ثقافةصحيفة البعث

حوار بلا ضفاف مع الأديب وليد إخلاصي ما من وسام يزين الصدور سوى الانتماء للوطن

إنَّه الأديب العربي السوري وليد إخلاصي، الذي أبصر النور عام 1935. هو روائي وقاصّ وكاتب مسرحي ومقالة ودراسات، اكتنز ثقافة علمية أدبية كونُه درس الهندسة الزراعية، وفي الوقت نفسه اطلع على الأدب العربي والعالمي.
هذه الثقافة جعلته يمتلك الوعي، فيتنقَّل على ساحة الأدب والحياة، وقد امتلك الحسّ الوطني، والموهبة، والفكر الثَرَّ، وهذا ما مكَّنه من خوض غمار الحياة ومجاهيلها، بأبعادها الكثيرة، ومنحه القدرة على إغناء المكتبة العربية بأجناس الأدب والفكر عبر نحو ثمانين كتاباً، دون تكلُّف أو عناء، لأنَّ النبع عندما يغتني جوفه يتدفق عذباً، ويخطّ مسيره ليمنح الحياة، التي نتمنى أن يمنحه الله إياها، ويمدّه بالعافية كي يستمر بالعطاء. وللوقوف على تجربة الأديب إخلاصي الأدبية والحياتية كان هذا الحوار:
ماذا يحدثنا أديبنا عن حياته؟ كإنسان، كأديب، وكسياسي؟.
أستطيع أن أتذكّر أيام الطفولة التي بدأت بالقراءة المبكرة، فكانت نزعتي إلى كل ما هو مكتوب في الأوراق، وحدث أن وقعت على كتاب صغير في مكتبة والدي، وكان لابن طفيل الأندلسي، وهو “حي بن يقظان”، الذي لعب دوراً في تشكيلي على مرّ السنوات، وبات أساساً لمخيلتي، وأقرُّ بأن رؤيته للكون والعالم قد باتت داخل نسيج تفكيري، إلى أن بلغتُ سنَّ الشباب، ومن بعده فترة الشيخوخة، التي أكرمني الله بالوصول إليها، وابتدأ قطار العمر في اصطحابي من مدينة الإسكندرونة، حيث قدمت إلى الدنيا، إلى مدينة حمص فحماة، فحلب، حيث منبت العائلة، فقد كان والدي مديراً للأوقاف في تلك المدن، إلى أن حطَّ بي الرحال في المدرسة الابتدائية المسمّاة بالحمدانية، في حي حلبي قديم يجاور قلعة حلب الشامخة، التي لعبت دورها في الانتماء إلى حلب، ومن ثَمَّ إلى سورية. وكانت تلك المدينة المعتّقة بخمر الزمن قد دفعت بما كنت أكتب إلى الوقوع في فخِّ سحرها.
في البدايات الأولى لاحظ والدي اهتمامي بالقراءة، وكتابة أشياء كالخواطر، فاصطحبني إلى مسجد حيث يعلّم فيه الشيخ حفظ القرآن الكريم، وترتيله، كي أدرك حاجتي إلى بناء علاقة مع لغتنا، التي استقامت في روح القرآن الكريم، وقد كانت مرحلة الثانوية حافلة بالذكريات التي لا يمكن أن تُنسى لأهميتها في تكويني النفسي، وكنتُ تلميذاً على قدر من الحيوية والنشاط، فنصحني واحد من الأساتذة بالتردد على مقر لجمعية الإخوان المسلمين، القريبة من مدرستنا كي أمارس الرياضة مع القراءة، وبت أتردد على المقرِّ إلى أن اختارني مراقب المقر كي ألتحق بأخٍ يقوم بإلقاء محاضرات مسائية على مجموعة من الفتيان، وفي الدرس الأول، وبعد انتهاء المحاضر من كلامه، امتدت ذراعي كي أستأذن في طرح سؤال حول ما ورد ذكره، إلا أنَّ الأستاذ ما لبث أن فاجأني بقوله متسائلاً بأن الأخ جديد علينا، فلا يسمح له بالسؤال إلا إذا مَرَّت عليه فترة من الحضور والاستماع إلى من يعلم أكثر منه، وآنذاك انسحبت من الجلسة ولم أعد أتردد على المقر.
