ثقافةصحيفة البعث

“رجـــل ضـــد النـــار”.. تجسيد العنف في السينما

 

 

في السينما الأمريكية, لن يتوقف العنف، إنه يبرّر انتشارها فائق التصور في العالم، فهو غالباً ما يخاطب الغرائز ويستفزها مثلما يستفز ذلك الزهو الممتلئ غباء. يتذكر المرء ذلك عندما يلاحظ تلك الانتقالة المذهلة بين قصتين في الشريط السينمائي “رجل ضد النار” الذي يحمل توقيع المخرج طوني سكوت صاحب رومانسية حقيقية وسواها ويؤدي دور الشخصية الرئيسية فيه الممثل دانزل واشنطن الذي حاز جائزة الأوسكار عن دوره في “يوم التدريب” حيث يكاد يكون الممثل الحقيقي الوحيد في الشريط إلى جوار الطفلة داكوتا فانيننغ التي لم تبلغ العشرة أعوام بعد، والقادرة على إثارة توتر المشاهد عبر طريقتها في الأداء التي تربط التمثيل بوصفه فعلاً أدائيا بالملفوظ والتي تنطق على نحو مثير للإدهاش.
غير أن ما تبقى من ممثلين لم يكونوا سوى عناصر موجودة في خلفية المشهد, ربما بهدف إبراز الشخصية الرئيسية فيه التي يؤدي دورها انطوني واشنطن الذي معه يشعر المرء أن هذا الممثل قد درس على نحو ما أكثر من طريقة أداء كممثل أمريكي شهير من طراز توم كروز وسواه من أجيال سابقة، إلى حد أنه ممثل قارئ لهذه التجارب وقادر على الخروج بحصيلة منها ليس بالإمكان بعد ذلك الإشارة إلى تأثره بأداء أحد منهم وتحديداً فيما يتعلق بما يسمى عادة “برودة دم” التي ترافق فعل القتل.
في الجزء الأول منه يتناول الشريط حكاية الرجل الذي يدعى جون كرايزي الذي كان عميلا سرياً سابقاً في الحكومة الأمريكية وقد اعتاد تكليفه بمهام قتل كان يؤديها باقتدار ونجاح، سعياً إلى إرضاء رؤسائه إلى حد أن الدائرة المغلقة لحياته باتت نزهة قاسية في ممارسة القتل لكن بدم بارد.
هو الآن بعيداً عن الضوء ما يدفعه إلى قبول عرض بحراسة شخصية ابنة أحد أثرياء مدينة مكسيكو التي يؤديها المغني الشهير مارك انطوني على نحو لا تميز فيه. مكسيكو باتت مدينة مرعبة للأزياء التي تنشط فيها عصابات خطف الأطفال طمعاً في الفدية أو الإتاوة. وهنا فإن الانتقال من دائرة دم سابقة إلى أخرى لاحقة يتوسطهما دائرة من استعادة الماضي الذي دائماً تستفزه تلك الطفلة في قلب القاتل المأجور لحكومة بلاده.
تلك الممثلة الصغيرة داكوتا فايننغ, ابنة الثري المكسيكي, تقنع المشاهد بما تفعله من استفزاز ذلك الماضي الأسود لدى حارسها الشخصي إلى حد استعادته إنسانيته البائدة والتحول إلى رجل حنون إذ تحتضنه طفلة أو تسأله سؤالاً ما كيفما اتفق فإنها تجعله يرتبك ويعود ما عذبه من ماض أسود. وإلى هنا فإن “رجل ضد النار” قصة ذات شفافية إنسانية راقية وممتعة إلى حد الرومانسية في بعض مقاطعها غير أن اختطاف الطفلة التي يحرسها “جون كرايزي” تخرج به من دائرة السرقة والإحساس بآلام الآخرين إلى دائرة العنف ثانية، وذلك إلى درجة أن مزاج الإخراج يختلف هنا, فبعدما كان الإيقاع السردي السينمائي معقولاً وتحتمله العين والمتابعة فإنه يتحول إلى إيقاع شديد السرعة, بل إنه يذكر بما يطلق عليه “بلاي ستشين” تلك الألعاب الالكترونية التي لا مجال فيها إلا لبطل خارق قادر على القتل مثلما أنه قادر على النجاة على نحو يثير الغرابة, فالطلقة دائماً تخطئه وطلقته لا تعرف سوى الصواب.
ومع ذلك يظل انطوني واشنطن ممثلاً لافتاً في أدائه فقد رفع هذا الأداء من سوية الشريط فضلاً عن داكوتا فايننغ التي بات أداؤها يثير الفضول الأمريكي العادي إلى ملاحقتها في أعمال عديدة كان آخرها: “رجل ضد النار”.
إبراهيم أحمد