دراساتصحيفة البعث

مهاجمــة ســورية كانــت خطــأ فادحــاً

 

ترجمة البعث
عن صحيفة شيكاغو تريبيون 14/4/2018
عندما يتعلّق الأمر بالشؤون الخارجية وخاصة في موضوع إدارة العالم، فإن لدى الشعب الأمريكي ميولاً واضحة وقوية للسيطرة على ما يحدث خارج حدود بلاده، ولاسيما عندما يتعلّق الأمر بالصراعات التي تحظى باهتمامه المتقلّب، ولكن بأقل قدر ممكن من التضحية، فالأمريكيون لا يريدون أن يخسروا أنفسهم.
يشارك دونالد ترامب تلك التفضيلات، لكنه يجدها تصطدم مع بعضها البعض في سورية التي يوجد فيها 2000 جندي من الولايات المتحدة، وهو الذي وعد قائلاً في إحدى تغريداته: “رجالنا ونساؤنا سيخرجون من سورية قريباً جداً.. دع الآخرين يمتلكون زمام المبادرة”. لكن في غضون أيام، ووسط عاصفة من الغضب العالمي على تحرير الغوطة الشرقية، كان ترامب فجأة يغيّر رأيه بشأن المشاركة العسكرية ضد سورية، متعهداً بالاستجابة “بقوة”. وفعلاً مساء يوم الجمعة 13/4/2018، بدأت الولايات المتحدة حملة جوية بالتنسيق مع بريطانيا وفرنسا.
في الواقع يتردد الرئيس، مثل الكثير من الجمهور، بين الرغبة في الحدّ من المشاركة في حروب طويلة ومكلفة، والاعتقاد بأنه يجب الحصول دائماً على طريق له في العالم، ومثله الأعلى هو “تدخل سريع، سهل، ناجح ومنخفض”، لأن الشيء الذي لا يمكن نسيانه أن جورج دبليو بوش وإدارته غزوا العراق وأطاحوا بـ صدام حسين على وعد بأن يكون العراق موطناً لعيد الشكر. “لا أستطيع أن أقول لكم إن كان استخدام القوة في العراق سيستمر خمسة أيام أو خمسة أسابيع أو خمسة أشهر، لكنه لن يدوم أكثر من ذلك”، هذا ما أكده وزير الدفاع دونالد رامسفيلد للأميركيين مسبقاً، ولكن في الحقيقة أنه استمر لفترة أطول من ذلك.
كان لدى باراك أوباما طموح مماثل في ليبيا، باستخدام الضربات الجوية لإطاحة معمر القذافي، لقد حقّقوا الهدف ولكن كان لهم نتيجة غير مرغوبة بتحويل ليبيا إلى مرجل العنف المليء بالإرهاب، حتى أوباما نفسه قال إن العملية في ليبيا كانت
“أسوأ خطأ”.
“عندما تصبح كبيراً، مثلما فعل بوش، فأنت تتعرّض لخطر كبير بأنك تعثرت لسنوات في حرب وحشية ولكنها غير حاسمة، وعندما تذهب صغيراً، كما فعل أوباما، فأنت تقف أمام فرصة لتحقيق القليل أو جعل الأمور أسوأ”.
لقد بدأ ترامب بالفعل هذه التجربة ولم يتعلّم منها شيئاً. في عام 2013 عندما كان أوباما يُحثّ على التدخل في سورية، قال: “سأبتعد عن سورية”، وبعد وقت قصير من تسلّم ترامب السلطة، صرح بأنه سيتدخل في سورية، وأيضاً تراجع في أكثر من مكان، لكن الضربة الجوية على سورية كانت في إطار صفقة تجارية مع المملكة السعودية، وفي أسوأ الأحوال تعبيراً عن القوة الأمريكية، وهنا يكمن المأزق الأمريكي.
ويبدو أن وزير الدفاع جيمس ماتيس وحده يدرك عمق هذا المأزق. “على المستوى الاستراتيجي، كيف نتجنّب التصعيد إذا خرج الوضع عن السيطرة، وإذا كان التصعيد خارج نطاق السيطرة قد يكون خارج أيدينا “، هذا ما قاله ماتيس للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب قبل يوم من العدوان الثلاثي.
من السيئ بدرجة كافية أن تدخل الولايات المتحدة معركة لا تملك فيها الوسائل ولا الرغبة في تحقيق النصر، وأنه لأمر أسوأ بكثير أن نخاطر بحرب ساخنة مع خصمنا الروسي الذي يمتلك ترسانة نووية قد تصل إلى الأراضي الأمريكية في ساعة. باختصار شديد، بعد الضربة الفاشلة لاشك أن مشاريعنا الأخيرة في نزاعات الشرق الأوسط قد زوّدت الأمريكيين بالندم على مدى الحياة، وسورية قادرة تماماً على توفير المزيد.