وكان للأستاذ سليمان العيسى بقدومه حديثاً من دار المعلمين العليا في بغداد، كمدرس للغة العربية في الصف العاشر تأثيره عليّ، إذ جعلني عاشقاً للغة، ومحباً للشعر، ومحاولاً للنشر في مجلة المدرسة، وكان الأستاذ زهير مصطفى يعدّ نصّاً مسرحياً عن الإنكليزية لكلِّ السنة، فأديّت دوراً في المسرحية، وكانت بداية لي في تمثيل أكثر من مسرحية، لعبت فيها دور المؤلف والممثل، وأحياناً المخرج، وفي البكالوريا كان أستاذ الديانة يحدثنا مرّة عن انتهاء أجل الإنسان، وأوضح أن عزرائيل يقوم بإخراج الروح من الجسد بحبلٍ كالمشنقة، آنذاك همّت بي نزعة الاعتراض فتوجهت إلى الأستاذ قائلاً بأنَّ صورة قبض الروح قد تكون من الثقافة اليهودية، فانبرى ساخراً يقول: وما الصورة عندك أيها العبقري؟!. فلم أملك نفسي عن القول بأنَّ الروح تتوقف كما هو مكتوب عليها، وذلك كشأن انقطاع المخابرة الهاتفية. وحين سمع الأستاذ هذا هجم عليَّ بذراعه يضربني، فأمسكت بيده، فصرخ قائلاً: أتريد ضربي أيها الكافر؟، وخرج مهرولاً هاتفاً بأنَّ الطالب الكافر يعتدي على أستاذه المؤمن، ولم تتأخر لجنة التأديب المنعقدة في اتخاذ قرار بحقي، وهو طردي من مدارس سورية، لكنَّ بعضاً من الأساتذة قام بالاحتجاج على ذلك القرار الجائر، من بينهم: سليمان العيسى، وزهير مصطفى وآخرون، فتمت إعادة اللجنة لقرارها بالاكتفاء بتوقيفي عن الدراسة لهذا العام، فتقدمت إلى امتحانات البكالوريا في آخر العام كطالب حر، لكن أعادوا الموضوع للمناقشه كي أعتذر، وهتفت بكلمات الاعتذار وسط حشود الطلاب متنوعي الانتماء السياسي، إلا أنّ الأستاذ المتنمّر رفض اعتذاري لأنّه يرفض الحديث مع كافر، وانتهى الأمر بتقديمي البكالوريا، ولحسن حظي نجحت.
في بداية الصيف كنت أتردّد على مكتبة في الشارع الذي كنّا نقطنه، وكان صاحب المكتبة الاسكافي (أحمد اسكيف) يبيع الجرائد اليسارية، وبعض الكتب، فتعرض للاعتقال والضرب، وعند خروجه اعتنيت به، فباتت صداقتنا متينة، ودعاني إلى حضور جلسة مع أصدقائه حيث اتّجهنا إلى غرفة مغلقة النوافذ، فما كان منّا إلّا أن جلسنا على الأرض متربعين بانتظار الرجل الذي دخل علينا ملقياً تحية عمالية. بعدها لبثنا نصغي إلى محاضرة حول نضال الشعوب، ورغبتها في بناء الاشتراكية، لِوقوفها في وجه الاستعمار، ومع نهاية الحديث وجدت نفسي أستأذن في التعليق، لكنَّ المحاضر ما لبث أن هتف برقة أن الضيف الرفيق جديد، فلا يجوز له أن يعلق بكلمة، وهكذا أُجهضت الكلمات في فمي، فلبثت صامتاً، وقد ورد إلى خاطري قول الأستاذ الأخ في مقر الإخوان المسلمين فكانت آخر مرّة لحضوري.
