ثقافةصحيفة البعث

حكمت محسن.. رائد الدراما الإذاعية

 

 

من الفقر والمعاناة، من مهنة التنجيد إلى قمة الدراما كاتباً وممثلاً.. هذا هو باختصار الفنان الشعبي حكمت محسن الذي كان محور كتاب الباحث أحمد بوبس والصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وقد بيَّن فيه بوبس أن محسن عاش تسعة وخمسين عاماً، قضى معظمها في خدمة الفن، فاستحق أن يكون فنان الشعب بجدارة.

الكاتب الوحيد
يشير بوبس في الكتاب إلى أن محسن انضم إلى الفرقة السورية للتمثيل والموسيقا، فشهد انطلاقة فنية كبيرة جعلت منه نجماً كبيراً على الصعيد السوري والعربي في مجالَي التمثيل والتأليف الدرامي، وقد ظل الكاتب الوحيد لأعمال الفرقة السورية للتمثيل والموسيقا منذ انضمامه إليها مطلع الخمسينيات من القرن العشرين حتى رحيله عام 1968 وتوزعت مؤلفاته للفرقة إلى قسمين: القسم الأول ضم التمثيليات الإذاعية التي قدمتها الفرقة عبر أثير إذاعة دمشق وإذاعة الشرق الأدنى التي كان مقرها في قبرص، والقسم الثاني تضمن المسرحيات والتمثيليات التي قدمتها الفرقة على المسرح، ويبيّن بوبس في الكتاب أن حكمت محسن توقف تماماً عن كتابة وتقديم المونولوجات بشكل نهائي بعد انضمامه للفرقة.

أعماله الإذاعية
ويوضح بوبس في كتابه أن أعمال محسن الإذاعية توزعت على عدة أنواع:
البرامج الترفيهية التي تهدف إلى إدخال السرور إلى نفس المستمع مثل برنامج “انسَ همومك” الذي قدمته إذاعة الشرق الأدنى، وبرنامج “اضحك تربح” و”سهرات أهل الفن” لإذاعة دمشق والتمثيليات الاجتماعية الناقدة بأسلوب كوميدي ساخر مثل تمثيليات “يا آخد القرد على ماله-كوم حجار ولا هالجار-المايكرفون في العيد” والتمثيليات الدرامية مثل “مذكرات حرامي-نهاية سكير” والبرامج التراثية وأهمها مسلسل “مرايا الشام” وكل حلقة فيه كانت تحكي قصة فنان سوري قديم في إطار درامي غنائي، وقد استقى محسن بعض حوادثه من السيَر الشعبية مثل “ألف ليلة وليلة” و”السندباد” وغيرها.

من أوائل الأصوات
عندما بدأت إذاعة دمشق إرسالها في السابع عشر من نيسان عام 1947 كان حكمت محسن -كما جاء في الكتاب- من أوائل الأصوات التي أطلت عبر أثيرها، فبعد أن افتتح المذيع يحيى الشهابي البث الإذاعي بصوته، قدم محسن بصوته مونولوجاً من كلماته وتلحينه، ففي ذاك الوقت كان لا يزال مقتصراً بفنه على كونه مونولوجيست بالدرجة الأولى مع تقديم بعض الأدوار التمثيلية، لكنه لم يكن قد بدأ كتابة التمثيليات، وبعد هذا المونولوج لم تعد إذاعة دمشق تعيره أي اهتمام، فقد استقطبت الإذاعة الفرقة السورية للتمثيل والغناء قبل أن ينضم محسن إليها، وكان عبد الهادي الدركزللي كاتب التمثيليات الوحيد فيها.. وفي العام 1951 قابل محسن مدير إذاعة دمشق أحمد عسة، ومنذ ذلك التاريخ تفرغ للإذاعة تفرغاً شبه كامل وبدأ يكتب التمثيليات والمسلسلات والبرامج ضمن الفرقة السورية للتمثيل والموسيقا، وابتكر شخصية “أبو رشدو” الشعبية التي كان يقدمها بنفسه سواء راوياً قبل بدء التمثيلية أو ممثلاً فيها.. وهكذا بدأت مسيرة حكمت محسن مع إذاعة دمشق لتشهد التمثيلية الإذاعية على يديه تطوراً وانتشاراً كبيرين، وقد وضع لها محسن تقاليد لا تزال إذاعة دمشق تسير عليها حتى اليوم.. أما نشاطاته في التلفزيون فكانت قليلة ولم تتعدَّ عدة مشاركات، ومن أسباب ذلك مرضه ورحيله عام 1968 أي في السنوات الأولى من تأسيس التلفزيون، وهو لم يكتب شيئاً خصيصاً للتلفزيون إلا قليلاً، لذلك تحدث بوبس في كتابه عن البرامج والأعمال الدرامية التي كتبها وأعدها محسن للتلفزيون، مع إشارته إلى الأعمال الإذاعية الأخرى التي قام بإعادة كتابتها لتُقدَّم عبر الشاشة الصغيرة.

