دراساتصحيفة البعث

خطة “انسحاب ترامب” من سورية: التعاقد من الباطن للإمبريالية الأمريكية

 

ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع: انفورميشن كليرنك هاوس 26/4/2018
يتحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إعادة القوات الأمريكية وإخراجها من سورية، لكن الخطة لا تتعلّق بتقليص حجم المصالح العسكرية الأمريكية في المنطقة، بل تتعلق بعقد من الباطن مع العمل القذر للإمبريالية الأمريكية. وبدلاً من الحدّ من الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط، إلا أن خطوة الانسحاب المفترضة ستؤدي إلى المزيد من الصراع وليس تقليصه.
يبدو أن هناك تصوراً خاطئاً انتشر حول وفاء ترامب بالتعهد الذي أدلى به خلال حملته لوقف التدخلات الخارجية وإعادة القوات الأمريكية إلى الوطن، وقبيل زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع “فوكس نيوز” إنه يحثّ ترامب لإبقاء القوات الأمريكية في سورية، مضيفاً: “يتعيّن علينا بناء سورية جديدة بعد الحرب، ولهذا السبب فإن دور الولايات المتحدة مهمّ للغاية”.
لكن في الحقيقة، لا يبعث ترامب برسالة تشير إلى نهاية التدخل الأمريكي في سورية، وما يخطّط له ليس إلا تقسيماً جديداً للعمل ورأس المال سعياً لتحقيق أهداف إستراتيجية.
ففي نهاية شهر آذار الماضي قال ترامب لمؤيديه في ولاية أوهايو: “سنخرج قريباً من سورية، دع الآخرين يهتمون بها الآن”، ثم في 13 نيسان الماضي، عندما أعلن ترامب عن توجيه ضربات جوية على سورية، أشار مرة أخرى إلى انسحاب القوات الأمريكية في نهاية المطاف، وقال: “لقد طلبنا من شركائنا تحمّل مسؤولية أكبر لحماية أنفسهم، بما في ذلك المساهمة بمبالغ ضخمة من الأموال”.
إن قلق البعض داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الأمريكية، والحلفاء الأوربيين مثل ماكرون في غير مكانه، لأن ترامب لن يقلّص حجم مشاركة واشنطن، حتى أنه يسعى للاستعانة بمصادر خارجية في العمليات العسكرية القذرة. ومن وجهة نظر سياسية، يلقى نهج ترامب استحساناً ويبدو كأنه يسلم جدول أعمال “أمريكا أولاً” إلى قاعدته الانتخابية، كما أنه يعطي الفرصة للولايات المتحدة لغسل يديها من الصراع الدامي. لكن في الواقع، تسعى واشنطن إلى تحقيق طموحاتها المهيمنة والمزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط الغني بالنفط، وذلك عبر تدمير سورية، ومواجهة إيران واحتواء روسيا.
وقد أكد وزير الخارجية “السعودي عادل الجبير” أن بلاده تجري محادثات مع مسؤولين في إدارة ترامب حول إرسال قوات “سعودية” إلى سورية كجزء من “تحالف دولي”، لتحلّ محل القوات الأمريكية الموجودة هناك، بإشارة إلى دول الخليج العربي، لتشكيل حملة عسكرية ضد سورية.
كما وردت تقارير عن قيام دول الخليج العربية بممارسة الضغط على إيريك برينس، مؤسس شركة الأمن الأمريكية “بلاك ووتر” ، وهي شركة خاصة لتجنيد المرتزقة، لتجنيد قوة مماثلة لنشرها في سورية، حيث قال “الأمير” الذي يعرف بعلاقته الجيدة مع ترامب، إنه ينتظر قرار الرئيس.