وحدث في أيام الثانوية أن تناقلنا عن طلابها خبراً عن الأستاذ جودة مدير المدرسة، إذ كان الجنرال الفرنسي، الذي بات حاكماً لمدينة حلب، قد استقرَّ في بناء يواجه المدرسة، فقام بإرسال واحد من ضباطه، ليطالب بزيارة أهم جيرانه، مدير التجهيز الأولى، الذي كان قد حصل على شهادة جامعية من مونبلييه الفرنسية، في العلوم الزراعية، وعندما طلب الضابط الفرنسي من بواب المدرسة أن يسمح له بلقاء مديرها، اعتذر المدير عن استقباله، فدقت ساعة الخطر عربياً وإقليمياً، بل عالمياً، لحظة إعلان الأمم المتحدة عن إحداث الكيان الصهيوني، وبدأت تلّح عليّ فكرة الكتابة لفلسطين، إلى أن استيقظت رغبةٌ عندي في إحداث مجلة كتبت مواضيعها كي تكون مُعدَّة للطباعة، إلا أنَّ الوهم لم يسمح لي بنشرها، فقمت بالتوجه إلى محافظ حلب الذي اعتذر لأنّ المحافظة ليست داراً للنشر.
بعد حصولي على البكالوريا توجهت إلى جامعة دمشق كي أسجِّل في كلية الطب، فحاول رفاقي أن يطلعوني على المشرحة في الكلية، إلّا أنني بعد رؤية الجثث، وتحسسي من رائحة الكلورودوم توقفت عن الانتساب إلى هذه الكلية، وسجلت في كلية الآداب، التي لم أتردد عليها لأية لحظة، والتحقت بأخي عدنان في مصر، وانتسبت إلى كلية الزراعة في الإسكندرية وبدأت الدراسة فيها، وبتُّ منجذباً إليها لأنَّ المناهج والأدوات فيها كانت لها علاقة بالكيمياء والاقتصاد، والوراثة، وأول ما كان فيها هو الميكروسكوب، الذي فتح لي الطريق أمام رؤية الحقائق، وخفايا الأمور، وبعد حصولي على البكالوريوس قررت الانتساب إلى الدراسات العليا، وقد حصلت عليها، إلا أنَّ النهاية كانت في عودتي إلى سورية للعمل كموظف في إحدى مديرياتها، بعد أن كنت قد حاضرت في جامعة حلب ومن ثَمَّ تمَّ اختياري لأكون في هيئةِ تسويق القطن، رئيساً للدائرة الاقتصادية فيها، وبعد ذلك مديراً للتسويق، حيث جبت فيها مناطق عدة من العالم كمروِّج للقطن السوري الذي بات من أهم اقتصاد البلد، وأعترف بأنَّ تلك الأسفار كانت لي كثروة معرفية، ذلك أني تابعت الكتابة بهمة واندفاع كبيرين وتلك هي الحكاية باختصار.

التنوع الأدبي
كتبتم القصة والرواية والمسرحية والدراسة والمقالة، في أي جنس أدبي وجدتم نفسكم أكثر؟.. وما أكثر ما يحرض إبداعكم؟.
نزعة التعبير عن خواطري كانت مبكرة عندي، فمنذ أيام الطفولة تلمّست متعة اللغة المحكية والمكتوبة، التي مُنحت للإنسان، ويبدو أن تلك المتعة تمكنت عندي إلى درجة التجريب فيها، لتدفعني إلى التشبه بالحكواتي، أو الممثل. كما أنَّ مشاركتي كفرد اجتماعي مع الآخرين جعلتني أتلقى المعرفة منهم، مع إعادتها إليهم، وما كان لي أن أميز بين الأجناس التي كتبت فيها، ولا أستطيع أن أخصَّ إحداها بالتقدير إلا بعد الانتهاء من كتابتها، آنذاك أتحول إلى قارئ لها، وكأنها قد أصبحت تحت عدسة التخوف من حبي لها أو إنكارها، واعترف بأن قراءاتي لأعمال كتبها آخرون قد أصابتني بحسٍ كبير من الإعجاب كان يدفعني إلى التوقف عن الكتابة لفترات، فقد كانت من الأهمية بحيث تمنيت أن أصل إلى مستواها، كما أود أن أشير إلى كوني قارئاً أكثر مما أنا عليه ككاتب، لأن القراءة اكتساب فيما الكتابة عطاء.
عشتم وعايشتم فترة الخمسينيات والستينيات وما بعدها بكل مخاضها، وما أسفرت عنه. ما الرابط بين ما عشتموه في تلك المرحلة وبين ما تعيشونه الآن؟.
