ثقافةصحيفة البعث

دار الكتب الوطنية في حلب.. معلم بارز من معالم المدينة

كما تُعرَف حلب بقلعتها الشهيرة ومتحفها وساعتها تُعرَف أيضاً بدار الكتب الوطنية التي تشكل مَعلماً بارزاً من معالم الشهباء، ولها في وجدان الحلبيين حيز كبير من الذكريات بما تتضمنه مكتبتها من ثروة هائلة من الكتب.

تسلم إدارة دار الكتب الوطنية خلال فترة الحرب الظالمة على سورية وأدارها في أقصى الظروف صعوبة، وهي التي كانت عبارة عن قصر جميل يرتاده محبو الثقافة والفكر، ويبين مديرها الأستاذ محمد حجازي أن المنطقة التي تقع فيها الدار كانت منطقة اشتباك ومع ذلك لم يتخلَّ موظفوها عنها باذلين أقصى الجهود مع القيادة السياسية والإدارية والعاملين فيها للمحافظة على محتوياتها، ولا سيما مخزن الكتب فيها الذي يحوي على نحو 100 ألف كتاب، هذه الكتب التي تُعد ثروة حقيقية.. من هنا وبتوجيهات من مدير الثقافة في حلب تم إغلاق كافة النوافذ في مخزن الكتب وتصفيح بعض المناطق الضعيفة في جدرانها بالصفائح المعدنية لحماية مخزن الكتب من قذائف الحقد، وقد حالت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الإدارة دون فقدان أي كتاب على عكس كل الإشاعات التي تحدثت عن تعرضها للحرق والتخريب، في حين أن كتباً قليلة جداً تعرضت للفقدان بعد أن تمت إعارتها خارجياً ونتيجة خروج المستعيرين من حلب أو نتيجة سفرهم خارج القطر وهي أعداد قليلة يمكن استعاضتها بسهولة.

ويشير حجازي إلى أن الدار فقدت العديد من موظفيها خلال الحرب بسبب التهجير أو السفر أو الوفاة، ولم يبق في الدار إلا نحو عشرة موظفين من أصل أربعين، وقد استطاع هؤلاء الحفاظ على الدار إلى جانب سواعد الجيش العربي السوري الذي كان منتشراً حول المكتبة، فلم يستطع الإرهابيون النيل من الدار التي كانت هدفاً لقذائفهم محاولين النيل من ثقافة هذا البلد إلا أن جهودهم باءت جميعها بالفشل.

ونوه حجازي إلى أنه في العام 1930 بدأ التفكير بمشروع إنشاء دار الكتب الوطنية، وقد تم إنشاؤها في مكان آخر تحت مسمى المجمع العلمي، وفي العام 1937 تقرر نقلها إلى المكان الحالي، وقد تأخر افتتاح الدار نتيجة الاحتلال الفرنسي الذي اتخذ من هذا المكان قاعدة عسكرية ومقراً له.. وفي العام 1945 افتتحت الدار وتناوب على إدارتها كبار أدباء حلب كالشيخ كامل الغزي والشاعر عمر أبو ريشة، وأشار حجازي إلى أن الدار تحتوي على طابقين: البهو السفلي ويحتوي على مسرح وغرفة استقبال وبعض الغرف الأخرى كالديوان، في حين يحتوي الطابق الثاني على مخزن الكتب الذي يضم 100 ألف كتاب وقاعة مطالعة للدارسين، وقاعة أخرى لطلبة الدراسات العليا والمسماة قاعة عمر أبو ريشة إلى جانب غرف الإدارة.

أمهات الكتب

وعلى الرغم من صغر المكتبة مقارنةً بالمكتبات العربية والعالمية، إلا أن الدار تُعتَبَر من أهم المكتبات لما تحتويه من أمهات الكتب الأدبية والتاريخية والفلسفية والعلمية والدراسات ومختلف أنواع العلوم، ونوه مدير الدار إلى أن الكثير من الأساتذة والجامعيين كانوا يقيمون في الدار ونالوا من خلالها  شهادات عليا بعد مطالعتهم للكتب الموجودة فيها، وما زال طلبة الجامعة على الرغم من وجود مكتبة في الجامعة يرتادون الدار لحاجتهم للكثير من الكتب الموجودة فيها.

