تحقيقاتصحيفة البعث

البحوث العلمية الزراعية في امتحان تحقيق استدامة التنمية

قيل الكثير حول البحوث العلمية الزراعية خلال السنوات العشر الماضية، و دورها في تحسين الإنتاج الزراعي والحيواني من خلال استنباط الأصناف الجيدة والعالية الإنتاج والمقاومة للأمراض وفقاً لما تردده الهيئة العامة للبحوث الزراعية في هذا الشأن، وخاصة محاصيل الفليفلة والكوسا والفول.

وفي المقابل لم نسمع أو نقرأ عن أن الهيئة قد استنبطت أصنافاً عالية الإنتاج من محاصيل القمح والشعير والشوندر والأشجار المثمرة، وكذلك بالنسبة لما يتعلق بالثروة الحيوانية كالأغنام والماعز الشامي والجبلي، وهذا يعني أن كل ما كنا نسمعه لا يتعدى التصريحات الإعلامية بدليل أن هذه البحوث منذ سنوات تعمل على إيقاف مرض الصدأ البني الذي يصيب محصول القمح، ولم يتوقف فضلاً عن تدنيه إنتاجية العديد من الأصناف المدرجة على قائمة القمح العالي الإنتاج والذي يزرع في العديد من المحافظات.

فهل حقق البحث العلمي الغاية والأهداف المرجوة منه، وهل تتناسب نتائجه والإمكانيات المقدمة له، وهل تكفي الاعتمادات المخصصة لدعم البحوث العلمية؟.

متطلبات التنمية الزراعية

لقد وفرت الحكومة كل متطلبات البحث العلمي وفقاً لما قاله وزير الزراعة قبل أسابيع من الآن عن دور هام للبحوث العلمية في تطوير الإنتاج الزراعي، إلا أن ما قاله لنا المهندس خضر فطوم، وهو مزارع من منطقة أصلية يناقض ذلك: إن المردود الإنتاجي لديه من القمح يعود لجهوده وحسن اختياره للأرض والعملية السمادية، ومراقبة المحصول من الزراعة وحتى جني الغلة، لكنه لا ينكر، ولا ينفي بأن بعض أصناف القمح المعتمدة في مجال محافظة حماة “أكساد وشام” تعطي مردوداً يتراوح بين الـ 300 – 700 كغ في حين لا تعطي هذه الأرقام لدى مزارعين آخرين، بل أقل من ذلك بكثير.

وأضاف فطوم:  إن الإصابة بمرض الصدأ مازالت موجودة رغم كل ما أشيع حول استنباط أصناف مقاومة لها، وهذا المرض، إن صحت التسمية، سببه الظروف الجوية واختلافها ما بين الليل والنهار مع وجود رطوبة عالية.

وأشار إلى أن استراتيجية الارتقاء بالزراعة بشقيها الزراعي والحيواني لإنتاج الغذاء لابد من أن تعطي أولوية لثلاث قضايا رئيسية: أولها الاستحواذ على التكنولوجيا، باعتبارها الأداة الفعالة لتعظيم، وتفعيل الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة رغم محدوديتها في كثير من الأحيان لدينا، وثانيها تنمية الموارد البشرية القائمة بالتنمية الزراعية  وتحفيزها جيداً من خلال السياسة السعرية الدورية، أي وفقاً لارتفاع الغذاء العالمي، وثالثها المناخ الاقتصادي المحفز، وهو المرتبط مع سابقه.

نتائجه موثوقة

الدكتور عبد الناصر العمر، مدير مركز بحوث حماة الزراعية، قال: البحث العلمي الزراعي يحتاج إلى وقت طويل لتبيان نتائجه الموثوقة والقابلة للتطبيق على أرض الواقع نظراً لأهمية ذلك اقتصادياً، حيث يتم الاعتماد على فرق العمل من الباحثين لتنفيذ الخطط والبرامج، ولكن ذلك لا يعني إغفال حقيقة تذبذب الإنتاج الزراعي من سنة إلى أخرى تبعاً للظروف المناخية، وأضاف: 85 بالمئة من المياه العذبة تذهب لسقاية المزروعات ومياه الأمطار، وهذا ما يجعل المردود متأثراً بالمعدلات المطرية والتقلبات الحادة للمناخ، سواء أكان مروياً أم بعلياً.

وعن متوسط إنتاج وحدة المساحة، رغم ما يقال عن دور البحث العلمي الزراعي، أوضح العمر أن أغلب المتوسطات الإنتاجية لأغلب المحاصيل في وحدة المساحة منخفضة لدى المزارعين، ويرجع السبب، “والكلام ما زال لمدير مركز بحوث حماة الزراعية”، إلى الزراعات البعلية بالدرجة الأولى، وعدم تطبيق الحزم التكنولوجية العلمية، كالأسمدة، والبذار المحسن، ومواد المكافحة، والمكننة الحديثة من قبلهم.

