دراساتصحيفة البعث

خرافــة العلاقــة الوطيــدة بيــن ماكــرون وترامــب

ترجمة: علاء العطار
عن النيويوركر 21/4/2018
التقى ايمانويل ماكرون ودونالد ترامب أول مرة في قمة الناتو في بروكسل في الربيع الماضي، بعد أسبوعين فقط من انتخاب ماكرون رئيساً لفرنسا، ولو كان هذا اللقاء منافسة لاحتوت قائمة المتنافسين العولمة مقابل القومية، والتقدمية مقابل الشعبوية، والتفاؤلية مقابل الانحدارية، والشباب مقابل الهرم، وفي الاجتماع الصباحي، شدّ كل من الرجلين ساعد الآخر، كما لو كانا يحاولان سحب حبل فوق خط في الرمال، وبعد ظهر ذلك اليوم، وفي تصوير دعائي مع باقي المجموعة، قام ماكرون بمزحة صفيقة قبل أن يمد يده إلى ترامب الذي جذبها وكأنه يحاول تشغيل منشار كهربائي، ما أثار دهشة الجميع، وبعد بضعة أشهر، دعا ماكرون ترامب لزيارة فرنسا.
استقبل ماكرون ترامب بحفاوة، متحدثاً عن التحالف التاريخي بين البلدين، “الذي يُبرر كلياً وجود الرئيس ترامب في باريس اليوم وغداً”، وكان هناك موكب يحتفل بيوم الباستيل، وتناول الرئيسان طعام العشاء في برج ايفل، وبحلول اليوم التالي، أشاد ترامب- الذي انسحب في الأشهر السابقة من اتفاقات باريس للمناخ، بحجة أن أجزاء من باريس “متطرفة وفاسدة” لدرجة أن الشرطة ترفض الذهاب إليها، وأعرب عن إعجابه بمارين لوبان اليمينية المتطرفة- بالزعيم الفرنسي واعتبره “رئيساً عظيماً، ورئيساً صلباً”، وقال ماكرون- الذي سبق أن طعن بسياسات ترامب البيئية- الآن: “إنني أحترم كثيراً القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب” بشأن اتفاقات باريس، مع أنه لم يوافق عليها، وأكد أنه وترامب يشتركان في “خط أحمر مشترك” بشأن الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية في سورية، وهكذا ظهرت فكرة أن هناك نوعاً من التقارب الخاص بين ترامب وماكرون، وليس بين أمريكا وفرنسا.
وصل ماكرون إلى واشنطن في أول زيارة رسمية لترامب، وسيلقي خطاباً في جلسة مشتركة للكونغرس، وهذه المرة، سيجري لقاء مزدوجاً في ماونت فيرنون، وتقول نظرية الود العميق بين ترامب وماكرون: إن تحالفهما شخصي وبعيد الاحتمال، قد يكون ذلك صحيحاً من وجهة نظر ترامب، فالتملق يلعب دوراً مضخماً في الفراغ الفكري والأخلاقي لرئاسته، وسياسة الحُظيِّ متقلبة بطبيعتها، ويستطيع ترامب بسهولة أن يجد “شخصاً عظيماً” في أي شخص يجعله يشعر أنه مهم.
لقد كان إغراء ماكرون لترامب أمراً مخططاً له، فقد كان مهتماً بالرئيس الأمريكي لدرجة جعل من نفسه قناة لترامب في أوروبا، مقابل تهميش “أنجيلا ميركل” بفعل خلافات سياسية، وانغماس تيريزا ماي بالبريكست، وبالتالي لاعباً خارج أوروبا، فقد تطوع ماكرون للتوسط بين تركيا والأكراد، وتدخل في الشؤون اللبنانية عندما اختفى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في السعودية، ويبدو أيضاً أنه قدّر أن تعزيز المكانة الدولية لفرنسا يستحق بعض التنازلات، ودون تقديم أي تنازل في نقاط الخلاف الرئيسية بين فرنسا وأمريكا- تغير المناخ، الصفقة النووية الإيرانية- قام بالتنازل عن بعض القضايا الصغيرة، مثل زيادة ميزانية فرنسا العسكرية بمقدار 2% من الناتج المحلي الإجمالي المخصصة للدول الأعضاء في حلف الناتو، علماً أن قانون كولومب، ومشروع قانون الهجرة القاسي الذي يدفعه وزير الداخلية الفرنسي من خلال البرلمان يقوضان خطابه الشمولي، على الرغم من أن مقصده هو إرضاء ترامب وليس تهدئة اليمين المتطرف المحلي.
