دراساتصحيفة البعث

مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.. الطموح والفرص

 

 

ترجمة:عناية ناصر
عن موقع فينست لوفاسو 20/4/2018

ربط طريق الحرير، وعلى مدى قرون، طرق التجارة للحضارات الكبرى في شرق آسيا و الشرق الأوسط والقارة الأوروبية، وهذا الطريق لم يسهل التجارة فحسب ، بل ساهم أيضاً في تبادل الاتصالات وهو بالتالي أسهم في تحديد تطور العالم القديم.
في عام 2013 ، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ إحياء طريق الحرير من خلال تطوير شبكة مواصلات تربط بين الصين وبقية العالم. يجمع هذا المشروع الرئيسي الذي أطلق عليه مبادرة الحزام والطريق (BRI) بين خارطتي طريق رئيسيتين. مكونها الأول هو حزام طريق الحرير الاقتصادي، وهو عبارة عن طريق سفر بري يمر عبر ستة ممرات ويغطي معظم الدول في آسيا وأوروبا، تسعى بكين من خلاله إلى تعزيز البنية التحتية عن طريق بناء الجسور ، والسكك الحديدية ، والطرق ، وخطوط الأنابيب ، والسدود الكهرمائية ، وأبعد من ذلك بكثير.
أما المكون الثاني فهو طريق الحرير البحري الذي يسعى إلى تنويع خطوط الإمداد الصينية على طول الساحل الشرقي من خلال بناء موانئ الشحن ومصافي النفط والغازات الصناعية. وحتى الآن ، يوجد أكثر من 700 1 مشروع بقيمة تبلغ حوالى 900 مليار دولار تقع في نطاق المبادرة.
وأبعد من ذلك يمكن القول: إن إحياء طريق الحرير هو مجهود مكلف للغاية. ولتمويل مبادرة البناء وتنظيم التدفق النقدي الهائل ، أنشأت الحكومة الصينية مؤسستين ماليتين، بنك الاستثمار للبنية التحتية الآسيوية (AIIB) وصندوق طريق الحرير(SRF ). بنك الاستثمار للبنية التحتية الآسيوية (AIIB) هو بنك متعدد الأطراف برأسمال مبدئي يبلغ 100 مليار دولار ، وهو يختص بإقراض الأموال للمشاريع الاقتصادية، كما أن هيكله التنظيمي مشابه لصندوق النقد (IMF) والبنك الدوليين. يمتلك صندوق طريق الحرير(SRF ) حوالى 40 مليار دولار ويقع تحت إشراف البنك المركزي الصيني، وهو وسيلة للاستثمار في المشاريع بدلاً من تقديم القروض لها. ومع ذلك ، فقد يكون أكبر مساهم مالي في الحزام والطريق هو بنك الصين للتنمية وبنك التصدير والاستيراد الصيني. تعهد بنك التنمية الصيني بتقديم أكثر من 800 مليار دولار تمتد على مدار عدة سنوات. ويمكن أن تأتي الأموال الإضافية للمبادرة من احتياطيات الصين من النقد الأجنبي وصندوق الثروة السيادية في بكين الذي يحوز على نحو 3 تريليونات و 220 مليار دولار على التوالي.
ومع ذلك ، فإن الحزام والطريق أكثر من مجرد روابط مادية، فهو يخدم أهداف الصين الخارجية والمحلية، لأنه يساعد على التخفيف من اعتماد البلاد على الممرات البحرية الحالية. وحالياً، يمر حوالى 90٪ من تجارة الصين عبر البحار، وتتسم هذه المسطحات المائية مثل البحر الأصفر وبحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي بوجود أمريكي قوي، بينما النقاط البحرية مثل مضيق ملقا ، والذي تمر عبره 80٪ من واردات النفط الخام الصينية هي بمثابة إشارات إنذار إضافية لبكين. وعلى هذا النحو ، تعتمد الصين على البحرية الأمريكية لضمان أمن الممرات البحرية.
