أخبارصحيفة البعث

الرفيق الدكتور مهدي دخل الله عضو القيادة القطرية- رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام لـ “البعث”: لو لم تكن مسيرة الحزب نقدية لما استمر حتى الآن

دمشق- البعث:

قال الرفيق الدكتور مهدي دخل الله: إن الأطر الواسعة لفكر الحزب أسهمت في تعزيز قدرته على التجدد، وأضاف عضو القيادة القطرية- رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام، في مقابلة مع “البعث”، بأن كل ما هو وطني حقيقي هو عروبي بالضرورة، وأن العروبة تعزز الوحدة الوطنية داخل كل قطر عربي. ورداً على سؤال حول الفكر النقدي، أوضح دخل الله بأنه لو لم تكن مسيرة الحزب نقدية لما استمر حتى الآن، وأن جوهر التفكير النقدي هو أن تعرف متى تنتهي صلاحية الحلول كي تستبدلها بما يناسب التطور.. هنا نص المقابلة:

<  في إحدى مقالاتكم القديمة، رأيتم فيما أسميتموه “الضعف الأيديولوجي”  للحزب عاملاً ساهم في قدرته على التجدد والاستمرار، هل مازلتم ترون هذا الرأي، ثم ألا يشكّل الضعف الأيديولوجي، في المقابل، خطراً على وحدة الحزب الفكرية؟.

<< كنت أتحدث عندها عن مقولة إن قوة البعث تكمن في “ضعفه” الأيديولوجي، وهذا نوع من التورية، أي الذم الذي يقصد به المديح، المقصود بالضعف الأيديولوجي أن الإطار الفكري للحزب كان واسعاً جداً، وعاماً، وفيه ضعف من ناحية التركيز على مقولات محددة غير قابلة للتطوير أو التغيير، إنه “ضعف إيجابي” كما هو واضح.

الإطار الفكري الواسع للبعث جعل فكر الحزب مقبولاً من كل إنسان عربي عادي، حيث لا يتضمن هذا الفكر تطرفاً وتركيزاً طبقياً أو فئوياً فيما يطرحه من أفكار، غالبية الأحزاب ذات الأيديولوجيات الضيقة والمحددة انتهت في الجمود الفكري بسبب “صنمية النص”، البعث ليس لديه نص مقدس، وهذا ما أنقذه من الجمود الفكري، وجعله مرناً في التعاطي مع الواقع المتغير باستمرار.

الوطنية الحقة هي

التي تلتزم بالعروبة.. وهذه تعزز

الوحدة الوطنية

في كل قطر عربي

 

أزمة الأحزاب ذات الأيديولوجيات العميقة الضيقة التي ترسم التفاصيل أضحت أزمة واضحة للجميع.

المشكلة في النص الذي يرسم واقعاً افتراضياً عبر الانطلاق من واقع قائم له مفاهيمه، تستخدم الأيديولوجيا معايير خالصة ومطلقة، لكن الأزمة تظهر عندما يطرح تطور الواقع في حد ذاته قضايا لم تكن مرصودة مسبقاً.

حصل هذا مع الأحزاب الماركسية في أوروبا الشرقية، واليوم يحصل مع الأحزاب اليسارية واليمينية في أوروبا الغربية.

“تقديس الأيديولوجيا والنص” لا يوصلك إلى الجمود فحسب، وإنما يوصلك أيضاً إلى نوع من التعنت، والإقصائية، وعدم الاستعداد للتعاون مع الآخر.

الأطر الواسعة لفكر الحزب أسهمت في تعزيز قدرته على التجدد، والتجدد مكّنه من الاستمرار، وقد أثبتت التجربة أن هذه الأطر الفكرية الفضفاضة هي التي عززت قوة الحزب، وليس العكس، بدليل أن حضور الحزب ودوره يزدادان باستمرار، حيث لم يستطع تحالف الإرهاب وداعموه القضاء على دولة يحكمها ائتلاف واسع يلعب الحزب فيه الدور الأكثر أهمية.

الاعتراف بالآخر يؤكد المرونة الأيديولوجية، وهو اعتراف بالواقع الحقيقي على الأرض، على سبيل المثال اليوم لدى حزب البعث (65%) من مقاعد مجلس الشعب، ما يخوّله كي يحتكر الحكومة، لكن ما قام به هو تشكيل ائتلاف حكومي واسع.

