ثقافةصحيفة البعث

مع بدء عروض مسرحيته “فابريكا” أيمن زيدان: مغامرة لسرقة البهجة من رحم الوجع السوري

 

إخلاصاً منه لأولئك البسطاء الذين يزين وجودُهم مسرحَنا، ورغبة منه في تقديم اقتراح ملفت لفرجة شعبية كوميدية تستقطب شرائح متنوعة من الجمهور، بدأت أمس على خشبة مسرح الحمراء عروض مسرحية “فابريكا” للمخرج المسرحي أيمن زيدان، والتي سعى لأن تكون فسحة لفرجة شعبية كوميدية وهو يعرف أن الطريق إليها وعر لكنها تستحق المحاولة منه لتكون مغامرة مسرحية جديدة يصوغها بالحب والتفاني لسرقة بعض البهجة من رحم الوجع السوري.

الاقتراب من الناس
ويؤكد أيمن زيدان أن رحلته في عالم المسرح ليست مع مسرحية يقدمها بل مع مشروع يحاول إنجازه منذ سنوات، مقدماً فيه تجليات مختلفة لمسرح شعبي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، أي مسرح شعبي مشغول بإتقان وحِرفية، بعيداً عن الفكرة السائدة عنه بوصفه مسرحاً سهلاً، مبيناً أنه وضمن مشروعه يستمر في التجريب والتركيب حسب الموضوعات المطروحة، مع إعادة تدوير لنفس الأدوات، وإعادة استخدام نفس المفردات التي يراها جذابة، ولا ينكر أنه بعد كل عمل يفكر كثيراً ليس بقضية التجاوز بمقدار ما يفكر بقضية التمايز قليلاً ضمن نفس المشروع.. من هنا فإنه في”فابريكا” يحاول الاقتراب أكثر من الناس عبر مسرحية تكاد تكون بطروحاتها شبه مباشرة، وعلى تماس مباشر مع تفاصيل حياتهم اليومية والحياتية وبلغة محكية بعد أن سبق وقدم عرضين مسرحيين باللغة العربية الفصحى هما “دائرة الطباشير” و”اختطاف” ليبقى ضمن الإطار نفسه الذي يعمل به سعياً لتقديم فرجة مسرحية شعبية تعزز العلاقة بين الناس والمسرح، وأشار إلى أن ما يقدمه اليوم هو مجرد اقتراح يصبّ ضمن المشروع الذي يعمل عليه مسرحياً منذ سنوات طويلة.

نماذج طريفة
وردّاً على سؤال كيف يختار كمخرج موضوعات مسرحياته لتكون موضوع الحدث واللحظة دون أن يغرد خارج سرب هموم وأوجاع الناس، يوضح زيدان أنه في زمن الحرب هناك شكلان من التعاطي مع الموضوعات المختارة، فالمخرج إما أن يقدم أعمالاً متعلقة بمفهوم الحرب، وإما أن يقدم أعمالاً لا يقترب فيها من الحرب ليقول أن الحياة مستمرة حتى بوجود الحرب من خلال استمرار الناس في ممارسة حياتهم الطبيعية، أو تناول موضوعات غير مباشرة.. من هنا ارتأى زيدان في “فابريكا” اختيار موضوع شعر أنه يلامسه اليوم وهو الحملات الترشيحية ليتناوله ويبحث فيه ضمن حدود معينة، من خلال تقديم نماذج طريفة من المرشحين الذين يعتقدون أنهم مهيئون لممارسة هذا الحق، وأشار إلى أن الموضوع يفرض نفسه عليه كمخرج في كثير من الأحيان ليتناوله في عمل مسرحي.

كتابة بصرية جديدة
“فابريكا” عمل مسرحي عن نص للكاتب الصربي برانيسلاف نوشيتش صدر عام 1885 وقام بإعداده زيدان والكاتب محمود الجعفوري، حيث يتناول النص بإطار كوميدي موضوع الانتخابات البرلمانية ومن يمثل الشعب، ويؤكد زيدان أن التصدي لعمل مكتوب عام 1885على أنه يحدث اليوم ومهم بالآن نفسه، أمر ليس سهلاً لأن العودة لتقديم النصوص العالمية كما هي تماماً لا معنى لها بالنسبة له.. من هنا يجد في إعادة إنتاج النص العالمي بمفرداته ولغته فسحة لإعادة كتابة بصرية جديدة حتى ولو كان موضوعه غريباً، وبيّن أن ما يفعله مع هذه النصوص العالمية يقارب إعادة الكتابة أكثر من موضوع الإعداد أو الاقتباس، وهذا برأيه أمر شاق للغاية، موضحاً أن اعتماده على النص العالمي سببه وجود بنية نصية محكمة فيه على مستوى الصنعة والشخصيات والعلاقات فيما بينها.

