تحقيقاتصحيفة البعث

مع قلة الموارد المائية شقا تعاني من نقص المياه.. وزيادة عدد الآبار وترميم الشبكة في مقدمة الحلول

ثقافة ترشيد استهلاك المياه، بدأت تأخذ أشكالاً وفنوناً  متعددة في عمليات التدوير، فرضها النقص الذي يمكن وصفه بالشديد في بعض الأوقات والأماكن.

السكان في بلدة شقا على سبيل طرح مشكلة نقص المياه عندهم يقومون بتدوير المياه مرات عدة حفاظاً على كل قطرة منها، وقد يكون مصطلح تدوير المياه دخيلاً على ثقافة ترشيد الاستهلاك والذي يتعدى الاقتصاد في الاستهلاك إلى استخدام نفس المياه عدة استخدمات ومرات.

البعث، وخلال زيارتها لبلدة شقا، لمست وجود بروز لحالة الترشيد والتقنين والتدوير في ظل النقص الشديد الذي تعاني منه البلدة في الوارد المائي.

فإذا كانت الأسر في تلك البلدة، قامت بدورها الترشيدي والتدويري على أكمل وجه، طبعاً لا نعمم هنا على كل الأسر، ولا نتبنى كل ما طرحه الأهالي، ولكننا نسأل.. ما هي الإجراءات التي اتخذتها، أو على مؤسسة المياه اتخاذها بعيداً عن الوعود، وترحيل المسؤوليات، وتعليقها على شماعة الأزمة.

الوارد قليل

وحول الوارد المائي المتوفر حالياً في البلدة بيّن عصام أبو يحيى، رئيس المجلس المحلي، أنه يوجد في البلدة بئران لمؤسسة المياه يعملان على المولدات لمدة 12 ساعة يومياً، وهناك بئر ثالث تابع للموارد المائية مستثمر من قبل المؤسسة أيضاً لأغراض الشرب، ولكن غزارته لا تتجاوز 12م3/سا، وبئر آخر للموارد يتم استجرار المياه منه عبر الصهاريج بقيمة 660 ليرة سورية للصهريج الواحد ولمدة أربعة أيام أسبوعياً، ويومان يتم فيها تغذية المزروعات والدواجن والمواشي بقيمة 240 ليرة للصهريج الواحد، وهناك بئر خامس للزراعة تابع لمشروع الحزام الأخضر، وهو معطل منذ سنوات عدة، وكان سابقاً مربوطاً بشبكة المياه.

وبالنتيجة إذا خمسة آبار مسجلة على قيود البلدة من المفترض أن تسد كامل حاجتها، سواء لأغراض الشرب أو الزراعة، ولكن أكثر من 11 ألف مواطن يقطنون حالياً في البلدة يعانون من نقص المياه، لو كان ذلك بنسب متفاوتة، وذلك حسب الحي الذي يقطنون فيه، وسبب ذلك، حسب رئيس المجلس، شبكة المياه الداخلية والتي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي،  والحلول التي اقترحها رئيس المجلس، تتلخص في حفر بئر للمياه، أو إصلاح بئر الزراعة لما يتمتع به من غزارة مرتفعة تعادل ثلاثة آبار من تلك التي تغذي البلدة حالياً، ولا بد أيضاً،  حسب أبو يحيى،  من وضع خطة سنوية لإعادة ترميم الشبكة لضمان التوزيع العادل بين السكان.

استغلال الخلل

المفارقة الكبيرة الموجودة في البلدة هي وجود نحو 150 مشتركاً، وهم القاطنون حول الخط الرئيسي المغذي للبلدة، لا تنقطع المياه عنهم أبداً، فتجد خزاناتهم ممتلئة دوماً، وقد يقوم البعض منهم ببيع المياه أيضاً كنوع من الاستغلال لحالة الخلل الموجود في الشبكة، والذي يعطي قيمة مضافة لسوء التخطيط والتقصير في التعامل مع الإمكانيات المتوفرة.

وبحسب عماد صمادي، مدير وحدة المياه في شقا، أن البلدة موزعة على 50 خطاً يتغذى نحو 50 مشتركاً على كل خط،  وتتم تغذية أربعة خطوط بالمياه يومياً، مشيراً إلى أن عدد المشتركين في البلدة يصل لنحو 1650 مشتركاً، طبعاً هناك أسر عدة تتغذى من اشتراك واحد وكمية المياه التي يتم توزيعها لا تتجاوز 400 م3/يومياً كحد أقصى، وبيّن صمادي أن استبدال 1100 متر في المنطقة الغربية، وإعادة تصميم عملية التوزيع في تلك المنطقة، حققت نتائج إيجابية  لجهة عدالة التوزيع بين المشتركين فيها.

معنويات مرتفعة

خزاناتنا فارغة، ومعنوياتنا مرتفعة.. بهذه العبارة اختصر الشيخ فراس زهر الدين واقع سكان البلدة، وقال: هذه الأزمة أظهرت الكثير من العيوب المطمورة، وأبرزت انعدام الثقة بين الإدارات والمواطن الذي ملّ من كثرة الوعود والخطابات، مشيراً إلى أهمية وجود دراسة فنية لشبكة المياه، ورفد الشبكة بكادر فني، متسائلاً كيف لبئر يكلف ملايين الليرات يشرف عليه عامل مؤقت لمدة ثلاثة أشهر، ليس لديه أية خبرة فنية.

