ثقافةصحيفة البعث

“يحدث في غيابك” السينما السورية تتعافى

 

المخرج الكبير “سيف الدين سبيعي”، الذي ترعرع في مدرسة فنان الشعب الراحل “رفيق سبيعي” والذي في رصيده كمخرج أكثر من 22 عملا دراميا تلفزيونيا، أما في رصيده كممثل فقد شارك في أكثر من 40 عملا تلفزيونيا، يستعد الآن لإخراج عمل سينمائي من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وعن نص للشاعر والناقد والمخرج والكاتب المسرحي السيناريست “سامر محمد إسماعيل” بعنوان “يحدث في غيابك”، في خامس تعاون للكاتب مع المؤسسة العامة للسينما.
الاسمان السابقان يبعثان على التفاؤل بأن الفيلم سيكون جيدا، فبداية السيناريست “إسماعيل” متمكن من أدواته، وهو كاتب يعمل بجد على نصه، فبعد خبرة طويلة في كتابة دراما أبو الفنون “المسرح”، وحرفية واضحة أظهرها، في الاشتغال على عدة نصوص سينمائية قصيرة وطويلة، يخوض هذه المرة في شرط صعب ومختلف، النص يبدأ باختطاف رجل لامرأة، ثم تتحول إلى علاقة حب بينهما، في تناول جديد للأزمة، يظهر ذلك في المقولة المميزة للعمل وهي أن “الجلاد والضحية” قد يجدان نفسيهما في هذه العلاقة بمحض المصادفة، فالرجل يختطفها لكي يجبر الذين قاموا باختطاف زوجته على إعادتها، أي أنه مجبر تحت ضغط نفسي على فعل ما لا يوافق عليه في ظروف عادية، أما هي فقد تعرضت للخطف من قبله، فقط لأنها في الحي الذي وقعت فيه حادثة اختطاف زوجته، ولا علاقة لها بالحادثة، إلا في هذا الحظ الذي أصابها؛ الشخصيتان تتخذان علاقة –جلاد –ضحية- بمحض المصادفة.
ينشأ الحب بينهما، يحدث في غياب الزوجة، وهو ما يجعل اختيار العنوان موفقا، ومن عالم السيناريو نفسه، ومنسجما مع الفكرة أيضا.
الحالة الرومانسية الشعرية بين البطلين في القصة، من المؤكد أنه تم كتابتها، بشكل مميز، فكاتب النص هو شاعر أيضا، له مجموعتان شعريتان “متسول الضوء” و”أطلس لأسمائك الحسنى”، وهذا يعيد للأذهان تجربة شاعر وكاتب وسناريست سابق وهو “محمد الماغوط”، وكيف كان لإبداعه الشعري، أثره الكبير في تقديم أفلام ومسرحيات لا تمحى من الذاكرة.
نص بهذا المستوى سوف يكون تحديا كبيرا، أمام المخرج القادم من دراما الثلاثين ساعة، القصة الآن مكثّفة، تقع في ساعة ونصف تقريبا، ولكن مشاهدة واحدة من حلقات “الحصرم الشامي” تبعث على الاطمئنان، لأن المسلسل مشغول بحرفية سينمائي واعد، وله مستقبل في الفن السابع، وهو الآن إذ يبدأ الاشتغال على نص بهذا المستوى، يرفع سقف التوقعات والأمل، بأننا على موعد مع فيلم مهم ومميز.
إن دخول مخرج بمهارة سيف الدين سبيعي، إلى عالم السينما، وذلك بعد وعكة فنية تعرض لها مؤخرا حيث لمّح إلى الاعتزال بسبب احتجاجه ورفضه لطرائق عمل الدخلاء على الدراما التلفزيونية، ومعايير السوق، ها هو، يعود بتصميم، وإرادة لا تقهر على مواصلة مشواره الفني الحافل بالمنجزات، ولأن الاستجابة للتحديات يجب أن تكون على مستواها، فقد انحاز الآن هذا الفنان إلى الشكل الدرامي الفني الأرقى من التلفزيون، بلسان حال يقول، إن الاشتغال على المستويات الفنية الرفيعة، هو الرد الفعال على تردي وضع الدراما التلفزيونية الآن.
لقد تناولت السينما والمسلسلات التلفزيونية، عددا لا يحصى من أعمال الأزمة، إلى حد جعلها موضوعا مستنزفا ومضجرا، ولكن هذا النص الذكي، لا يتناول الأزمة إلا في جزء منه، لأن الفيلم يتحول بعد ذلك ويصبح عن الحب، وهذه مقولة أخرى لهذا العمل المميز، وهي أن الحب قد يخرج من صميم الألم، وهي رسالة تفاؤل قوية ينطوي عليها السيناريو.
إن استقطاب السينما المحلية للكفاءات الإبداعية، في الكتابة والإخراج، هو الحل الأبرز لمشكلات السينما السورية، وهو كفيل بأن يرفد مسيرة هذا الفن بدماء جديدة، وتصورات مهمة، سوف يكون لها أثر ملموس في قفزات بدأت تحققها، وتتطور يوما بعد يوم، وما هذا التعاون الجديد، إلا ملمحا مميزا لهذا التعافي.
وما يضفي نوعا من الأهمية المضاعفة على هذا التعاون، أنه يأتي في وقت، تشهد فيه الدراما السورية نزفا بالمخرجين للعمل خارج البلاد، وهي مشكلة يمكن توصيفها بأنها شكل من أشكال هجرة الأدمغة، فخسارة الفنان، لا تختلف عن خسارة عالم، أو أي كفاءة أخرى يمكن أن تكون بلادها أولى بها، لذلك نتمنى أن تشهد السينما السورية تعاونا، مع مخرجين بمستوى مخرج “أولاد القيمرية” وهو ما يعود بالنفع على الطرفين، فالفن السابع المحلي، سوف ترفده رؤى وكوادر، مشهود لها بالإبداع، وأيضا هؤلاء المخرجون الذين سيجدون مبررا مقنعا للعمل على فنهم ومشاريعهم، في بلادهم الأولى بهم.
تمّام علي بركات