الصفحة الاولىصحيفة البعث

أردوغان يعبّد طريق الاستبداد بانتخابات عامة مبكرة لا مبرّر لها

في خطوة تبدو مدروسة، وفي توقيت يمنح حزبه غالبية مطلقة، بعد حملة قاسية أفضت إلى إزاحة كبار خصومه السياسيين، من خلال الملاحقات القضائية والمحاكمات والاعتقالات بذرائع مختلقة تتعلّق بالتورط في الإرهاب أو الدعاية لمنظمات إرهابية، أعلن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، أمس، تنظيم انتخابات مبكرة رئاسية وتشريعية في تركيا في 24 حزيران المقبل، أي قبل عام ونصف عام من الموعد المقرّر.

واستغل الطاغية أردوغان محاولة الانقلاب الفاشل في تموز 2016 ليشن أوسع وأكبر حملة تطهير على الإطلاق، أفضت في النهاية إلى إقصاء خصومه، وترهيب المناوئين لسياسته، من سياسيين وأكاديميين وحقوقيين وإعلاميين، إذ شملت اعتقال 55 ألف شخص وإقالة 150 ألفاً آخرين من وظائفهم.

وبهذا الإعلان يكون “السلطان” قد مهّد بالفعل لسطوة أكبر على السلطة، كونه وكون حزبه الأوفر حظوظاً في هذه المرحلة، التي يغيب فيها زعماء معارضون بارزون مثل حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش القابع في السجن بتهم تتعلق بالإرهاب، وهو من أشد خصوم حزب العدالة والتنمية، وأيضاً معارضون آخرون، بينهم العشرات من النواب المعارضين.

وبالنسبة لحزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الأساسي الذي يقوده كمال كليتشدار أوغلو، فقد حرص أردوغان على شيطنته، وتبدو حظوظ فوزه، بعد أوسع مرحلة قمع شنت ضده، أقل مما كانت عليه في الانتخابات السابقة.

ومن المتوقّع أيضاً أن تعمد حكومة حزب العدالة والتنمية الإخواني الحاكم إلى إضعاف حزب المعارضة الرئيسي بكل الوسائل بما فيها القمع والتشويه.

وقال أردوغان: “إن اللجنة الانتخابية العليا ستبدأ فوراً الإعداد لهذه الانتخابات”، مشيراً إلى ضرورة اتخاذ “قرارات مهمة سريعاً” حول الاقتصاد، وذلك لتبرير تسريع جدول الانتخابات.

ويأتي إعلان الانتخابات المبكرة في الوقت الذي يواجه النظام التركي وضعاً اقليمياً وداخلياً صعباً.

وكان من المقرر في البداية أن تنظم الانتخابات الرئاسية والتشريعية معاً في الثالث من تشرين الثاني 2019، على أن يسبقها اقتراع للبلديات في آذار من العام نفسه، وتعتبر هذه الانتخابات حاسمة في تاريخ تركيا، لأنه من المقرّر بعدها البدء بمنح أردوغان المزيد من السلطات، بحسب تعديل يتيح لـ “السلطان” (64 عاماً) الترشّح لولايتين رئاسيتين أخريين من خمس سنوات.

وأروغان في السلطة منذ العام 2003، أولاً كرئيس للحكومة ثم كرئيس للبلاد.

ولا يوجد في الوقت الراهن ما يستدعي إجراء انتخابات مبكرة، لكن يبدو أردوغان مستعجلاً على تنفيذ برنامجه القائم على تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، بما يمنحه صلاحيات واسعة وبما يطلق يديه في جميع المجالات.

ويخوض أردوغان على المستوى الداخلي معارك على أكثر من جبهة سياسية واقتصادية لترسيخ نفوذه، ومن ضمن هذه المعارك محاولة “أسلمة” مؤسسات الدولة وتطويع السياسة النقدية وفق رؤية ايديولوجية، ولا يمكن لأردوغان المضي بأريحية في برنامجه ما لم يباشر بالفعل رئاسة جديدة بصلاحيات واسعة.

وفي كل الحالات فإن استعجال أردوغان لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة يعبّد الطريق لمرحلة استبداد أشد مما هو عليه الحال الآن في تركيا.

ووصف مسؤولون أوروبيون ومعارضون أتراك مراراً أردوغان بأنه دكتاتور، وأنه ابتعد بتركيا عن دولة القانون، بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وللحريات، وبتدخلاته في استقلالية البنك المركزي، وتكرار سياساته الحمقاء خارجياً، وعدواناته على الأراضي السورية والعراقية.

وفي هذا السياق، دعا حزب الشعب الجمهوري، وهو أكبر الأحزاب المعارضة التركية، إلى رفع حالة الطوارئ فوراً، وقال المتحدّث باسم الحزب بولنت تيزجان: ” لا يمكن أن تكون هناك انتخابات في ظل حالة الطوارئ. البلاد بحاجة إلى إلغاء سريان حالة الطوارئ اعتباراً من اليوم”.

وفرضت حالة الطوارئ منذ محاولة انقلاب تموز 2016، ما أتاح للسلطات قمع وخنق الحريات وتقويض الديمقراطية، ومدّدها النظام التركي سبع مرّات.

وكالات