ثقافةصحيفة البعث

مستقبل تطغى عليه ثقافة الثمانينيات

يقدم الكاتب والروائي والسيناريست الأمريكي، إرنست كلاين، لمحبي الواقع الافتراضي تحفة فنية خيالية، لتصوره الخاص عما قد يسفر عنه التقدم التكنولوجي في المجال الافتراضي، وما ستصبح عليه الحياة البشرية. ورغم كلّ التطور الذي يدخلنا به الكاتب إلى أن مقولة “التاريخ يعيد نفسه” تغلب على بيئة العمل. وبالطبع تَقَصّد الكاتب إحياء الثمانينيات لأن الأجواء التي سادت بداية الثورة الرقمية تلك الفترة مشابهة كثيراً لأجواء ثورة العالم الافتراضي في القصّة.

“جاهز أيها اللاعب الأوّل/Ready Player One” كتاب يقع في 374 صفحة، وهو مليء بالإشارات إلى ألعاب الفيديو والواقع الافتراضي والجنون الثقافي لثمانينيات القرن الماضي بأبطاله المهووسين وأحداثه الجذابة. وهي الرواية الأولى له، نشرت عام 2010 وتندرج ضمن أدب الخيال العلمي ‏والتوقع المستقبلي، حصلت على جائزة “أليكس” من رابطة المكتبات الأمريكية كما فازت بجائزة بروميثيوس في العام نفسه، وتمت ترجمتها لأكثر من 33 لغة من بينها العربية، وتربعت على ‏عرش أفضل الكتب مبيعاً.

مع غلاف ولوحات تشبه لعبة “باك مان”، استطاع السيد كلاين دمج ألعاب الفيديو مع تصوره الخاص للعبة الفيديو المفضلة له في سرد مثالي. اختار عام 2044 لأحداث كتابه، مع بيئة قريبة لأجواء الثمانينيات، يتوفى المخترع الملياردير جيمس هاليداي تاركاً وراءه إرثاً مؤذياً. وأوّل من يتمكن من حلّ سلسلة الألغاز والأحجيات التي وضعها هاليداي، سيرث ثروته.

صمم هاليداي “الواحة” وهي لعبة فيديو متعددة اللاعبين على الإنترنت تتطور تدريجياً لتصبح واقعاً افتراضياً عالمياً، تستخدمه معظم البشرية وبشكل يومي. وما جعل “الواحة” جذابة للغاية، قساوة الواقع المعاش على الأرض الفقيرة المستنفذة الموارد. لذا فإن شخصيات الكتاب تقضي معظم وقتها كشخصيات افتراضية مسحورة بلعب دورها على الإنترنت. يعيشون في أماكن مغلقة ولا يعرفون بعضهم البعض جسدياً. فقد تكون الشخصية الافتراضية جذابة وقوية وفي الواقع رجلاً سميناً وفي منتصف العمر.

الراوي في الكتاب طفل في المدرسة يدعى ويد واتس تيمناً باسم أحد الأبطال الخارقين، ولكن حياة ويد تخلو تماماً من الإثارة الحقيقية، يعيش في منزل ضمن كتل متنقلة مكدسة فوق بعضها، يهرب إلى سيارة مهجورة لتَبَني شخصيته على الإنترنت، ويذهب إلى المدرسة حتى لا تؤخذ منه لعبة الفيديو وأداة دخول الواقع الافتراضي.

كرّس ويد ذاته بكل تفان يمكن تخيله لدراسة الألغاز التي تكتنف هذا العالم الرقمي، ألغاز ‏استلهمت من خيال مصممها وهوسه بحقبة الثمانينيات وثقافة البوب، ألغاز يؤدى حلها ‏للحصول على الثروة الكبرى والسلطة المطلقة.‏

يجد ويد نفسه محاطاً بلاعبين آخرين يملكون الاستعداد والوسائل اللازمة لقتل من ‏يعترض طريقهم وعندما يجد الدليل الأول الذي سيقوده إلى الحل يبدأ صراع البقاء وهنا لا بد من الربح ومواجهة ‏العالم الحقيقي الذي أراد التخلص منه ولا سبيل للفوز إلّا بالهروب ‏إلى الأمام.‏

هي قصّة كل إنسان يهرب من الواقع ‏القبيح والمؤلم لواقع الأحلام دون أن يعي أن لهذا الواقع الافتراضي كل التأثير ‏على حياته اليومية التي يعيشها حقيقةً.‏ ويستمدّ الكتاب عنوانه عاطفياً من العبارة التي تشير إلى بداية الألعاب من تلك الحقبة (الثمانينيات).

اشتهر كلاين بروايتيه “جاهز أيها اللاعب الأول” و”أرمادا” وباع حقوق نشر الرواية الأولى في حزيران 2012 إلى استوديوهات وارنر بروس، وحقوق الثانية في كانون الأول 2015 إلى استوديوهات يونيفرسال بيكتشرز.

ومنتصف الشهر الماضي، طرح فيلم “جاهز أيها اللاعب الأول” في الصالات العالمية، وحقق إلى الآن أكثر من 393 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، ما يجعله رابع أعلى الأفلام ربحاً في العام الحالي، وبشكل عام تلقى آراء إيجابية، حيث أشاد النقاد بمرئياته وتطوره السريع، ووصفه البعض بأنه إضافة رائعة لكتاب مميز، والنقد الواضح الذي تناوله الجميع هو النقص الملحوظ في تطور الشخصيات وفي ثقافة البوب.

سامر الخيّر