ثقافةصحيفة البعث

أكاديمية المسرح تحتفل بعيده

لم يفت المعهد العالي للفنون المسرحية هذا العام أيضا، أن يقدم احتفاليته الخاصة باليوم العالمي للمسرح في 21 آذار من كل عام، وهو وجريا على عادته، يقدم احتفاليته هذه بتكريم لبعض الأسماء المسرحية السورية، بعد الوقوف بخشوع دقيقة صمت على أرواح شهداء سورية الكرام، ثم  بينما نشيد الجمهورية العربية السورية يلقي السلام على حماة الديار، وكان المكرمون هذا العام، هم الدفعة الخامسة التي تخرجت من المعهد عام 1985، رغم غياب نصف المكرمين، الغياب الذي أربك عميد المعهد العالي للفنون المسرحية “جيانا عيد”، حتى بدت وكأنها أحُرجت شخصيا، نظرا للاعتذار الذي قدمته للجمهور الذي حضر الاحتفالية، عن هذا الغياب الذي لا يد لها فيه.

أما القسم الثاني من الاحتفالية، وهو القسم الذي ينتظره الجمهور المسرحي عادة، فهو عرض الاحتفالية، الذي يحظى بمكانة خاصة في قلوب متابعي المسرح، خصوصا وأن عروض الأكاديمية السورية للتمثيل، هي من العروض التي ينتظرها هذا الجمهور بشغف، لما فيها من اشتغالات مسرحية صرفة، وفرجة تمتعهم أيضا، وهذا ما كان هذا العام أيضا، بالعرض الذي اشرف عليه “كفاح الخوض” والذي شارك فيه معظم طلاب المعهد وبكافة أقسامه، حيث تجيء هذه الاحتفالية أيضا بمثابة مختبر حقيقي، للعمل الجماعي القائم بين الطلاب، كل حسب قسمه، والذي من المفروض أن يكون مكملا للقسم الآخر وهكذا، وليبرز كل قدراته وعلمه الذي اكتسبه خلال مراحل دراسته، وهذه المرة قرر الطلاب أن يرفعوا ببعض ما قدموه، عريضة تظلم عالية الصوت، على العديد مما ينقصهم في المكان الذي يتعلمون فيه، مخترعين واقعا افتراضيا، يجري فيه حديث مباشر بين واحدة من الإذاعات التي تشغل حيزا من فضاء المكان، وفيها أربعة مذيعين يقومون بلقاءات مع مراسليهم في العالم، الذين يرصدون لهم واقع يوم المسرح العالمي في الدول الأخرى، وهنا تبدأ الشكوى العالية كما أسلفنا، ولكن بأسلوب تهكمي ومقلوب رأسا على عقب إن صح التعبير، ففي العرض، نظهر كسوريين أننا من أكثر الشعوب التي تحترم المسرح وتعمل على جعله ومن يشتغل فيه بأفضل حال، على عكس المسرح الأوروبي مثلا المتهالك أو الأمريكي “المنتوف”؛ نوع من المقارنة التي كان قدمها واحدا من الأفلام المصرية “الدنيا مقلوبة” والذي يحكي فكرة مشابهة، إلا أن التذمر الذي جاء على شكل “اسكيتش” مسرحي –إن صح الوصف- قدم وبدقة وتحديد، العديد من النقاط التي يعاني منها طلاب المعهد، أملا بأن يكون يوم المسرح العالمي، كما أي عيد آخر، يوما يتمنى فيه الناس لأنفسهم ولغيرهم أمنيات طيبة، عسى يتحقق بعضها.

تقاطعت الرقصات أيضا التي قدمها طلاب الرقص، بتنوع وتمازج بين العديد من أنواع الرقص العالمي، مع الحكايات السريعة والذكية التي قدمها العديد من الطلاب، كحالات تمثيلية “منو درامية”، حيث جاءت كل حكاية بلهجة من لهجاتنا السورية المحببة، ولتحكي كل شخصية بالكاركتر الذي اختارته، هما شخصيا، نستطيع القول أنه ينسحب على الهم العام، من خلال حكاية بسيطة، المهم فيها هو روح وجوهر تقديمها، أيضا لا ننسى التناغم العام الذي جاء محصلة طبيعية لكل عناصر العرض، إضافة إلى الإضاءة التي تراقصت مع الموسيقى، والأداء الذي تناغم مع الفضاء المسرحي وأبعاده، باستغلال تام لكل مساحة متاحة فوق الخشبة.

عموما لم يختلف حفل العام أيضا في الأكاديمية السورية للفنون المسرحية، عن سابقه من الاحتفاليات التي أقيمت لنفس المناسبة، والتي كان ووفق رأي شخصي، أنها ستكون أفضل لو تنوعت بحيث تقدم هذه الاحتفالية في كل عام، أسلوبا أو طريقة مختلفة عما تذهب إليه عادة، كتقديم عرض مسرحي كامل، يستطيع أن يقدم وجبة مسرحية دسمة، أيضا تغيير مكان الاحتفالية، باعتبار أن أغلب مسارح المعهد، لا تستوعب، إلا عددا بسيطا من الجمهور، وكما أسلفنا عروض المعهد المسرحية، هي من العروض التي ينتظرها الجمهور، ويسعد بمتابعتها. طبعا حملت العديد من الحكايات التي قدمها الطلاب، مضامين مختلفة، لكن الارتكاز الأساس فيها، كان على الأداء، الذي برع فيه الطلاب عموما.

ختم الطلاب العرض بعدة أغان بدأت بأصوات منفردة، ثم أخذت تنضم إليها الأصوات الأخرى، اشتعلت فيها مجتمعة، خشبة مسرح “سعد الله ونوس” بحماسة الطلاب المرتسمة على محياهم أملا بغد أفضل، وذلك بعد إدراكهم لقيمة الأكاديمية التي يدرسون فيها مجانا، حتى لو تذمروا مسرحيا، مما ينقصهم فيها، لكنهم أصروا أن شعلة المسرح التي وصلت إليهم سابقة متقدة أبدا، وكان هذا قسمهم، على عكس من تنكر من أسماء فنية سورية عديدة، لما تعلم وأين تعلم واكتسب المعرفة والخبرة، أما الخدمات العامة اللائقة وغير المؤمنة، والتي تضطرهم إلى القفز نحو مبنى الهندسة المدنية مثلا، كلما أراد أن يصور أحدهم ورقة، أيضا غياب الإحساس بحالة الأمان، حيث تذمر الطلاب في العرض الآنف الذكر، من السرقة التي يتعرضون لها، في حال وضعوا نقودهم في خزائنهم الخاصة!، وغيرها من المطالب التي رفعها طلاب المسرح وبدهاء في يوم المسرح، فلا بد من العمل عليها، أو حسب أولويات يحددونها، نظرا للدعم المادي المنخفض نسبيا بالنسبة لهذا المكان.

الطلاب الذين تعلموا وعلى يدي أمهر أساتذة المسرح، غنوا فرادى وجماعات على أنغام الغيتار والإيقاع، صفق لهم الجمهور في نهاية الاحتفالية، متمنيا لهم مستقبلا فنيا واحترافيا بمعنى الكلمة، فما ينقصهم لذلك أشياء بسيطة، تتحقق في حال عاد لصناعة الدراما السورية بأنواعها ألقها الذي فقدته منذ مدة، وهم ممن يعدون بذلك كما اظهروا لنا وللجمهور.

تمّام علي بركات