اقتراح إرسال قوات عسكرية عربية بقيادة “السعودية” إلى سورية ليس بجديد فخلال إدارة أوباما، قام “الحكام السعوديون” بالحشد لتأييد هذا الانتشار، لكن دون جدوى، على الرغم من أنه في ظل إدارة ترامب من الممكن أن يكون لديهم رئيس مستعد لذلك. ولطالما استاء ترامب من التكلفة المالية المترتبة عن الوجود العسكري الأمريكي في سورية، المؤلف من 2000 إلى 4000 جندي متمركزين بشكل أساسي في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد، حيث كانت الطائرات الحربية الأمريكية تشن غارات جوية هجومية فوق سورية منذ أيلول 2014.
ويبدو أن المحفز الرئيسي لحسابات ترامب هو اتخاذ تدابير لخفض التكاليف من أجل حث الآخرين على الدفع، وهي خطوة مناسبة لتاجر عقارات تحول إلى رئيس، والذي يتعلق نموذج أعماله الخاص كله بالاستعانة بمصادر خارجية والتعاقد من الباطن لتقليص التكاليف.
وفي سياق إبرامه لعقد الأمن في سورية، ادعى “إيريك برنس” أن مثل هذا الترتيب لن يجلب أي تكلفة على دافع الضرائب الأمريكي. وهذا يشير إلى أن “الحكام السعوديين والإماراتيين والقطريين” يخططون لدفع فاتورة العمليات العسكرية الأمريكية الخاصة في سورية.
في الظاهر تبدو فكرة ذكية وإن كانت عديمة الضمير. لكن على صعيد عملي أكثر يبدو أن مآلها الفشل. وليس من الصعب تصور كيف أن تحول الأدوار العسكرية لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار والعنف ليس في سورية وحسب ولكن في جميع أنحاء المنطقة.
إذ لاشك أن “القوات السعودية” التي يمكن أن تُرسل إلى سورية مع “القوات الإماراتية والقطرية” سوف تواجه الجيش السوري وحلفاءه، وسيكون لاقتراب هذه القوات من سورية رد قويّ.
على أية حال، وبالنظر إلى الحرب الكارثية المستمرة في اليمن إنه من غير الممكن “للسعوديين” وأتباعهم في الخليج أن يحشدوا قوة للقتال في سورية. وهذه الحالة تطرح السؤال عن إمكانية إرسال إيريك برنس ومرتزقته ليحلوا محل القوات الأمريكية النظامية وقيام الأنظمة العربية الخليجية بتمويل العملية. إن الغرض من أية عمليات نشر من هذا النوع هو انتهاك كامل للسيادة السورية. وبعيداً عن الأهداف المعلنة لـ”الأمن” و”منع عودة داعش”، فإن الهدف الحقيقي هو الاحتفاظ بالأراضي التي تحتلها الولايات المتحدة حول نهر الفرات وحقول النفط في المناطق الشرقية من سورية.
وهذا يعني أنه يجب الإبقاء على القوات العسكرية الأمريكية في سورية، قد لا تكون القوات البرية على الأرض هي القوات الأمريكية النظامية، لكن سيتعيّن على الولايات المتحدة تقديم الدعم بإرسال الطائرات الحربية والمستشارين العسكريين ليصبح وكلاؤهم فعالين لاحتلال الأراضي السورية. لكن إذا أراد المخططون في واشنطن الحفاظ على موطئ قدم لهم في سورية وفي المنطقة، فإن ذلك الهدف سيقود عاجلاً أو آجلاً إلى مواجهة عسكرية. ويبدو من غير المعقول بعد أن كسبت الحكومة السورية الحرب ضد المقاتلين المدعومين من الخارج، أن تتسامح باحتلال الولايات المتحدة وأتباعها لأراضيها بعد الحرب.
يرى المحلّل السياسي الأمريكي “راندي مارتن” أن خطط ترامب الأخيرة للانسحاب المفترض للقوات ليست سوى تحول تكتيكي، إذ يشير استدعاء القوات العربية أو المرتزقة الخاصين إلى تغيير في المتعاقدين، وهذا كل شيء. وأضاف: “لقد رأينا هزيمة ألوية تنظيم القاعدة من قبل سورية، وروسيا وإيران، والآن تتحوّل الولايات المتحدة إلى متعاقدين جدد في حربها الطويلة لتدمير سورية والمواجهة مع إيران. وبالتالي، فإن عملية تقليص ترامب المفترضة للوحدة العسكرية الأمريكية في سورية ليست خطوة للسلام، إنها تغيير في المسار نحو المزيد من الحروب!.