اقتصادصحيفة البعث

لا تزال معقد الأمل ومحط الرهان على الصمود تجدد التشويش حول أسعار الصرف.. والمصرف المركزي يعتبر هامش حركة الليرة مقبولاً

لا تزال الليرة السورية معقد الأمل وعلى جميع المستويات “الشعبية والإعلامية، والرسمية”، فما تكاد تتوارى عن المشهد حتى تعود مجدداً إلى “مانشيتات” الصحف كمادة إعلامية دسمة، فتتوالى التحليلات والتعليقات الاقتصادية والإعلامية حول مستقبلها ومدى قدرتها على الصعود أمام الدولار وما إلى ذلك من تكهنات ترهق أعصاب المواطن السوري وتزيد من متاعبه وهمومه اليومية، علماً أن العملة في أي بلد كان ليست هدفاً بعينه، وإنما عبارة عن مؤشر يعكس قوة ومتانة الاقتصاد.

بين الحقيقة والوهم

لاشك أن الاقتصاد السوري يمر بأزمة غير مسبوقة، إلا أنه وفي حقيقة الأمر جزء من هذه الأزمة هو وهمي والآخر حقيقي، وهناك جزء كبير من مشهد انخفاض سعر الصرف وتدهور الليرة له علاقة بالشق الأول “أي الوهمي”، وقد نجح حيتان السوق بتسويقه إعلامياً مستفيدين من التذبذب الحاد الذي يصيب سعر صرف الليرة بين الحين والآخر، مع الإشارة هنا إلى جانب مهم علينا عدم إغفاله، وهو أن الاقتصاد السوري ليس بمستوى السوء الذي يروج له، فوضعنا الاقتصادي على الرغم مما أصابه من انتكاسات هنا وارتكاسات هناك لا يزال بحدود المقبول على أقل تقدير، بدليل أن رواتب وأجور الموظفين لم تتوقف إلى الآن، إضافة إلى أن السلع والخدمات لا تزال متوفرة بالأسواق..!

بيئة مناسبة

وعلى خلفية ما أثير من تكهنات حول الانخفاض الأخير لسعر صرف الدولار أمام الليرة ومعاودة ارتفاعه، اعتبر مصرف سورية المركزي في بيان له أنه تأكد للجميع نجاح السياسة النقدية في فرض استقرار نسبي واضح لليرة السورية، وهو الهدف الذي أعلنه مصرف سورية المركزي منذ سنتين تقريباً، وتحقق ذلك الاستقرار بدقة فاجأت الكثيرين، حيث ترافقت إدارة السياسة النقدية مع انتصارات الجيش الميدانية، وأشار البيان – الذي اطلعت عليه “البعث” – إلى أن سعر الصرف استقر في العام الماضي بجوار 520، وفي هذا العام استقر على 438 مع هامش حركة يعتبر مقبولاً نسبياً بمقدار 5% نحو الأعلى أو الأدنى؛ وقد شكّل ذلك بيئة عمل مناسبة للحركة التجارية والصناعية، وسمح بتحقيق نتائج إيجابية للنشاط الاقتصادي عموماً على الرغم من كل الضغوط.

مزاعم..!

في إطار الحملة المستمرة للتشويش على مكتسبات الاقتصاد السوري عموماً ونتائج السياسة النقدية في استقرار نسبي لليرة السورية خصوصاً، تناولت وسائل التواصل الاجتماعي خبراً غريباً عن طرح فئة خمسة آلاف ليرة في الأسواق، وهنا نوه بيان المصرف المركزي إلى قيام بعض المواقع بنقل الخبر الصحفي للعام الماضي الذي جرى فيه الإعلان عن طرح فئة ألفي ليرة، واعتبرته إعلاناً مناسباً للتشويش على السياسة النقدية، وأضاف البيان أن مروجي خبر المؤتمر الصحفي المزعوم نسوا أن المواصفات التي يدعونها هي المواصفات التي توجد على فئة الألفين، وأن المصرف المركزي قد اعتمد منذ سنتين سياسة الابتعاد عن الأخبار أو التصريحات غير المفيدة، ويركز في مختلف المؤتمرات أو اللقاءات الصحفية على ما يتم إنجازه ضمن خطة تم الإعلان عنها منذ سنتين، وتسير بشكل جيد، وتأكد للجميع أن ما تم التخطيط له يتم تنفيذه بالشكل السليم وفي التوقيت المناسب.

