تحقيقاتصحيفة البعث

بحثاً عن التفوق والنجاح الدراسي المعاهد الخاصة.. تكاليف عالية.. ونتائج غير مرضية.. وانتشار واسع على حساب المدرسة

ازدادت أعداد المعاهد التعليمية الخاصة في مدينة حمص، حيث لا يكاد يخلو حي من معهد تعليمي خاص (معاهد تقوية)، البعض مرخص، والكثير منها دون ترخيص، وبات الكثير من الأهالي يشكون من عدم اهتمام الكادر التدريسي بالوضع التعليمي لأبنائهم في المدارس، وهذا يجعلهم يلجؤون إلى تسجيل أبنائهم في معاهد خاصة، ما يشكّل عبئاً إضافياً ليس لهم طاقة على تحمّله، وخاصة في الظروف الحالية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكثير من هذه المعاهد لا تحقق الفائدة المرجوة من وجودها، والهم الوحيد للقائمين عليها تحقيق الربح المادي، فهذه المعاهد باتت تأخذ دور المدرسة، ولكافة المراحل من الصف الأول الابتدائي وحتى الثالث الثانوي، وهو ما شجع الطلاب بشكل أو بآخر على إهمال المدرسة، والاتجاه نحو هذه المعاهد، والالتزام بها، والاعتماد الأكبر عليها في شرح المناهج المكثفة.
للوقوف على هذا الجانب، التقت البعث العديد من الأهالي، والطلاب، وبعض أصحاب المعاهد.

“الكحل أفضل من العمى”
أشار عدد من الأهالي إلى أنه أصبح من الضروري اللجوء إلى معاهد التقوية، أو الدروس الخصوصية، رغم أعبائها المادية المرتفعة من أجل تقوية أبنائهم في المواد العلمية، وذلك بسبب تراجع العملية التعليمية في المدارس العامة في ظل المناهج الحديثة المتطورة، وعدم قدرة الأهالي على متابعة دروس أبنائهم، وتعتبر أسعار المعاهد أرخص بكثير من الدروس الخصوصية التي تصل أحياناً لمبلغ 2000 ليرة سورية للدرس الواحد، وخاصة قبل الامتحانات لمادتي الرياضيات، والفيزياء.

طلاب الشهادة
عدد من طلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي الذين انقطعوا عن الدوام المدرسي مبكراً هذا العام قالوا: إن المناهج كثيفة جداً، ولا نستطيع الانتهاء منها في المدرسة، لذلك لجأنا إلى المعاهد الخاصة، حيث يمكننا حل نماذج تشابه النماذج التي يتم طرحها في الامتحانات الرسمية، وخاصة المواد العلمية.
معتصم معروف، والد أحد الطلاب، يقول: لا أستطيع متابعة أولادي دراسياً نظراً لتغيير المناهج وصعوبتها، لذا قمت بتسجيل ابني في أحد المعاهد الخاصة لتقويته في المواد الدراسية، بدلاً من المدرّس الخصوصي، نظراً لارتفاع أسعار الدروس الخصوصية.

كثافة عدد الطلاب في المدارس
الطالبة ريم قالت: أنا في الصف الأول الثانوي علمي، وسجلت في معهد خاص لمادتي الرياضيات، واللغة الانكليزية، فالمنهاج صعب، ويحتاج إلى تركيز كبير، ولا نستطيع إنهاءه في المدرسة نظراً لكثافة عدد التلاميذ في الصف الواحد، فعددنا في الشعبة الواحدة يتجاوز أربعين طالبة، فلا يأخذ الدرس حقه من الشرح والإعادة والتسميع، كما أن الغياب المتكرر لبعض المدرّسين يجعلهم يشرحون في بعض الأحيان درسين أو أكثر في الحصة نفسها، وهذا يشكّل ضغطاً كبيراً علينا.
التلميذة رغد في الصف الأول الإعدادي قالت: اقترح أهلي تسجيلي في أحد معاهد التقوية بدلاً من وجود مدرّس خصوصي، حيث المنهاج كبير وضخم، وفي الوقت نفسه صعب، وهو يحتاج لشرح ودراسة مكثفة لتحصيل أعلى العلامات في النهاية، ولابد من وجود متابعة من قبل المدرّسين، وخاصة في المواد العلمية.
المعلّمة رفيف الصالح قالت: لا أشجع إرسال التلاميذ إلى المعاهد، فهي تصبح عبئاً على الطالب، فيمضي يومه بين المدرسة والمعهد، وبالنسبة للمدرّسين أصبحوا يعتمدون على المعاهد أكثر من المدرسة، وذلك بسبب المردود المادي الجيد، فيقومون بتشجيع تلاميذهم في المدارس على التسجيل في هذه المعاهد.

أصحاب المعاهد
أحد أصحاب المعاهد الخاصة قال: طموح أغلب الأهالي تحصيل أولادهم أعلى العلامات. وخاصة طلاب الثانوية لدخول فرع جامعي مميز، وعدم قدرتهم المادية على تحمّل أعباء الدروس الخصوصية يدفعهم لتسجيل أبنائهم في المعاهد، مضيفاً بأن لهذه المعاهد دوراً مساعداً في تقوية الطلاب إن وجد فيها كادر تدريسي متخصص يقدم المعلومات لهم بكل صدق، ولا يمكن أن تحل المعاهد مكان المدارس العامة، وإنما للمعاهد دور مساعد في فهم المناهج بسهولة ويسر من خلال ما تعذر عليه فهمه من دروس، أو تغيب عنها، ومهمة المعهد إعادة شرح ما لم يتمكن من استيعابه لكي يحقق علامات ممتازة في نهاية العام، وهو الربح الأكبر له ولمدرّسيه، وليس السعي وراء الربح السريع، فيتحول المعهد من صرح تعليمي إلى منشأة تجارية همها الوحيد الربح، فهل لجوء الطلاب إلى المعاهد الخاصة، والمدرّس الخصوصي من أجل الاستفادة الحقيقية، أم هي مجرد موضة وتقليد للذين تمتلك أسرهم المال؟!.
لا ننكر أننا عانينا كثيراً خلال سنوات الحرب من تدمير المدارس، والازدحام في مدارس أخرى، ومن نقص في المدرّسين والمعلّمين، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق التساهل مع أي ضعف أو تقاعس في قيام أي مفصل من مفاصل العملية التعليمية والتربوية بدورها على أكمل وجه، والبلد يتحمّل الكثير من الأعباء من أجل إنجاح العملية التعليمية، ووصولها إلى بر الأمان بأقل التكاليف والأعباء المادية على المواطن.
وفي الختام نقول: إن المتفوقين في مدارس حمص في غالبيتهم من المدارس النظامية، وليسوا، مثلاً، من مدرسة المتميزين، أو المدارس والمعاهد الخاصة، لأن جهد الطالب هو الأساس في التحصيل والنجاح والتفوق.
رنا منير محمد