الحوار مع ترامب ليس انحرافاً بالنسبة لماكرون، فهو يحاول كسب المشككين في المواجهات المباشرة، وسأل موقع الأخبار [BFMTV] مؤخراً “هل الرئيس بأفضل حالاته، عندما يكون الاتصال مع الفرنسيين خشناً أحياناً، وساخناً في كثير من الأحيان؟”.. بعد أن خرج ماكرون للقاء مجموعة من عمال السكك الحديدية الذين قاموا بإضراب سيستمر حتى حزيران، في معارضة لرغبته في الحد من استحقاقات التقاعد الخاصة بهم، ورغم خيبة الأمل لدى بعض الليبراليين الأمريكيين، فإن سماح ماكرون لكريس والاس، من فوكس نيوز، بإجراء مقابلة معه يتماشى تماماً مع طبيعته.
شعر الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند أن باراك أوباما قد خانه فيما يتعلق بالقضية السورية، “من وجهة نظر فرنسية، فإن تقلب الولايات المتحدة أمر سابق لترامب بالفعل”، كما أشار إلى ذلك تقرير حديث لصندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، “في الدوائر الدبلوماسية الفرنسية، كانت نقطة التحول في الواقع هي قرار أوباما بعدم المضي في التدخل في سورية عام 2013، قبل ساعات فقط من وصول الطائرات الحربية الفرنسية لضرب سورية، وعلى حد تعبير وزير الشؤون الفرنسية السابق لوران فابيوس، كان هذا حدثاً عالمياً من شأنه أن يقوض مصداقية الولايات المتحدة بشكل دائم”، وبالتالي تمثل الضربات الجوية المشتركة ضد سورية مكافأة على الضيافة التي تلقاها ترامب من ماكرون، لقد تغير الرئيسان في كلا البلدين، وأحدهما غيّر سلوكه، وقد نسب ماكرون الفضل لنفسه في هذا التغير، قائلاً: “قبل عشرة أيام، قال الرئيس ترامب إنه على الولايات المتحدة الانسحاب من سورية، لكننا أقنعناه بأن البقاء ضروري”، وأضاف: “لقد أقنعناه أيضاً بأننا كنا بحاجة إلى حصر الضربات بالأسلحة الكيميائية”.
والسؤال هنا ليس ما إذا كان ترامب وماكرون صديقين، بل لماذا هم أصدقاء؟ وهل سيكون بمقدور ماكرون الاستفادة من رأسماله الاجتماعي الذي تفتقر إليه إدارة ترامب بشدة، ليدفع بلداً يتفوق على بلده بالمال والقوة لتحقيق بعض أهدافه؟.. إن ماكرون صديق ماكر، فبعد أن أكد لهولاند الذي عيّنه وزيراً للاقتصاد في سن السادسة والثلاثين، أنه لن يحلم بالترشّح للرئاسة، قام بذلك بالضبط، وأخرج رئيسه السابق من السباق، “السياسة عبارة عن قتال”، وهي مذكّرة سياسية حديثة صدرت عن غاسبار غانتزر الذي كان أحد كبار مستشاري هولاند، وقدمت هذه المذكرة لمحة عن الأفضلية التنافسية التي جمعها ماكرون، وقال ماكرون لغانتزر عندما تعرف على هولاند: “إن لديه نقطة ضعف وحيدة، فهو لا يتحمّل الضغط المتولد عن محادثة فردية”، و”من يضحك أخيراً يضحك كثيراً”، وربما خمن بالتخمين نفسه بالنسبة لترامب.