الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

بومباي في يومها الأخير

 

كل عمل إبداعي لا بد أن يحمل في طياته قصة ما، أو أنه يشكل بوابة تنفتح في وقت ما إلى عقل صاحبه، أو هو على الأقل حكاية شخصياته المخفية، هكذا ومن خلال لوحةٍ تشكيليةٍ يمكن لنا أن نستشف حالة الفنان وما يدور في عقله هو يعمل على إنجازه مهما بلغ من التعقيد أو البساطة، من الجمال أو البشاعة، أو هو في حالات أخرى تصوير لواقع أسدل الزمن عليه الستار فأعادته ريشة الفنان إلى الحياة من جديد.
ناجٍ وحيد كتبت له الحياة بعد بركان جارف داهم قرية بومباي الإيطالية خلال الفترة التي كان نيرون يجلس على عرش الحكم، البركان الثائر كان أخفى عبر جنونه وغضبه القرية بأكملها، أحياءها وأبنيتها شوارعها والسكان، كل ذلك غاب عن الوجود خلال دقائق قليلة من الزمن، ليعاد اكتشاف القرية فيما بعد ويتم العثور على كل من فيها على حالهم لحظة ثوران البركان المرعبة، جثثاً متحجرة لا حياة فيها وبقايا دمار.
طفل وحيد نجا من الكارثة اعتمد عليها الفنان الروسي “بيرلوف” لإعادة إحياء اللحظة المرعبة في ملحمة شهيرة سميت “اليوم الأخير لبومباي”.
في اللوحة تصوير دقيق للحظات لا تنساها ذاكرة ضحاياها، صروح وأبنية تنهار، تماثيل تتهاوى جميعها فوق الأحياء من السكان في ثواني حياتهم المتبقية وقد غلبت على وجوههم نظرات الرعب تخالطها الدهشة والحيرة، الطفل الوحيد الناجي متمسك بأطراف ثوب والدته، بينما أصر الفنان على مشاركة الناس لحظاتهم الأخيرة فبدا في زاوية اللوحة اليسرى يعتريه الخوف واليأس ذاته.
تعتبر اللوحة التي كانت الملهمة للكثير من الأدباء والشعراء، واحدة من الملاحم الفنية الضخمة، وإحدى روائع الفن التشكيلي الروسي بريشة فنان مبدع يدعى كارل بيرلوف لقب بعد هذا العمل “كارل العظيم”.
بشرى الحكيم