رأيصحيفة البعث

“الصواريخ المجرمة” .. واليــــوم التالــــي

 

بغض النظر عن الأسباب والذرائع العلنية التي قدمها بعض مسؤولي الكيان الصهيوني، ولو بصورة مواربة على عادتهم، لـ”الصواريخ المجرمة” التي ضربت مطار “التي فور” أول أمس، إلا أن محاولة فهم توقيت هذا العدوان لا تكتمل دون النظر إليه انطلاقاً من احتمالين اثنين لا ثالث لهما، الأول، أن تكون عملية اختبار محدود بالنار قامت بها “تل أبيب” لحساب واشنطن، في هذه اللحظة الزمنية الفارقة من مسار الحرب الدائرة في سورية وعليها، والاحتمال الثاني، هو فرضية قيام “إسرائيل” بعملية توريط للعالم كله في حرب مدمّرة خاصة وأن “السيناريو الأسوأ، أي انتصار سورية، هو الذي تحقق”، كما أقرّ الرئيس السابق لوحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية”.
وربما كان أحد أهم الأسباب الداعية لهذا الفهم حقيقة أن الوقائع السابقة على هذا العدوان تقول بأن وقوعه في هذا التوقيت لم يكن ممكناً لولا التصريحات “الحربجية الترامبية” والصالحة لفرضية التوريط، وما تلاها من إعلان عن توافق أمريكي فرنسي – صالح لفرضية الاختبار بالنار عبر طرف ثالث – على تنسيق “رد شديد مشترك” على الفصل الأحدث من “مسرحية الكيماوي” التي استبطنها أصحاب الصواريخ لشرعنة فعلتهم الآثمة، وهنا من الضروري إيضاح أن هذا “التوافق” ليس بين طرفين متساويين، بل بين تابع ومتبوع، وكان أفضل من عبّر عن ذلك وزير الداخلية الفرنسي الأسبق حين أكّد عام 2013، في سياق توافق مشابه حول الفصل الأول من “مسرحية الكيماوي”، على أن “المهم هو ما سيجري في الكونغرس الأمريكي” وليس في الجمعية الوطنية الفرنسية أو قصر الإليزيه، وهذا ما حصل فحين رفض الكونغرس شرعنة العدوان المتوقع حينها لم يبق أمام ساكن الإليزيه سوى خلع الزي العسكري مرغماً لا مختاراً.
وفي هذا السياق من المهم التأكيد على أن التوافق الحالي، لا يرتبط بما حدث في “دوما” تحديداً وإن تذرّع  بمجرياتها، بل بما سيحدث في غيرها لاحقاً، بمعنى أنه لا يُعنى بالماضي ولا يشغل نفسه به، فهما، أي طرفي التوافق، قد اعترفا، ولو على مضض، بخسارة “الغوطة” برمزيتها الكبيرة وحساسية موقعها الجغرافي والسياسي والعسكري في معركة سورية، لكنهما يحاولان عبر التهديد بالتدخل المباشر تغيير صورة المستقبل الذي يريدان حصة فيه، لأنهما لا يستطيعان القبول بنصر كامل لسورية وحلفائها، ما يعني خسارة صافية لهما في معركة مفصلية من معارك النظام الدولي الجديد.
قصارى القول، يحمل ما حدث رسائل عدة في ثنايا احتماليه السالفي الذكر، لكن التصدي السوري الناجح لها، يقدم بدوره أجوبة عدة على الاحتمالين وعلى الرسائل أيضاً باختلاف مطلقيها، فـ”إسرائيل” التي أقرّت سابقاً بـ”أنّ ما يحصل أكبر منّا” كما قال أحد أهم رجال استخباراتها السابقين، أكّد لها “التصدي” الناجح لخمسة من الصواريخ الثمانية صحة ما سبق، فيما قال لمن يقف خلف “إسرائيل” وصواريخها أن سورية ومن معها جاهزون لعملية الاختبار- أعاد “لا فروف” في معرض حديثه عن التهديدات الأمريكية تأكيد ذلك عندما قال بالأمس “أنه لدينا التزامات مع الحكومة السورية الشرعية”!!..- وأن قرار الرد جدي للغاية مهما كان الثمن فهل أنتم جاهزون بدوركم لدفعه؟!! ذلك هو سؤال اليوم التالي الذي يتوقف على واشنطن وحدها هذه المرة الإجابة عليه، فإما أن تستمر في غيّها، وإما أن تقرأ جيداً مضمون إجابة التصدي، وعلى جوابها، سلباً أم إيجاباً، يتوقف الكثير في المنطقة .. والعالم أيضاً.
أحمد حسن