أخبارصحيفة البعث

أوروبا تتبع سياسة “حافة الهاوية” مع إيران

مع اقتراب الموعد الذي حدّده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبتّ في موقفه النهائي من الاتفاق النووي مع إيران، يتقاطر الزعماء الأوروبيون إلى البيت الأبيض، في مشهد يوحي بأنهم يحاولون إقناع ترامب بعدم التخلي عن الاتفاق مع إيران، مع العلم أن هذا الاتفاق وقعته سبع دول، منها خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وقد أمضوا من الوقت والجهد الكثير حتى توصلوا إليه، فمن ذا الذي يصدّق أن رئيس دولة في العالم يستطيع أن ينقض معاهدة دولية بهذه البساطة التي يصوّرها ترامب الآن، وهل تستطيع أوروبا بالفعل تحمّل تبعات هذا الانسحاب الأمريكي من الاتفاق بعد أن هدّدت إيران بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية إذا تم نقض الاتفاق؟.

وفي إطار هذا التقاطر الأوروبي إلى البيت الأبيض لإقناع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق، كانت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي صوّر من خلال زيارته حجم الإصرار الأمريكي على الانسحاب من الاتفاق إذا لم يتم تعديله بما يشمل نظام الصواريخ البالستية الإيراني، حيث حاول ماكرون تصوير زيارته على أنها زيارة إنقاذية في الوقت الذي لم يبذل فيه جهداً للضغط على ترامب للقبول بمعاهدة أممية من هذا النوع، وفي السياق ذاته كانت زيارة المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل التي اتخذت موقفاً منحازاً قليلاً باتجاه البيت الأبيض حيث أعلنت أنه لا بدّ من تعديل هذا الاتفاق ليشمل بنداً متعلقاً بنظام إيران الصاروخي، ما يوحي بأن زيارة ميركل ترمي فيما ترمي إليه إلى الإيحاء بأنه كي يستمر هذا الاتفاق ويكون قابلاً للبقاء لا بدّ من ملحق له يتعلق بالرقابة على برنامج إيران الصاروخي، وفي الوقت الذي تقوم فيه كل من فرنسا وألمانيا بهذا الدور في تسويق وجود سبب مقنع لرفض الاتفاق النووي مع إيران، يصرّ الطرفان الروسي والصيني على أن الاتفاق ملزم لجميع الأطراف ولا يمكن تعديله بأي صيغة كانت لأن هذا الأمر تم التوقيع عليه من سبع دول تحت إشراف الأمم المتحدة، ولا أحد يستطيع أن يضغط على إيران للقبول بتعديل هذا الاتفاق أو القبول بملحق له يتعلق بالصواريخ البالستية، وهذا ما يتوافق مع الموقف الإيراني الذي يقول: إن انسحاب أي دولة من هذا الاتفاق يجعل إيران في حل منه، وبالتالي ستعود إيران بقوة إلى تخصيب اليورانيوم، لأنها تؤكد أنها إلى الآن لم تتمكن من الاستفادة من كل المغريات التي قدّمها الغرب لها مقابل التخلي عن تخصيب اليورانيوم، وهذا يعني أن إيران ستتحرّر من كل القيود التي وضعها الاتفاق عليها في هذا الإطار.

إذن، هناك سعيٌ أوروبي واضح لإظهار التمسك بالاتفاق النووي مع إيران، في الوقت الذي تضغط فيه بعض الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا باتجاه تعديل هذا الاتفاق ليشمل نظام الصواريخ البالستية الإيراني، ما يعني أن هناك اتفاقاً أمريكياً أوروبياً في السر على ممارسة سياسة حافة الهاوية مع إيران بهذا الشأن لإجبارها على الموافقة على تعديل هذا الاتفاق أو التفاوض بشأن برنامجها الصاروخي بشكل مستقل، مع علمهم المسبّق أنه لا إمكانية للخروج من هذا الاتفاق لأي طرف، وخاصة أن نقض هذا الاتفاق سيجعل إيران في حلّ من جميع الاتفاقيات التي تعيق برنامجها النووي، فهل يتجرّأ ترامب فعلاً على ذلك بعد علمه أن نقضه سيحرّر إيران من جميع القيود؟.

يبدو أن الأمر يحتاج إلى كثير من النظر، وليس باستطاعة أحد أن يؤكد قدرة البيت الأبيض على فعل ذلك، إلا إن تدخلت حماقة ترامب كعامل مباشر في تحديد وجهة الأمور.

طلال ياسر الزعبي