العمود الفقري للمسرح
اعتاد المخرج أيمن زيدان في جميع أعماله المسرحية على تقديم أشكال فنية متميزة مشغولة بإحكام وإتقان، إلى جانب عمله كمخرج على الممثل انطلاقاً من إيمانه المطلق أن هذين الأمرين هما العمود الفقري للمسرح، لذلك يسعى دوماً على صعيد الشكل إلى مواكبة إيقاع العصر واللحظة التي يقدم فيها عمله المسرحي، لأنه مدرك -وهو من جيل ينتمي لمرحلة سابقة- أنه يخاطب إنسان العام 2018 من خلال محاولة خلق شكل عصري وحيوي ولحظيّ ينتمي لروح العصر الحالي وإيقاع الحياة فيه، أما العمل على الممثلين فلا يخفي زيدان أنه يدخلهم دائماً في أماكن صعبة، لذلك يتحولون في أعماله إلى شركاء من خلال البحث المشترك ومحاولاتهم لطرق الأبواب الصعبة على صعيد الشكل، على أن تكون النتيجة من السهل الممتنع لتكون العلاقة بينهم وبين المتلقي في النهاية دافئة وحميمية بعد أن يتوارى الجهد المبذول بعيداً عن الشكل النهائي للعرض.

الكوميديا خياري
الكوميديا خياره في المسرح، وهو يقدم مشاريعه بناء على ذلك، إلا أن زيدان لا يجزم أن ما يقدمه هو المسرح وما عداه لا، وبيّن أن الكوميديا واحدة من الخيارت التي يقدَّم بها المسرح، وهو في الوقت ذاته لا يصادر حقوق الآخرين، حيث الخيارات مفتوحة أمام الجميع، والكوميديا برأيه إحداها، وهي خياره لمخاطبة شرائح مختلفة من الجمهور، موضحاً أن مصطلح الجمهور غير دقيق، إذ ليس هناك توصيف ثابت له.. من هنا فهو يخاطب في أعماله شرائح البسطاء الذين لا علاقة حميمة لهم مع الرسميّ، وهو يدعوهم بأعماله لحضور المسرح الشبيه بالبرلمان الذي يدافع عن قضاياهم وأحلامهم ويتصدى عبره لأوجاعهم، وتمنى استقطاب العائلة البسيطة لخلق تماس معها ومع المسرح كحلّ بالتجاور مع المشاريع الأخرى لعودة الناس للمسرح، مع تأكيده ثانية على أن المسرح الذي يقدمه ليس الذي يحتاجه الناس فقط، بل هو واحد من الخيارات، والساحة برأيه تتسع لخيارات مفتوحة لا نهاية لها.
وحول تكرار بعض الممثلين في أعماله يرى زيدان أن الشخصيات هي التي تنادي ممثليها، إلا أنه يتواصل أحياناً مع شخصيات معينة يشكل المسرح بالنسبة لها هاجساً حقيقياً، خاصة وأن العمل في المسرح شاقّ وصعب، كما يبين زيدان أنه لا يخشى أن تقارَن “فباريكا” بعمله السابق “اختطاف” الذي حقق نجاحاً كبيراً لأن الموضوع بالنسبة له ليس مسرحية بعينها وإنما هو مشروع مستمر في إنجازه.
و”فابريكا” من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا–المسرح القومي في وزارة الثقافة وهي من تمثيل محمد حداقي، لجين إسماعيل، لوريس قزق، حازم زيدان، نجاح مختار، فادي الحموي، لمى بدور، خوشناف ظاظا.. الموسيقا والأغاني سمير كويفاتي، تصميم الديكور هاني جبور، تصميم الأزياء ريم شمالي، تصميم الإضاءة مجد ديب، المكياج خولة الونوس، التصميم الإعلاني والمواد البصرية هاني جبور، الأقنعة ليندا جاموس، التعاون الإخراجي أنطوان شهيد، مساعد إخراج خوشناف.
أمينة عباس