أعتقد أننا في سورية نعيش منذ قرون وإلى يومنا هذا في الظلّ المخيم علينا ألا وهو لعنة الجغرافيا، من غزو المغول والتتار، مروراً بالتخلف العثماني والاستعمار الفرنسي، ومن جديد مؤامرات العثمانيين الجدد، والوهابيين، ونماذج من الخليجيين الذين واكب ظهورهم ولادة إسرائيل المستحدثة، وما كانت سورية، التي شهدت أول انقلاب عسكري في الشرق الأوسط، بقيادة حسني الزعيم، الذي خلفه سامي الحناوي، ومن بعده أديب الشيشكلي، على استعداد للاستقرار سياسياً، لأنه ما إن همّت إسرائيل بالعدوان في الخامس من حزيران في الستينيات حتى اهتزَّ المجتمع متطلعاً إلى الماضي ليتمسّك به، فكانت البداية لنماذج من البشر كي يتمسكوا بالماضي رافضين الحاضر، ومقفلين باب المستقبل في مخيلتهم المريضة، إلا أن الحياة في استمرار ولا تتوقف كما يليق بالعقلاء أن يؤمنوا بها.

الأديب والسياسة
هل يمكن ألا يكون الأديب مهتماً بالفكر السياسي والسياسة؟ وأين يضع أديبنا نفسه؟.
أتصور أن حمّى السياسة تصيب معظم الناس، وأنا منهم، وإذا ما اعترفت بأني لم أنتظم يوماً في حزب أو تيار، ولم تقيدني فكرة الالتزام بهما، إلا أن روحي وعقلي مرتبطان بالسياسة التي كانت النشاط الوحيد للمجتمع، وأقول بأن الفكر الديني عندما ارتبط بالسياسة، وصار تابعاً لها، علمت بأني أفكر على الطريقة الأصح.
كمبدع، ومثقف عربي سوري، كيف تحدثنا عما سُمّي بالربيع العربي؟ ولاسيما أن كثيرين يفرقون بين ما حصل في تونس ومصر وبين ما يحصل في سورية ولبنان واليمن وليبيا، وهل كان للمشهد السوري خصوصيته؟.
كان مصطلح الربيع العربي نتاج السياسة الأمريكية، التي زرعت البذرة في تُربة الإعلام الكوني، وما كان من مجتمعات عربية وغيرها، إلا التصديق، وترداد تلك الكذبة السوداء والمخادعة، وقد كان جديراً بأن يكون هذا المصطلح تحت اسم العاصفة الرملية الهوجاء، أو موجة الوباء الكاسح، كما لا يليق بالمصطلح ذاك إلا التمهيد للمؤامرة الاستعمارية الحديثة، الملحقة باستحداث الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وسيذكر في الأيام المقبلة أنَّ النظام في سورية كدولة حافظ على بقائه واستمراره بالرغم من الفجائع المدنية من حجر وبشر، فبقي الرئيس، واستمرت المؤسسات في عملها رغماً عن تزايد أعداد الشهداء في صفوف البشر المدنيين والجيش، وقد يُقال إنَّ الكارثة السورية واجهتها إرادة تستحق الاحترام.

دور المثقف
كيف رأيتم المثقف والمبدع العربي عامة، والسوري خاصة في هذه الحرب، وبالذات على سورية؟.
كان هناك نوع من التباين يسود الصمت عند فئة منهم، والدهشة عند فئة، كما يمكن أن يقال إن التمزق في الصفوف سجَّل أرقاماً أكبر.
في روايتكم “باب الجمر” باب أوجدتموه بين أبواب حلب الشهيرة، ومن خلاله جسدتم الثنائيات من: خير وشر، الطيبون والخبثاء، الفقراء والمتخمون، لتصوّروا الفقراء بأنهم مصدر الخير وفاعلوه، أين هم هؤلاء من الحرب على سورية؟ وهل تفوقوا بوعيهم الوطني على الثقافي؟.