تساؤل زهر الدين، يسلّط الضوء على سوء إدارة الوارد المائي المتوفر، ودليل ذلك أنه رغم انتظام التيار الكهربائي في الفترة الأخيرة، وعدم انقطاعه إلا لفترات محدودة جداً، إلا أن المؤسسة مصرة على استخدام المولدات والديزل في عملية التشغيل تحت عنوان “حماية الغاطسات من الأعطال”، وكأن الكهرباء التي تصل إلى آبار المياه التابعة لمؤسسة المياه مختلفة عن تلك التي تصل إلى بئر الموارد المائية في المنطقة نفسها، أو الآبار الموجودة في مناطق مجاورة، وهذا ما نفاه بشكل قاطع مدير شركة الكهرباء المهندس نضال نوفل الذي بيّن أن واقع الكهرباء في هذه الفترة مقبول، ولا توجد أية مشكلة في ربط الآبار عليها.

الأرقام تتحدث

وقد تكون لغة الأرقام هي الأهم هنا في رصد الواقع المائي في البلدة، وكما ورد سابقاً فإن عدد السكان في البلدة يزيد عن 11 ألف مواطن، يتم توزيع 400 متر مكعب يومياً، وبالتالي يكون نصيب الأسرة من المياه شهرياً نحو 2 متر مكعب، وإذا كان عدد أفراد الأسرة وسطياً 5 أشخاص، فإن نصيب الفرد من المياه الشرب لا يتجاوز 13 لتراً يومياً، وهو أقل بكثير في بعض الحالات في ظل عدم وجود عدالة في عملية التوزيع، علماً أن نصيب الفرد في الأزمات والطوارئ من المياه يجب أن يكون نحو 50 لتراً يومياً.

وبالحديث عن الأرقام أيضاً فإنه يتم استجرار 75 نقلة مياه من بئر الموارد يومياً يتم توزيعها بقيمة 3500 ليرة سورية، وبالتالي تدفع البلدة شهرياً نحو 4 ملايين ليرة ثمن مياه، وتدفع مؤسسة المياه ثمن ديزل لتشغيل المولدات، أي أنه يتم إنفاق 8 ملايين ليرة سورية شهرياً لمياه الشرب كاستهلاك إضافي، وهو مبلغ كفيل بإصلاح بئر الزراعة، ووضعه بالخدمة كما يقول الأهالي هناك.

خزانات فارغة

البعث زارت أحياء البلدة، واطلعت من الأهالي على واقع المياه، وجميع الآراء تصب في الدائرة ذاتها، وهي عدم توفر وارد مائي كافٍ، وسوء الشبكة، وعدم عدالة التوزيع.

يقول ضامن القلعاني: إنه يحصل على خمسة براميل من المياه كل 15 يوماً، علماً أن عدد أفراد أسرته 6 أشخاص، مشيراً أن هناك الكثير من المتطلبات مفروضة على أفراد الأسرة، وهي أسرة تعمل بالزراعة، ويوافقه الرأي المحامي كرم السيد الذي قال: إنه يقع في نهاية الخط، ويصله شهرياً نحو 2 متر مكعب من المياه بمعدل متر مكعب كل نصف شهر تقريباً،  وقائمة الأسماء والأسر التي تمت زيارتها كثيرة، وجميعها يشترك في الرأي نفسه، وتدل على ذلك الخزانات الفارغة التي تمت ملاحظتها، ولا تحوي سوى بضعة لترات من المياه، وفي المقلب الآخر هناك خزانات ممتلئة في بعض الحارات.

ضريبة مضاعفة

الأعمال الزراعية، وما تحتاجه من مياه، ليست من مهمة مؤسسة المياه تأمينها، ولكن في الريف فصل الحالتين قد يكون صعباً.. يقول رئيس الجمعية الفلاحية نجيب صلاح: بلدة شقا بلدة زراعية يعتمد أهلها على تربية المواشي والزراعات الحقلية، وإضافة إلى زراعة الزيتون، والنقطة الأهم التي أشار إليها صلاح أن المواطن يدفع ثمن المياه ثلاث مرات، الأولى كاشتراك لمؤسسة المياه، والثانية ثمن شراء صهاريج مياه، والثالثة أجور معالجة الصرف الصحي بمبلغ يصل إلى نحو 13 ألف ليرة شهرياً، وهو رقم كبير جداً على المواطن ذي الدخل المحدود الذي يعيش على حافة الفقر في تلك الأرياف، فانحصرت مصادر الدخل، وقلت الموارد التي يمكن الاعتماد عليها.

حلول حاضرة

قد تكون الحلول حاضرة نظرياً في أذهان الجميع، فزيادة بئر واحد بكلفة نحو 80 مليون ليرة، تشكّل الحل، إلا أنه فنياً لا يمكن ذلك، حسب مؤسسة المياه، لأن التوسع في حفر الآبار في المنطقة نفسها يؤثر على غزارة الآبار الأخرى، أما الحل الآخر، وهو إصلاح بئر الزراعة، فيصطدم مع معوقات الإصلاح والتمويل الذي تعاني منه مديرية الزراعة، واستبدال الشبكة يحتاج إلى خطط لسنوات عدة بسبب عدم توفر الإمكانيات، ويبقى الحل الأنسب هو إدارة المتوفر حالياً بالشكل الأمثل، خاصة في مجال تحقيق عدالة التوزيع، وزيادة ساعات عمل المولدات في حال عدم إمكانية الربط بشبكة الكهرباء، وإعفاء المواطن من أجور نقل المياه.. حلول علها تكون إسعافية ريثما يتم وضع خطط استراتيجية، عمل أكثر انسجاماً مع احتياجات الواقع والمواطن في الآن ذاته.

رفعت الديك