وباعتبارها منافساً جيوسياسياً ، لا تستطيع بكين الاعتماد بقوة على واشنطن لحماية شحناتها. في هذا السياق، يعمل “الحزام والطريق” كخطة طوارئ تنوع طرق التجارة بين المدن الصينية والأسواق العالمية. على سبيل المثال، وكجزء من الحزام والطريق ، تقوم الصين ببناء الموانئ ، والسكك الحديدية ، والطرق ، وخطوط الأنابيب في شبه القارة الهندية ما يسمح لبكين بتجاوز نقاط التفتيش في بحر الصين الجنوبي. ويتيح الممر في باكستان المعروف بالممر الاقتصادي الباكستاني الصيني (CPEC) و الموانئ في سريلانكا للصين القيام بذلك فعلاً.
الدافع الآخر للحزام والطريق هو حقيقة أن النمو الاقتصادي الضخم في الصين قد خلق تفاوتاً هائلاً عبر أراضيها. تبدو الثروة غير المتوازنة ملحوظة بين المناطق الداخلية الريفية الغربية والساحل الشرقي الحضري، لكن التباين يتجاوز التمويل، إذ تؤثر وفرة الثروة ونقصها على مستويات المعيشة، ومتوسط ​​العمر، والتركيبة السكانية. كل هذه العوامل الاجتماعية والاقتصادية تميل لصالح الساحل العالمي الخصب، في حين تُركت المناطق الداخلية الغربية غير الساحلية القاحلة وراءها. إذا كانت الصين تريد تأمين استقرارها على المدى الطويل، فعليها أن تخفف من التفاوت بين المنطقتين من خلال تعزيز وصول المنطقة الداخلية إلى الأسواق الخارجية، وهذه لا بد أن تكون عملية طويلة ومعقدة ، ولكن بالنسبة لبكين ، يوفر الحزام والطريق بداية لتعزيز آفاق الداخل.
منذ الإعلان عنها في عام 2013 ، حققت المبادرة البناءة نتائج مذهلة في المدن الداخلية، فعلى على سبيل المثال، تم إنشاء مناطق تجارية في مدن شيان وكونمينغ و كاشجار لتسهيل التجارة عبر الحدود بين الصين وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. وإلى جانب الاستثمارات في المناطق الداخلية من الصين، تقوم بكين أيضاً بتمويل مشاريع في الدول المضطربة في آسيا الوسطى، حيث يحاول الرئيس شي إحلال نوع من الشعور بالاستقرار على طول الأراضي الحدودية الغربية الصينية وهو أمر ضروري لقمع النزعات الانفصالية في التيبت والأويغور., في آسيا الوسطى التي تعاني من الصراعات، من المرجح أن يسهم تدفق زيادة رأس المال في المزيد من العنف. وعلاوة على ذلك ، من المرجح أن تعزز الطرق المحسنة انتقال السلع غير المشروعة إلى الصين نفسها. هذه قضية خاصة بالنسبة لصانعي السياسة في الصين بسبب النزعات الانفصالية التي طال أمدها في غرب الصين. لذلك ، وإضافة إلى التمويل ، يتعين على بكين مكافحة المخاطر العابرة للحدود الوطنية من خلال المساعدة والتعاون مع مجموعات الأمن في بلدان آسيا الوسطى.
ومع قيام الصين بتدفق الأموال إلى المنطقة ودعم الدفاعات المحلية ، لا بد من عبور مساراتها مع شريك رئيسي آخر. وهنا تعتبر روسيا عنصراً حاسماً في مجال نفوذها، وترى أن أي شكل من أشكال النشاط غير الاقتصادي في المنطقة يشكل تهديداً لأمنها القومي. على الرغم من أن روسيا ترحب بالاستثمار الصيني في آسيا الوسطى ، وترى أن الاستقرار الاقتصادي سوف يحقق الاستقرار السياسي الذي تشتد الحاجة إليه ، إلا أن موسكو قد تتخوف من بكين، إذا اختارت روسيا فعل ذلك ، فإنها قد تعيق مشاريع السكك الحديدية والطاقة الصينية في المنطقة ، لذا يجب على بكين أن تتعامل بحذر في آسيا الوسطى.
هناك منافس جيوسياسي آخر يشكك في الحزام والطريق هو الهند، إذ تخشى نيودلهي من أن تؤدي الأنشطة الاقتصادية الصينية ، وبالتحديد الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني CPEC في باكستان ، إلى تقويض المزاعم الهندية في منطقة كشمير المتنازع عليها. على هذا النحو ، تعارض الهند بشدة الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني CPEC لأنها ترى في سياسة بكين هنا عملاً عدائياً بحكم الواقع من الناحية الجيوسياسية. ومع ذلك ، فإن الخيارات المتاحة للهند لمواجهة ذلك محدودة ، ويمثل الحزام والطريق خط مواجهة في التنافس بين الصين والهند.
