رأي

ترامب.. تاجر الدم

من الذي يتعيّن أخذه على محمل الجد: ترامب المهرّج الذي يلهو بالخراب، أم ترامب الأحمق والخطير الذي يرقص على حافة الحرب؟. كلاهما يتناوبان في الرجل الذي يقود قوة عظمى نووية قادت العالم بدورها، منفردة ومتفرّدة، لأكثر من ربع قرن، ولكنها تحتضر اليوم، وتتخبّط في احتضارها المخيف والمدمّر والرهيب.

إلى أي قعر وصل عالمنا الراهن حين يخترع بعضهم الأكاذيب لكي يخلق مبرراً يقود للموت؟ وهل وصلنا إلى وضع باتت الجيوش فيه أداة سهلة وسريعة للارتزاق والتربّح والكسب؟ وهل انتقلنا حقيقة من الاتجار بالسلاح إلى الاتجار بـ “فعل الحرب” وسفك الدماء؟ ومن هم الضحايا الفعليون لمثل هكذا سياسة: شعوب العالم أم بعض “شعوب” الولايات المتحدة الأمريكية قبل غيرها؟. إن آلاف الأسئلة تنفتح حيال ما بات عالماً من اللامتوقع واللامنتظر واللامألوف.. عالم من الوضاعة والخراب الأخلاقيين، عالم من العدالة المقلوبة والتوحش الامبريالي حيث ترزح الضحية تحت الملاحقة والاتهام ويتحدّث المجرم بلسان الحق، وحيث تنأى السياسة الدولية عن تمثيل المصالح الوطنية لتصبح نوعاً من المتاجرة الشخصية والعائلية على حساب البائسين والضعفاء الذين قد تعوزهم القدرة على المقاومة والخلاص والتغيير، أفراداً وأوطاناً وشعوباً!.

ما الذي يفعله صبي شوارع مثل ترامب غير أنه يتلاعب بأعصاب البعض قبل أن يخلد إلى النوم في مجارير السياسات الداخلية في واشنطن حيث تلتهم جماعات الضغط والمال والنفوذ بعضها البعض؟ وما الذي يمكن أن تجنيه سياسة قومية أمريكية تدار بهذا القدر من الإسفاف والعبثية والانحطاط في التفكير؟ ولمَ كل هذا التقلّب والإثارة إن لم يكن تحت وطأة الحاجة المرضية إلى خداع الذات والاستمرار في حالة الإنكار واختلاق حقائق بديلة يمكن لها التعمية على واقع الإفلاس والعجز السياسي والاستراتيجي؟ ولكن ما الذي يستطيعه ترامب في النهاية – وما الذي يستطيعه الفرنسيون والبريطانيون – غير توجيه بضعة ضربات ستصنّف رمزية وخلبية وفاشلة، في المحصلة الأخيرة، طالما أنها لن تستطيع انتزاع النصر الذي حققه الجيش السوري، ومعه الحلفاء، على مرأى ومسمع كل خائبي الأمل من سَدَنة الإرهاب ووداعميه ومموليه والمتاجرين به؟ لقد فات الأوان، وليس للإدارة الأمريكية قدرة حقيقية على حرف المسار الرئيسي للحدث السوري الذي يتحوّل، هذه الأيام، إلى كرة ثلج تثير التساؤلات وتحرّك ضمائر وأقلام الكثير من الدبلوماسيين والسياسيين والإعلاميين حتى الأمريكيين. وسواء اتخذ قراره بممارسة العدوان أم لم يتخذه، وسواء أكانت الضربة المزعومة محدودة أم موسّعة، فإن خطة اليوم التالي ستتمثّل في الانسحاب الاستراتيجي الغربي المذل ليس من سورية وحدها، بل ومن الشرق الأوسط بأكمله، وعندها فقط ستتحدد قيمة وجدوى أية ضربة مفترضة، وعندها فقط ستتحدّد هوية المنتصر الحقيقي.

لن يتورّط ترامب بالتأكيد، ولن يجازف بإضاعة الفرصة الأخيرة للحفاظ على ما تبقى من “تأثير” أمريكي في الشرق الأوسط، والذي يمكن لأية مغامرة غير محسوبة أن تقضي عليه إلى الأبد. هو سيستمر في الصعود والهبوط بهذه الأرجوحة التي ستضمن له الغرف المتواصل من خزائن الخليج، التي يعتبر أن له حقاً فيها، وهو مصمم على مسلسل الابتزاز طالما أن قواعد البازار الجديدة المُعتمدة أَدرَجت حتى إطلاق التهديد، أو التلويح باستخدام القوة، ولو عبر تغريدة تويتر، على لوائح الأسعار السلمانية والابن سلمانية. إن القضية، بكل أسف، وبمنتهى البساطة، لا تتجاوز هذه الحدود الصادمة والمرعبة في ابتذالها وسخفها، وذلك هو فعلاً نوع الحروب التي يخوضها التجّار ورجال الأعمال والسياسيون الطارئون، وليس الأبطال والجنرالات، في عصرنا الغارق في الانحطاط والبذاءة، عندما يصل عجوز إلى القصر الرئاسي قادماً من غرف المتعة، وحين لا يتعلّم غلام من دروس السياسة إلا تبذير أموال الشعب أملاً بشراء العرش.

بســـــام هاشـــــــم