مئات التجارب البحثية

فيما يتعلق بالتجارب البحثية على الشقين النباتي والحيواني أوضح مدير مركز بحوث حماة الدكتور عبد الناصر بأنه تم إجراء 180 تجربة على مختلف الأصناف النباتية في العام الماضي، فضلاً عن أربع تجارب لدائرة الوقاية في مجال الأعشاب، والمبيدات، والحشرات الضارة التي تفتك بالمحاصيل، وأضاف بأن المركز أقام عدة بحوث في منطقة برشين حيث التفاحيات التي تتعرّض للعديد من الإصابات الحشرية، كما تم تنفيذ 7 تجارب في محطة بحوث الماعز والأغنام العواس شملت تجارب التربية، والتحسين الوراثي، والتغذية، والأعلاف، والصحة الحيوانية، بهدف تحسين إنتاجية الحليب للإخوة المربين، وقد تم توزيع 31 كبشاً و11 تيساً من الماعز الشامي من خلال مشاريع التنمية الزراعية في القطر.

مراحل متطورة

الدكتور بهاء الرهبان، معاون المدير العام للهيئة العامة للبحوث الزراعية بدمشق، شاركنا الحديث قائلاً: إن ما أصاب سورية جراء الأزمة لم يسلم منه أي قطاع، فقد وصلنا سابقاً لمراحل متطورة على كل الصعد تمثّلت في تحقيق الأمن الغذائي في معظم المنتجات، ولاسيما القمح، وكنا نصدر الفائض، لكن ما حدث أدى إلى تراجع الإنتاج في وحدة المساحة كمشروع إنتاج بذار البطاطا الإكثارية، ولا ننفي هنا أننا قدمنا كل ما هو مطلوب في ظل الأزمة، حيث لوحظ انخفاض كميات الإنتاج في كل المحاصيل، وقد يكون السبب نقص المستلزمات كالأسمدة والمحروقات، وهجر عدد كبير من المزارعين العمل في الزراعة، مضيفاً بأنه يجب العودة وبقوة لتوفير هذا الإنتاج، وتصدير ما يزيد عن الحاجة، ولابد من التركيز على هذا القطاع الزراعي، وإيلائه كل الرعاية والدعم، وتوفير مستلزماته، وهذا ما توليه الحكومة في الوقت الراهن من خلال رفع قدرة الموارد البشرية، واستثمار كل المساحات المتاحة للزراعة، كما أعدت الهيئة العامة للبحوث برامج عمل لمحطات الثروة الحيوانية، والتحسين الوراثي للعروق والسلالات الحيوانية المحلية: أغنام، ماعز، أبقار شامية، جاموس، ابل.

وبالنسبة لتساؤلات المزارعين لجهة الإصابة بالأمراض وقلة الإنتاج في وحدة المساحة، بيّن أن البحث العلمي يقوم باستنباط أصناف جديدة من القمح والبقوليات عالية الغلة، ومقاومة للأمراض، بما فيها الصدأ الأصفر، وذات صفات نوعية جيدة للمناطق المروية والبعلية عالية الأمطار، وأصناف أخرى متحمّلة للجفاف من خلال قيام الباحثين باستخدام تقنيات عالية، ونتائجها ستكون خلال السنوات القليلة القادمة من خلال تهجين القمح والبقوليات، وقد تم تنفيذ العديد من هذه التجارب في بساتين المزارعين مثل أصناف القمح دوما 6 الذي بلغ إنتاج الهكتار الواحد منه 4200 كغ، وصنف بحوث 10 بإنتاجية 6370 كغ في الهكتار الواحد، وهو متحمّل للصدأ الأصفر، علاوة على أصناف شام والكساد.

لا نجامل

ما سمعناه من المعنيين عن البحث العلمي الزراعي لم يؤكده المزارعون، بل استغرب الكثير منهم صحة وصوابية ما قالوه لجهة الإنتاج العالي، فإذا كان الهكتار يعطي قمحاً 5370 كغ، فهذا يعني أن نصيب الدونم الواحد 357 كغ، وهذا في حده الأعلى، في الوقت الذي يجب أن يعطي الدونم ما بين الـ 800- 900 كغ في الحقول الإكثارية البحثية، فكيف إذا كان في الحقول المفتوحة؟!.

لا ننفي جهود القائمين على البحث العلمي الزراعي بشقيه النباتي والحيواني،  وما شاهدناه في مركز بحوث حماة يشي بالكثير من التجارب على العشرات من المحاصيل، ومع ذلك لا نجامل هؤلاء المعنيين، فمازالت الفجوة كبيرة وبعيدة بين ما يقدم لهذا البحث، وما ينتجه على أرض الواقع، ومن يشكك بذلك فعند جهينة المزارعين الخبر اليقين.

محمد فرحة