أخبارصحيفة البعث

بريطانيا تطلق شرارة الحرب الثالثة

هيفاء علي
اعتادت بريطانيا شن الحروب على مر العقود فكانت الحربان العالميتان الأولى والثانية من فعلها، ويبدو أن الحرب العالمية الثالثة ستكون من فعلها أيضاً. وحتى هذا الوقت، كان يجري التركيز على غطرسة الولايات المتحدة الأمريكية وعجرفتها في علاقاتها مع بقية العالم، إلا أن قائد الاوركسترا الحقيقي هو بريطانيا التي أصدرت التعليمات بإشعال فتيل كارثة ثالثة على وشك الاندلاع. وكما جرت العادة، فإن الحلفاء الأوربيين ليسوا أكثر من خدم وأدوات، وهم الوحيدون الذين سيدفعون ثمن توجهات انجلترا السرية. وأكثر هؤلاء الخدم حماسة هو فرنسا التي تحضر على الدوام في الخط الأول في حروب بريطانيا؟ غير أنه يخشى هذه المرة ألا تأخذ فرنسا بحسبانها تداعيات قضية التجسس التي اختلقتها رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، وتعزف عن ارتداء قميص منقذ الحضارة والعالم. ويبدو أن قضية سالزيبري، جنوب بريطانيا، تكفي لتكون ذريعة لإشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة، وإلا فما هو تفسير هذا التصعيد البريطاني؟
ما يجري الآن ليس سوى شرارة البداية: لقاءات تآمر، وطعون، وتصعيد كلامي، ووتهديدات.. كل هذا مع نباح مدروس لوسائل إعلام لتصعيد التوتر تدريجياً، وبلوغ نقطة اللاعودة، بحيث يصعب على أي طرف التراجع. حقيقةً، يتصرف البريطانيون على هذا النحو دائماً، ويمضون! والولايات المتحدة، التي تعتبر نفسها سيدة العالم، ضالعة بالتأكيد في هذه القضية، لكنها هي الأخرى خادمة كالأخريات عند بريطانيا، وتشكل الذراع المسلح الأساسي لآليات الحرب الأطلسية التي تديرها لندن في الظل. أمريكا هي أداة بالطريقة نفسها التي تمول فيها الناتو وتقوده عسكرياً.
يدرك المراقبون أن المملكة المتحدة ليست بحاجة لتشكل جزءاً من الاتحاد الأوروبي كي تقود العالم، ويكفي حجم التمويل الذي تقدمه للناتو لتفويضها بهذه المهمة. وقصة “البريكست” لا تعدو كونها مشهداً مسرحياً؛ فمن داخل أو خارج الاتحاد، ستواصل بريطانيا التلاعب بأوروبا وتحريكها عبر الناتو، بنفس البراعة، وكما تشاء. وفي الوقت الذي تتحدث فيه عن حالة تسمم شخصين من قبل الدولة الروسية، وعبر اتهامات تفتقر إلى الأدلة الدامغة، تواصل بريطانيا انتهاكاتها لحقوق ملايين الضحايا في البلدان العربية، فهي تمول وتسلح وتشكل تنظيمات من المرتزقة للإطاحة بحكومات لا تنصاع لإملاءاتها؛ كما أن ممارساتها الإجرامية إلى جانب المجموعات الإرهابية موثقة ومفضوحة منذ زمن طويل، ومع ذلك تتمادى ولا تريد أن تفهم أن نظام هيمنتها لم يعد مقبولاً. وكما هو متوقع، تلقت بريطانيا الدعم المباشر من الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وفرنسا، إضافة إلى حلف الناتو. وكل هذه القوى متهالكة جراء الحروب التي تقودها متحدة، وتخسرها الواحدة تلو الأخرى في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، ثمة أمل في ألا يكون الفيلم السينمائي الذي صنع حول العميل المزدوج الروسي – البريطاني، سيرجي سكريبال، موجهاً لإضرام نيران مواجهة عسكرية عالمية. ويظهر الماضي أن بريطانيا كانت في النزاعات المسلحة الكبرى حريصة كل الحرص على التقدم متوارية خلف حلفائها – فرنسا والولايات المتحدة – المتمركزون في الخطوط الأولى. الهيستريا التي اجتاحت تيريزا ماي بطريقة جد عنيفة وجد شرسة من شأنها أن تتبع بغايات أخرى ستتضح قريباً، إلا إذا دفع اليأس من رؤية ابتعاد الحرب العالمية الثالثة الذئب الانكليزي للخروج من الغابة. وأكبر اختبار لـ ماي في هذه الأزمة هو حجم الدعم الدولي الذي ستحصل عليه مع مراعاة سياسات ترامب الحمائية في القطاع الاقتصادي والتركيز على كوريا الديموقراطية. وما لاشك فيه أن هذه الحملة الشرسة التي تقودها بريطانيا ضد روسيا ستنعكس عليها وعلى مواطنيها بالدرجة الأولى، وستؤدي إلى أضرار جسيمة على المصالح الاقتصادية البريطانية في كافة المجالات، وروسيا قادرة على أن تجعل حياة البريطانيين صعبة.