انتهازيون

لا ننكر أن تفاقم الأوضاع الأمنية ساهم بتغيير ثقة المواطن بالوضع الاقتصادي بشكل عام وبالليرة بشكل خاص، وسارع الكثيرون في وقت من الأوقات إلى استبدال الدولار والذهب والعقار بمدخراتهم خشية انحدار سعر الصرف إلى أدنى درجاته، غير أن الذي حصل أنهم كانوا ضحايا لتجار الأزمات من المضاربين بسوق العملات، ويعتبر المراقبون أن هذا الأمر لم يكن مستغرباً، نظراً لأن هذه الفئة من التجار هي بالأساس انتهازية ولا يخفى وجودها في مفاصل اقتصادنا الوطني..!

وقائية وليست علاجية

وسبق للمصرف المركزي أن أعلن في وقت سابق أنه وفي ظل نقص وتشوه المعطيات وضرورة معالجة الاختلالات الهيكلية الاقتصادية المتراكمة عبر العقود الماضية، فإن مساعيه تنصب على تحقيق الأهداف الوسيطة المتعلقة بالدرجة الأولى بتحسين إدارة النقود المتداولة من خلال تطوير إدارة سيولة المصارف بشكل أكثر فاعلية، وتحسين ضوابط عمليات التمويل وتطبيق معايير أوضح في التسليف لخفض مخاطر الائتمان وتشجيع العمليات الإنتاجية، وجعل السياسة الائتمانية وقائية وليس علاجية، إضافة إلى ضبط عمليات الاستيراد والتصدير وأتمتتها وضبط أكبر لعمليات تخصيص القطع الأجنبي بما يضمن رقابة أكثر فعالية على موارد واستخدامات القطع الأجنبي، إلى جانب تطوير أدوات الدفع عبر تسريع تطوير منظومة RTGS والتقاص الإلكتروني لتقليص تداول الأوراق النقدية، وخفض عوامل التلاعب بسعر الصرف والقيام بالمضاربات، مع استكمال بناء نظم التشغيل اللازمة لتطوير عمل مصرف سورية المركزي وقدرته على الإشراف، وإعادة تفعيل وتنمية ما أمكن من أدوات السياسة النقدية المباشرة (الفائدة وسقوف الائتمان وتوجيهه)، وغير المباشرة (الاحتياطي الإلزامي والسوق المفتوحة)، وإيجاد أفضل السبل القانونية والمصرفية الملائمة لمواجهة العقوبات الظالمة التي يدفع ثمنها الشعب السوري بمختلف شرائحه.

نخلص إلى نتيجة مفادها أن الاقتصاد السوري  يمر بأزمة وفقاً لكثير من المراقبين الذين يعتبرون أن بعضها وهمي كما هو حاصل في سعر الصرف، وبعضها الآخر حقيقي والمتمثل بخروج عدد من المنشآت الاقتصادية عن الإنتاج نتيجة الأوضاع الراهنة؛ ما تسبب بانخفاض العرض مقابل الطلب، وهذا الأمر مقبول وطبيعي جداً في مثل هذه الظروف، بدليل أنه خلال الأزمة الليبية انخفضت عملتها الوطنية بمقدار 200%، ووصل التضخم في العراق إلى 3000% أثناء تتدهور الأوضاع السياسية والأمنية، مشدداً على ضرورة عدم تعليق المسالك الاقتصادية على شماعة الأزمة.

حسن النابلسي

hasanla@yahoo.com