وعن نظام الإعارة في المكتبة أوضح حجازي أن الإعارة  كانت داخلية وخارجية، أما اليوم فأُلغيت الإعارة الخارجية حرصاً على الكتب من الفقدان.

آلية حفظ الكتب

ويبيّن حجازي أنه وفي بداية تأسيس المكتبة تم اختيار مكان الحفظ بما يتناسب مع الشروط الفنية المعتمدة على صعيد الرطوبة والحرارة والتهوية، والكتب محفوظة ضمن رفوف حديدية، مع الأخذ بعين الاعتبار الاهتمام الدائم بالنظافة تجنباً لوجود القوارض التي تتسبب بتلف الكتب عادةً.

أما الموظفون فيها فيوضح حجازي أن أمين المكتبة يحمل شهادة الدراسات العليا في اللغة العربية وهو خبير بأنواع الكتب وتصنيفاتها، وآخر يملك خبرة طويلة ومعرفة كبيرة في تصنيف الكتب وترتيبها، ونوه إلى أن الدار سترمَّم قريباً بعد أن تم الانتهاء من إجراء الدراسات الهندسية، وأن الترميم تزييني ويتعلق بالأبواب والشبابيك والزجاج والأسقف المستعارة وأجهزة التكييف والتبريد.

مكتبة الكترونية

الطموحات الآن برأي حجازي العمل على تأسيس مكتبة الكترونية أسوة ببعض المكتبات العربية التي تضم كل الكتب العالمية وأرشفة كتب الدار فيها لتصبح في متناول الجميع بأيسر الطرق وأسرعها والرغبة بإحداث مكتبة للأطفال، خاصة وأن عدد هذه النوعية من الكتب في الدار قليل جداً.

تغذية مستمرة

تغذى دار الكتب بشكل دائم بالكتب الجديدة من خلال لجنة من مديرية الثقافة التي تحرص دائماً على مدِّ الدار بكافة أنواع الكتب التي تشتريها من المكتبات الخاصة والمعارض التي تقام من قبل وزارة الإعلام والهيئة العامة السورية للكتاب وقد أُدخل للدار خلال العامين الماضيين أكثر من 10 آلاف عنوان جديد، إضافة إلى ما تتلقاه من هدايا من قبل أفراد يقومون بإهداء مكتباتهم الخاصة إليها، ويذكر حجازي أن أهم من أهدى مكتبته للدار هو خير الدين الأسدي وهو علاّمة كبير، وأهم الأدباء في الوطن العربي كانوا قد حاضروا فيها أمثال طه حسين وعباس محمود العقاد وبنت الشاطئ وعمر أبو ريشة وسليمان العيسى ومحمد مهدي الجواهري والقائد  الخالد حافظ الأسد، وقد صُنفت هذه الدار رغم حداثة سنها تاريخياً من الآثار العظيمة لما هيأت له على صعيد الواقع الثقافي ولمن حاضر فيها والتأثير الكبير الذي أحدثته على أجيال مختلفة.

واكبت التكنولوجيا

وبيَن حجازي أن مخزن الكتب في الدار اعتمد في الماضي على التصنيف اليدوي  الذي يصنف الكتب حسب حجمها وأهميتها، وكانت هناك خزائن لها أدراج توضع فيها بطاقات يقوم الباحث من خلالها بالبحث عن كتابه المطلوب حسب حرف معين، أما اليوم فقد تمت أتمتة هذا الأمر وأصبح هناك كمبيوترات يمكن من خلالها البحث عن الكتاب المطلوب خلال لحظات، كما قامت الدار وخلال تحرير مدينة حلب بإعادة هيكلة التصنيف بعد أن فقدت بعض الكتب ليس نتيجة القذائف وإنما بسبب خروج الناس من حلب ونتيجة وجود عدد كبير من كتبها في مركز الفنون التطبيقية بهدف تجديدها وترميمها، وهناك تعرضت لقذائف الإرهابيين وقد وافقت وزارة الثقافة على ترقيم الكتب، وأكد حجازي أن أمهات الكتب في الدار لم تُفقد لأنها لا تعار خارجياً، وهي كتب متنوعة وكثيرة، ومنها ما يعود لمئات السنين، وتُعتبر كتب ابن قدامى أقدمها.

حلب-أمينة عباس