الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

يحترق كما يشتهي!!

 

سلوى عباس
يا امرأة الوقت والصباحات الجميلة.. رسالتك الأخيرة حملت جرعة قوية من الحقيقة.. لذلك ونظراً لضيق مساحة الحرية المخصصة لي، والتي يمكن أن أتحرك فيها أقول لك: من المهم أن يبقى هذا الآخر الذي هو أنت بمعزل عن أي تأثيرات محتملة لما أكتبه.. وأرى أنه من الأفضل أن أكيّف نفسي مع الوضع الجديد.. منذ زمن كنت أخاف من الحقيقة.. بمعنى أنه يمكن للإنسان أن يتحمّل لونين ليس أكثر، وهذه مسألة ليست سهلة، لذلك كنت أحاول تفاديها وحتى تشويهها إذا لزم الأمر، لكنني اليوم أصبحت أكثر ميلاً لأن أرى الحقيقة عارية إلا من صدق البوح.. لم أعد أخشى أن أراها دامية أو دامعة مادمت أعيشها بكل ما فيها.. المهم يجب أن تعرفي أنه أحيانا يُحرق الفيلم الذي نصور فيه الحقيقة التي يراها كل واحد منا كما يريد..
لا أخفيك.. جربت الأوهام من قبل ولم تفلح في وقف ذلك الصداع الذي كان ينتابني حين تلفحني الحقيقة برائحة أنثى.. فكرت بيني وبين نفسي أنه حتى في الجحيم نكهة ثانية.. نعم لكلٍ منا جحيمه الخاص به، لكن المسألة كيف يعيش هذا الجحيم.. وأنا بحكم خبرتي في مملكة هذا الجحيم أرى أنه لابد أن أمتلك إيماناً خاصاً بي لأخرج بروحي سالماً من ألسنة الجحيم، وأترك جسدي يحترق كما يشتهي، فأطلقي روحك في فضاء الأبدية.. لا تتوقفي.. دائما هناك غد نصنعه نحن وليس أحد آخر.. لا تنتظري أحداً أن يمد لك يد العون.. عليك بنفسك حتى ولو كنت في الجحيم.. اخلقي الدافع والقوة من تحت الأرض.. من جمر النار.
أي حقيقة تبدأ بحلم، وما من إنسان بالدنيا يمكنه أن يمنعك من الحلم أو أن يصادره، لأن هناك عالماً آخر لازالت متاحة فيه الأماني، وعندما أكتب إليك لا أتعامل معك برسالة وجوابها، فأن يتعامل الإنسان مع أنثى حقل ألغام مسألة ليست سهلة، لأنني أحتاج أن أدخل عالمك وأحيا معك نبض اللحظة كما تعيشينها، لكن كيف ذلك وبواباتك موصدة، وحقول ألغام لا تنتهي تمتد أمامي.. هناك فرق كبير بين أن أندفع مرة واحدة وأضم حقل ألغامك موتاً آخر بانفجار أحدها فينثرني في فضائك عبث اللحظة.. وبين أن أقترب رويداً رويداً وأحتضن كل لغم لوحده.. فأنا عاشق تفكيك ألغام تحمل عبق الياسمين وتنبض ملء القلب.. هناك نشوة أخرى أن يضع المرء قلبه بين يديه ويراه كيف يرتعش في لحظات الخوف.. يتبدى المشهد بشهقة وجبين يقطر قطرات باردة تطفئ لهيب الحذر.. و”تكتكات” لغمك تهمس موتي.. قد أنجح وقد أفشل.. وأعتقد أنه ما من عاقل يدخل مغامرة وهم ينبىء أنه سيموت.. ومن يدخل هكذا مغامرة يكون مؤمناً أنه سيعيش ولن يموت.. وبحالة كهذه يعيش انفجار لغم واحد كل مرة.. حالة فيها تصعيد جنوني جميل ورائع ويضحى بالعقل من أجله.. وأنا مازلت مشرعاً روحي إليك، ولكن ضمن المساحة المخصصة لي إذا بقيت.
للأسف أنت لا تعرفين البحر ومازلت تخافين أن تتسرب مياهه بين أصابع قدميك.. تخافي أن تفتحي رئتيك أكثر وتأخذي شهيقاً آخر.. تخافي أن يجرفك معه.. ليتك تستطيعين أن تعيشي أحلامك وأن تطلقي روحك إلى فضاء الأبدية ولا تتوقفي، لأن الغد قادم ونحن من نصنعه.