الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

من الضفّة الأخرى

عبد الكريم النّاعم
يفخر البعض من سكّان ضفّة العالم العربي والإسلاميّ أنّهم أكثر تمسّكاً بـ(الأخلاق) من سكّان ضفّة العالم المتقدّم، وهم يحصرون الأخلاق بمسألة الجنس، حتى لكأنّهم مبرّؤون من هذه العيوب، ومجتمعاتهم ليس فيها من الانحرافات ماهو معروف في المحاكم المختصّة، ومّن يطّلع على تفصيلات تلك الانحرافات يُصاب بالدّوار لشدّة ما فيها.
هنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ تلك الحريّة المنفلتة، على الضفّة الغربيّة، قد بلغت حدّاً مهولاّ في الانفلاش، كتشريع الزواج المثلي، الذي كُرِّس بقانون، وفي مقابل هذا من المهمّ ملاحظة أنّهم منضبطون فيما يتعلّق بسيادة القانون، وبالمحافظة على النظافة العامّة، واحترام حقوق الآخر، وهم في الوقت ذاته يدينون، ولو أدبيّاً، واجتماعيّا؟، انحرافات المسؤولين القياديّين حين يكتشفونها وهم في مناصبهم، كإقامة علاقة غير شرعيّة مع امرأة أخرى، ويُثيرون ضجّة حول مسألة التحرّش الجنسي؟، وتُعدّ مطعناً فيمن يمارسونه، رغم كلّ تلك الحريّة المعتبَرة عندهم للتصرّف بالجسد.
لعلّ ممّا يفاخر فيه البعض من الضفّة الشرقيّة الإسلاميّة مسألة التضافر الاجتماعي، والعلاقات الأسريّة، والجيرانيّة، بينما الأسرة في الغرب مفكّكة، ويطرحون ذلك كعلامة من علامات الفوارق الإيجابيّة، ولا شكّ أنّ في ذلك بعض الحقيقة، ولكنّني اكتشفتُ أنّها حقيقة مُبالَغ فيها، فقد نشرت في إحدى زواياي، استناداً إلى رسالة من نازح إلى بلاد الغرب، يشكو فيها غربة العلاقة الاجتماعية، وأنّ الجار لا يحيّي جاره، وكلٌّ مشغول بنفسه لا غير، وبعد نشرها جاءتني الرسالة التالية من الصديق الأديب والمترجم محمود منقذ الهاشمي، المقيم حاليّا في هولندا، وقد جاء فيها:
“الجديد الذي لم أكن أعرفه قبل مجيئي إلى هولندا هو أنّ الغريب يبتسم لك، ويحيّيك، لا إذا كنتَ جاره وحسب، بل هذا ما يفعله أيّ شخص يصادفك في الطريق، ذكراً كان أو أنثى، ولا يُستثنى من ذلك إلاّ النّاس في الأسواق الرئيسيّة التي تزدحم بالنّاس، ويجب الاعتراف أنّ في الكنائس مراكز لتوزيع الملابس، والسّلال الغذائيّة على من يحتاجون إليها، بغضّ النظر عن انتماءاتهم، وفيها كذلك مكاتب لحلّ مشكلات النّاس مع دوائر الدّولة لمن لا يعرفون كيفيّة التّعامل معها، وفي الحافلات يقوم الشبّان والشابّات بإعطاء أماكنهم لكبار السنّ، والنّاس لا يتدافعون للصّعود إلى الحافلات، ولا يتسابقون للجلوس على المقاعد الخالية، وفي كلّ حيّ مكتب يُعنى بشؤون الحيّ، ويقوم بخدمتهم، ويقدّم دورات تعليمية مجّانيّة في اللغات والكمبيوتر، وما إلى ذلك، ومن جهة أخرى لا يمكن للمرء أن يزور أحداً، ولو كان أحد هؤلاء أباه من دون موعد مسبق، وإذا سألتَ أحداً في الطريق عن مكان تجهله، وقف معك وشرح لك إذا كان يعرف، وإذا كان لا يعرف استوقف أحداً من المارّة ليعرف كيف يدلّك إلى المكان، وقد يسير معك لبعض الوقت، وفي إحدى المرّات أركبتْني إحدى الفتيات على درّاجتها وأوْصلتْني، وفي مرّة أخرى ترك أحد الرّجال صديقته التي كان يُغازلها، وأوصلني بدرّاجته النّاريّة، وهي التي شجّعته على ذلك”.
مرّة أخرى لاتعليق……

aaalnaem@gmail.com