باتت لديّ قناعة بعد مرورنا بالمأساة السورية أن مجتمعنا، كما هو سابقاً والآن، وكغيره من معظم المجتمعات لم يتوقف عن احتوائه على نماذج مختلفة من البشر والفقراء، والمقبلين على الفقر والميسورين، والذين تجاوزوا نقطة اليسر، وكالأغنياء أو الساعين إلى الثراء، وكالمثقفين، أو أنصاف المتعلمين هم الذين يشكّلون التركيبة الاجتماعية من موالين ومعارضين، ومن مؤمنين بالوطن أو منسلخين عنه، إلا أن هذا لا يعني كونهم غير مواطنين، فهم مولودون من أمهات، وسيكون مصيرهم الموت الذي لا بد منه لكل حيّ، ويمكنني الاعتراف بأن حب الوطن نعمة، ونكرانه نقمة، وما من وسام يزين الصدور سوى الانتماء إلى وطن بأرضه وسمائه وأهله، وبعيوبه وحسناته.
أين كان الدين الذي حصل ما حصل باسمه على ساحتنا؟.. وللدقة الفكر الديني وحاملوه؟.. وهل نُحَمِّل إرثنا الديني، كما بعض القائمين عليه مسؤولية ما حصل؟. أم تراجع المثقفين والمبدعين والمفكرين عن دورهم؟.
شهد العالم في تاريخه الحديث والسابق أنواعاً من الحروب الدينية، من خلافات عقائدية إلى حدود القتل والإلغاء، فهل ننسى الصراعات بين الكاثوليك والبروتستانت؟ وهل ننسى الحروب الصليبية وما حدث في فلسطين؟ وما نُسب إلى الإمبراطورية العثمانية في اجتياحها لدول أوروبية تربطها علاقة بالدين المسيحي، أو ما حدث في المأساة الأرمنية، التي لم تعتذر تركيا عنها، إلا أنَّ ما حدث في السنوات الأخيرة على الأرض السورية لا يمتّ بصلة إلى جوهر الدين والعقيدة، بل نتيجة لمخطط مرسوم، وضعت خطوطه عقول إسرائيلية، ووهابية تحاول جاهدة لاستعادة السيناريو الأفغاني على الأرض السورية بإخراج جديد.
في ملحمة القتل الصغرى ركزتم على تأليه المال، وكشفتم الغرائز الكامنة في النفس البشرية، وأولها غريزة القتل، التي رسمتم فيها علامات الخراب القادم، هل كان ذلك استشرافاً أم نبوءة لما نحن فيه، حيث ارتبط الخراب بالمال والقتل، وماذا تضيفون جديداً لو أكملتم من واقعنا الآن؟.
ليس جديداً أو صعباً أن تتكشف الحقائق البشرية على من هو مثلي، كي يرى أموراً تتعلق بالقتل أو النزوع إلى التملك من مال وسلطة، فالحكاية قديمة لا يُستبعد استمرارها اليوم وغداً لأنها من صلب التاريخ الإنساني، كما أظن بأنَّ المسلسل لا نهاية له.

استلاب المبدع
من رأي لكم: أن من عيوب المبدع الاستلاب، ألم يكن لهذا العيب دور في وقوع المبدع والمثقف والمفكر في مصيدة السيطرة عليهم، ومن ثم توظيفهم في خدمة المخطط الثقافي والسياسي لأعدائنا؟.
من الطبيعي أن يتنقّل المبدع في بستان إنجازاته، كما أنه من المألوف أن يغيِّر المثقف من مواقفه كما المفكر والسياسي، إلا أنه لا يسمح لأحد منهم أن يخون وطنه، فالخيانة من الكبائر التي لا تُغتفر.
كثيراً ما اتهم المبدعون النقاد بعدم النزاهة، ولا سيما حين تتحكم بالناقد أيديولوجية خاصة، أو صداقة، أو مصلحة. برأيكم ما هي صفات الناقد النزيه؟ وهل تؤمنون بنظرية المؤامرة لخنق الإبداع؟.
يعدّ الناقد حالة بشرية كما الكاتب أو الفنان، وهو كذلك يتدرج من أول سلم النقد إلى أعلى درجاته، من اختصاصي إلى أكاديمي وفق توفر (هذا المنطق) لديه، والتي ينزاح حجمها من بذرة إلى بيضة، كما يمكن أن يقال ذلك عن النزاهة. ومن أطرف ما قرأناه ذات يوم بأن الموسيقار (محمد عبد الوهاب) زار الشاعر الكبير (أحمد شوقي) شاكياً هجوم النقاد من رجال الصحافة والفنيين، فما كان من الشاعر إلا أن طلب إحضار كومة من الكتب وأمر عبد الوهاب أن يصعد عليها، فامتثل مطيعاً، آنذاك هتف أحمد شوقي بنوع من المرح، وهو يقول لعبد الوهاب بأن النقد ذاك سيرفع من شأنه، واستطيع الاعتراف بأن النقد السلبي والإيجابي سيؤدي إلى منفعة للكاتب كي يصحح مساره.
