهور القدرة الشرائية لليرة هي المصارف والجهات العامة التي تدفع الرواتب بالليرة أما بالنسبة للتجار فهم حتماً سيستمرون بالربح لأنهم يعدلون الأسعار وفق القدرة الشرائية الفعلية لليرة..!

الخلاصة: بما أن ما من جهة عامة أو خاصة إلا وعدلت أسعارها وخدماتها وفق السعر الفعلي لليرة.. فلماذا الإصرار على أن تبقى الرواتب على حالها وكأنّ قدرتها الشرائية لا تزال كما كانت عليه في عام 2011؟!

علي عبود