ثقافةصحيفة البعث

“سرقة المال” عمل جماعي وتميز فردي

يصنف الآن كأحد أنجح الأعمال الفنية في السنوات الأخيرة وأكثرها متعة على الإطلاق، هو الأيقونة الإسبانية “La casa de papel” شغل العالم من الحلقة الأولى، ليبدأ مشوار نجاح تلو الآخر.

المسلسل من إخراج أليكس بينا، أذيعت أولى حلقاته في 3 أيار 2017 على التلفاز الإسباني وانتهى عرضه في 23 تشرين الثاني من العام نفسه، بينما أذيع عالمياً في 25 كانون الأول 2017. ونظراً للشعبية الهائلة التي حصدها في اسبانيا سارعت شركة “نتفليكس” الأمريكية إلى شرائه وتسويق نسخة عالمية منه، حيث يتألف من موسم واحد وتسع حلقات تتجاوز مدة الواحدة منها الساعة والنصف، ليقسم إلى جزأين ضمّ الأوّل 13 حلقة والثاني 6 حلقات مدة الواحدة ما يقارب الخمسون دقيقة. ويعتبر من أوائل الأعمال الفنية الإسبانية التي يتم تسويقها على المستوى العالمي. كما حصل على تقييم مرتفع (8,8) على موقع “IMBD” الشهير والمختص بتقييمات المسلسلات والأفلام على أساس الشعبية وأراء النقاد.

حبكة المسلسل

يخطط رجل غامض يلقب بـ “البروفيسور” لأكبر عملية سرقة التاريخ المعاصر، فيقوم لذلك بتجنيد 8 لصوص محترفين يتشاركون بعدم اكتراثهم بما يمكن أن يخسروه. والعملية هي اقتحام دار صك العملة الإسبانية وطباعة 2,4 مليار يورو، ولتحقيق ذلك يحتاجون إلى البقاء ضمن الدار لـ 11يوماً والتعامل مع 67 رهينة ونخبة من قوات الشرطة والمخابرات الإسبانية.

تكلف المحققة راكيل، وهي الأكفأ والأنجح في مثل هذا النوع من القضايا، بالمفاوضات مع اللصوص، محاولةً إيقاف عملية السطو، فتبدأ لعبة المغامرات والذكاء بين البروفيسور والمحققة.

تروي شخصية “طوكيو” القصة، من أول اللقاء مع “البروفيسور” مروراً بالتعرف على شركائها في الجريمة ومهارات كل شخص منهم، ثم التدريب على الخطة، وأخيراً تنفيذ عملية السرقة واحتجاز الرهائن لمدة 11 يوماً من أجل الضغط على الشرطة والمساعدة في طبع الأموال.

يضع البروفيسور مجموعة من القواعد التي عليهم إتباعها مثل عدم تبادل أي معلومات شخصية، فيختارون لأنفسهم أسماء مدن مثل برلين وموسكو وهلسنكي وريو، وعدم اللجوء إلى القتل في أي حال من الأحوال، والابتعاد عن الدخول في علاقات عاطفية قد تهدد نجاح العملية. لكن رغم التفكير في كل شيء وحساب كل خطوة، فإن الخطة تتغير عند اقتحامهم المبنى وتتابع الأحداث.

كتبت الحلقة الافتتاحية بأكثر من خمسين سيناريو قدّم كلٌّ منها الشخصيات بطريقة مختلفة، وسبب ذلك أن الحلقة الأولى تعتبر مفتاحاً للمسلسل كلّه.

ويلاحظ التشابه الهائل بين شخصيّة طوكيو في المسلسل وشخصيّة ماتيلدا التي لعبت دورها نتالي بورتمان في فيلم “ليون” المشهور، من حيث الشكل والتصرفات.

وكان من المقرر طبع الأموال بآلة طباعة حقيقية، ولكن بسبب التعقيدات الأمنية استعيض عنها بآلة “رول” لطباعة الجرائد.

ومن أكثر المشاهد انطباعاً في الذهن، المشهد الذي يجمع برلين بالبروفيسور على مائدة العشاء في الليلة التي تسبق العمليّة، بعد أن غادر باقي أعضاء الفريق، لنستحضر “العشاء الأخير” بمشهد يمتاز بتدفق مشاعر الصداقة والقوة، ويتوّجَ بغنائهما الأغنية الإيطالية الشهيرة “Bella Ciao” “التي رددها الثوار الإيطاليون بوجه موسيليني وفاشييه، ما يوحي بأن الأغنية تمثل قضية هؤلاء السارقين. وقد سجل لحن الأغنية من قبل عدد كبير من المطربين المعروفين، وترجمت كلماتها إلى لغات مختلفة من بينها العربية.

ولا يتكشف سرّ العلاقة بين البروفيسور وبرلين حتى آخر دقائق الحلقة الأخيرة من الجزء الثاني، ودون ذكر مباشر نعرف أنهما أخوة، ما يفسر الكثير من العبارات بينهما وحرص برلين على ضمان نجاح السرقة، رغم علمه بأنه يعيش أيامه الأخيرة نتيجة إصابته بمرض تنكسي قاتل وأنه لن يتمتع بصرف حصته من المال.

وتشير ألقاب الشخصيات (عواصم المدن) إلى توجه سياسي واقتصادي، فأغلبها إذا استثنينا برلين وباريس، عواصم لبلدان شرق أوروبية حيث يكثر الفقر والتمرد للمطالبة بالحقوق.

واستبدل عنوان المسلسل من المطرودين إلى بيت الورق. والتبست ترجمة العنوان أيضاً على البعض، فالعنوان الإسباني “La casa de Papel” يعني “بيت الورق” والعنوان الإنكليزي “Money Heist” يعني “سرقة المال” وعلى الصفحات العربية لمواقع التواصل نجده باسم “بيت المال”.

ويتميز المسلسل بالتسلسل المنطقي للأحداث والتشويق في نهاية كل حلقة، وتفوّقه على غيره من المسلسلات بقلّة حشوه للأحداث غير المهمة ما أكسبه نجاحاً جماهيرياً هائلاً. ويضم نخبة من الممثلين الأسبان الذين تميزوا على مدى أحداث المسلسل بأدائهم الساحر ولو أن ما يشاهد هو نقل تلفزيوني حي لما أبدع الأبطال كما فعلت شخصيات المسلسل.

وإن كنا سنعلق عليه سلبياً فلن نجد ما نتحدث عنه إلّا عدم واقعيته، فلم تترك خطة البروفيسور أي حدث صغير أو رد فعل للشرطة إلا ووجدت له حلاً ما قد يبدو غير منطقي.

موسم جديد

وقد تناولت الصحافة الإسبانية إشاعات مفادها العمل على جزء ثالث، وتقول الإشاعات أن قصة الفيلم ستستكمل من حيث انتهى الجزء الثاني تماماً، فعندما تلتقي راكيل بالبروفيسور تلقي الشرطة- التي لم تتوقف عن مراقبة راكيل رغم مرور عام على السرقة- القبض عليه مع باقي أفراد العصابة، وحبكة القصة، الهروب من السجن عند نقلهم من مكان احتجازهم، صحيح أنه بذلك سيصبح مماثلاً من حيث الفكرة للمسلسل الأمريكي الشهير “الهروب من السجن” وسيبتعد عن الفحوى الأساسي له وصحيح أن برلين، صاحب الشعبية الكبرى وخاصة في وطننا العربي، مات لكن من منا لا يودّ رؤية البروفيسور وهو يبدع في ابتكار خطة للهروب.

سامر الخيّر