المنافس الجيوسياسي الأخير المستاء من الحزام والطريق هو الولايات المتحدة، إذ تشعر واشنطن بالقلق من أن يؤدي تنويع بكين لطرقها التجارية إلى تقويض نفوذها البحري على المدى الطويل ، وسيسمح هذا التحول الجيوسياسي للصين من فرض إرادتها في محيط شرق آسيا. وبالإضافة إلى تطوير التجارة الداخلية والمتنوعة ، فإن مبادرة الرئيس شي هي ابتعاده الواضح عن فلسفة دينغ شياو بينغ الجيوسياسية المتمثلة في القدرة على التخفي ، وكسب الوقت ، وعدم ادعاء الزعامة . مبادرة الحزام والطريق هي عكس ما قامت به الصين تقليدياً. وبنفس الطريقة التي يمثل فيها “نظام بريتون وودز” سياسة القوة الناعمة العالمية في واشنطن ، تنوي بكين تكرار تجربة القوة الناعمة في آسيا مع مبادرة الحزام والطريق. تعتبر الصين بالفعل شريكاً تجارياً رئيسياً لكثير من الدول في آسيا وأوروبا ، ولكن مع مبادرة الحزام والطريق ، تعزز بكين تلك العلاقات التجارية بتمديد شروط التمويل المريحة من خلال مؤسساتها المالية. ويأمل صانعو السياسة الصينيون في أن تمنح هذه الروابط الدولية والتجارية الصين فرصة أكبر للوصول إلى الأراضي الآسيوية والأوروبية في العقود المقبلة.
و تظهر قوة بكين الناعمة بالفعل علامات النجاح في بعض المجالات، على سبيل المثال ، يجد أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”، وبسبب الروابط الاقتصادية المتنامية مع الصين، صعوبة متزايدة في الحفاظ على سياسة موحدة في بحر الصين الجنوبي. والسلوك السياسي للفلبين مثال جيد على نجاح سياسة القوة الناعمة في الصين. علاوة على ذلك ، فإن تزايد حضور الشركات الصينية في المنطقة يزيد من مصداقية ادعاءات بكين الإقليمية. يمكن للقوة الناعمة من خلال تقسيم التحالفات الإقليمية وتعزيز نفوذ الصين الصيني، التغلب على النزاعات البحرية والإقليمية في المستقبل. حتى الآن، قاربت الحكومة الصينية كل دولة بشكل مختلف، وبما يلائم المناخ السياسي والثقافي المحدد لشركائها الأجانب، وهذا يدل على مرونة كبيرة .
ولكن الحزام والطريق لا يخلو من العيوب، فالمئات من الاتفاقيات الثنائية التي تأتي مع المبادرة تعزز البنية المالية لآسيا التي هي بالفعل بحر من صفقات التجارة الثنائية، وتفقد العديد من الشركات القدرة على بناء هذه الشبكة من القواعد.
عيب كبير آخر هو حقيقة أن الحكومة الصينية تميل نحو نهج عملي وهو ما يعني بالضرورة أن كل مشروع يتبع في كثير من الأحيان النتائج التي يحققها. وبخلاف الاستثمار الغربي ، ترسل بكين عمالها ومديريها وموادها الخام ومعداتها إلى الدول الأجنبية لإكمال المهام المطلوبة. وتضمن هذه الممارسة جدول أعمال أكثر كفاءة وتقلل من اختلاس الأموال المخصصة ، لكن الاعتماد الكبير على الأصول الصينية يغذي أيضاً الاستياء في الدول التي تستمر فيها المشاريع. وبغض النظر عن هذه التعقيدات ، فإن الرئيس شي مصمم على المضي قدماً في مبادرة “الحزام والطريق”، فتحقيق الأمن التجاري المقترن بالتنمية الداخلية يجعل المبادرة في أعين صانعي السياسة الصينيين ، تستحق العناء.