شكوى كتّاب عالميين وغير عالميين كُثُر على مدى تاريخ الأدب هي من محاربة الناقد لهم في بداياتهم، ألا يعني هذا أنَّ الناقد في كثير من الأحيان قد لا يستطيع تلمس الحالة الإبداعية المتميزة، وأن تأطيرها بنظريات النقد هو خنق لهذه الحالة؟.
قد يضيء الناقد عملاً أنتجه الكاتب، أو يحجب النور عنه، إلا أنَّ المتلقي هو من يفعل ذلك، لأنه أكثر تحرراً من أي أسلوب نقدي.

النقد والإبداع
هل النقد العربي بخير الآن؟..
كما يمكن أن يضاف على السؤال ما معناه: هل الإبداع بخير الآن؟.
حاورتم في كتابكم السيف والترس، الأديب، والناقد، والشاعر، والمواطن. ماهو الإسقاط الذي أردتموه من هذا؟.. وما هي شروط الحوار؟ ومن أول من تحاورونه الآن لو أعدتم هذا العمل؟.. وما أهم سؤال ستسألونه لكل من: المثقف، المبدع العربي، المسؤول العربي، وكذلك الغرب مدّعو الديمقراطية؟.
سيبقى الحوار حاجة اجتماعية وثقافية وسياسية، كما هو الهواء والماء يبقيان البشر أحياء، فالحوار الذي بين العقلاء من الناس هو أرقى ما وصل الإنسان إليه من لغة، والذي يتميز به من دون الكائنات، فيبقى مقتصراً على أشد العقلاء حكمة، وبعداً عن الجهل، وانغلاق العقل، وتدفعني الرغبة إلى محاولة إجراء حوار مع أطراف مثل دول وجماعات تتغنّى بالاعتداء على آخر مثل دول خليجية، عتيقة أو محدثة، فهل يمكن لمثل هذا الحوار أن يكتب له النجاح؟.
هل ارتقى مستوى العمل الثقافي والإعلامي في الحرب على سورية إلى مستوى العسكري والسياسي؟ ولاسيما أنَّ الإعلام كان من أهم أدوات هذه الأحداث؟.
أحسّ بالفخر والاعتزاز بما كان عليه الجيش السوري والقوات المساندة له في وقوفهم على أكثر من جبهة سورية أمام العدوان شبه الكوني، والمخطط له في غرف الظلام، كما لم يحدث في التاريخ، ولا أريد أن أنكر ما كانت عليه السياسة السورية التي لم تنفع محاولات الدهاء الغربي في تعطيلها، فهل يمكن لي إلا أن أتمنى أن كنت سورياً؟!.
على عاتق من يلقي أديبنا مسؤولية الانحطاط النخبوي؟.
هذا سؤال ملتبس، قد نجد في الإجابة عنه صعوبة ومخاطرة، ذلك أنَّ رؤساء الأحزاب هم (النخبة) بين جماعتهم، والمشايخ والأئمة، وكذلك قيادات الجيش، هم من النخبة، وقد يكون من المنطقي ألا نطلق مصطلح الانحطاط النخبوي، لأنه ينسحب على كافة قطاعات المجتمع، فالصورة يجب أن تكون على النحو التالي: التخلف النابع من وجودنا، أو المفروض علينا هو السبب في كل انحطاط، وقد لا أغالي في الحب لوطني أن أعترف بأننا نسعى إلى التقدم بطريقة ما.
أخيراً هل في ذهنكم مما له أهميته الآن، وتودّ التحدث عنه؟.
نحن شعب نأكل خبزنا من قمحنا، ونسقي بالماء زراعتنا، والطب عندنا شبه مجاني، كما هو التعليم، وإذا ما كانت لدينا من أخطاء فليس من الصعب أن نحلها، وقد لا يبقى عندنا سوى إعادة الترميم للأبنية والبشر.
حاورته: مريم خيربك