صابر أفندي
وبالعودة إلى بدايات محسن الفنية يشير بوبس في كتابه إلى أن بدايات حكمت محسن كانت من خلال المسرح الذي ازدهر في ظل الأندية الفنية التي كانت موجودة بكثرة في دمشق، وظل إيمانه راسخاً بأن المسرح هو الميدان الحقيقي لأي فنان موهوب، وهذا ما أكده في كلامه، وعلى الرغم من أن الإذاعة أخذته واحتكرته منذ عام 1951 وحتى رحيله إلا أنه لم ينسَ المسرح، وإذا كان قد توقف عن التمثيل في المسرح فإنه كان متواجداً فيه بقوة من خلال تأليف المسرحيات ومشاركته لفترة قصيرة في الحركة المسرحية مشرفاً، وقد تناول بوبس في فصل كامل من كتابه المسرحيات التي كتبها محسن ونشاطاته المسرحية الأخرى، موضحاً أن كل المسرحيات التي كتبها حكمت محسن وتلك التي مثل فيها كانت ضمن مصطلح المسرح الشعبي، حيث كتب محسن خلال حياته أربع مسرحيات تنوعت مواضيعها، إلا أنها تشترك جميعاً بأنها مستوحاة من صميم المجتمع ويسلط فيها الضوء على المشكلات الاجتماعية ومعاناة الطبقات الفقيرة، مؤكداً بوبس أن محسن الذي اشتُهر بكتاباته الكوميدية كانت مسرحياته تتسم بانتمائها إلى التراجيديا على الرغم من وجود القفشات المضحكة إلا أنه الضحك الأبلغ من البكاء، وهذا ما نلمسه أكثر في مسرحية “صابر أفندي” التي هي من أهم مسرحياته والتي ضمَّنها كلَّ معاناته في الحياة والتي تُعتَبَر برأي بوبس من عيون المسرح في سورية، وهي مسرحية طويلة تقع في ثلاثة فصول وتتحدث عن معاناة المستأجر مع صاحب البيت الذي لا يقدّر ولا يفهم وضع المستأجر إذا ما تأخر في دفع أجرة البيت لبعض الوقت نتيجة ظروف مادية قاسية يمر بها، ومن خلال هذه القضية تسلط المسرحية الضوء على النفاق والتزلف والإسراف وغيرها من المثالب الاجتماعية.

موهبة الزجل
إضافة إلى الكتابة الدرامية والتمثيل كان حكمت محسن يمتلك موهبة كتابة الزجل، مبيناً بوبس أن الزجل كان الأسبق لدى محسن وهو الذي بدأ نشاطه الفني بتقديم الأزجال والمونولوجات الملحنة بين فصول المسرحيات مع فرقة الأخوين عطا الله المصرية وغيرها من الفرق التي عمل معها، كما استخدم الزجل كمقدمات لكثير من التمثيليات وكان يقدمها بصوته على أنه راوٍ، وقد عثر بوبس على عدد قليل من الأزجال التي نظمها حكمت محسن على أوراق بخط يده محفوظة عند ابنه أيمن.
ونوه أحمد بوبس إلى أن أعمال محسن الدرامية كانت تشخَّص على أنها أعمال كوميدية غايتها الإضحاك والتسلية، إلا أن المتمعن في التمثيليات والمسرحيات التي كتبها يجد أنها أقرب إلى التراجيديا وقد كانت كتابات اجتماعية بامتياز، وأحياناً كانت تقترب من السياسة بشكل غير مباشر لتدين المؤسسات التي تقف إلى جانب الغني ضد الفقير.

أمينة عباس