المشكلة تكمن في إيجاد علاقة مناسبة بين الفكر والممارسة، ينبغي على الفكر أن يكون واسع الأطر كي يستطيع استيعاب ما تطرحه الممارسة من تطوير للواقع، الحياة لا ترسم حسب النصوص المسبقة، وإنما العكس هو الصحيح، ينبغي على النصوص أن تستوعب الحياة في تطورها.

< إذا صح أن هوية فكر الحزب، كما تشكّلت نظرياً وتاريخياً، هي هوية قومية، فإن الحزب أخذ، في السنوات الأخيرة، يركّز أكثر على الهوية الوطنية، هل لهذا الأمر علاقة بالمستجدات التي شهدتها سورية، والوطن العربي عموماً؟.

وكيف ينظر الحزب اليوم إلى مفاهيم القومي، الوطني، القطري، وإلى جدل العلاقة بين هذه المفاهيم؟.

<< ومن قال إن الوطنية مناهضة للقومية؟.. النزعة القطرية هي المناهضة للقومية إذا كان هدفها نفي القومية بذريعة مصالح القطر الوهمية، بمعنى اعتبار المؤقت (الدولة القطرية) حلاً نهائياً.

عند البعث، الوطنية الحقة هي تلك التي تلتزم بالعروبة، لأنه لا يمكن أن تكون وطنياً إن لم تكن عروبياً، فالوطن بحدوده السياسية القائمة هو الشكل الظاهر للوجود السياسي، أما العروبة فهي جوهر الوجود الأنتولوجي، وكما يعلمنا ابن رشد فإن معنى الجوهر هو الذي يحدد ماهية الشيء، الماهية مرتبطة بالجواهر وليس بالظواهر.

لانزال نعيش عصر القوميات، بدليل أن أول ما قامت به ألمانيا بعد انهيار الجدار البرليني هو توحيد الأمة الألمانية في دولة واحدة، قد يكون من الصعب اليوم الحديث عن دولة عربية واحدة، ولكن من الضروري أن نحافظ على العروبة باعتبارها رابطاً أساسياً، وفطرياً، وتاريخياً، وثقافياً لجميع المكونات التي تعيش في الدول العربية.

الأطر الواسعة لفكر الحزب أسهمت في تعزيز قدرته على التجدد

 

بهذا المفهوم تعزز العروبة الوحدة الوطنية داخل كل قطر عربي، إضافة إلى أنها تؤكد على شخصية الأمة، بغض النظر عن الكيانات السياسية الموجودة.

وبالتالي فإن كل ما هو وطني حقيقي هو عروبي بالضرورة، هذا فطرة خارج إرادتنا، وإذا عارضت الإرادة الفطرة تكون قد انفصلت عن الجوهر، وأصبحت النزعات القطرية نزعات غير وطنية.

< يرى البعض أن إعادة الاعتبار للفكر، ولاسيما الفكر النقدي، ضرورة لأية نهضة حزبية عربية، لأن التجويف الفكري هو أحد الأسباب الأساسية التي أدت إلى تراجع فاعلية الأحزاب وتأثيرها، وأفقدتها الكثير من المصداقية.. هل هذا صحيح؟.

<< صحيح مئة بالمئة، وأنا ألاحظ أن خطاب السيد الرئيس الذي هو الأمين القطري للحزب خطاب نقدي، والمنهج النقدي يعني كشف الجوهر وعزله عن الظاهر، ولو لم تكن مسيرة الحزب نقدية لما استمر حتى الآن، لأن المنهج النقدي، في كشفه عن الجوهر، يحمي الحزب من الجمود، على اعتبار أن جوهر الواقع متحرك وليس جامداً.

اليوم أصبحت لدينا تجربة نقدية كاملة، بدليل أن دستور (2012) يعتبر نقداً لما سبقه، ليس لأن ما سبقه سيىء، وإنما لأن ما سبقه قد وصل إلى حدوده التاريخية، هذا هو جوهر التفكير النقدي، أن تعرف متى تنتهي “صلاحية” الحلول كي تستبدلها بما يناسب التطور، هي ليست إدانة لما سبق، وإنما تأكيد على نجاح ما سبق، بدليل أنه أوصلك إلى اللاحق.