ثقافةصحيفة البعث

“الهيبة”ِ.. طابق ثانٍ من غير أساس

لا يمكن الحديث عن الجزء الثاني من مسلسل “الهيبة” قبل المرور سريعا على أهم ملامح الجزء الأول منه، الشركة المنتجة، كانت قد ضاقت ذرعا من الانتقادات التي توجهت لأعمالها الثلاثة الأولى “لو-تشيلو-نص يوم- فالاقتباس الحرفي للكثير من المشاهد، والسطو على تفاصيل الإخراج، وتكرار الكثير من الحوارات، جعل الأعمال الثلاثة المذكورة كارثية، فقرروا الاعتماد على قصة ليست مسروقة هذه المرة، مع الحفاظ على نفس النجمين، ونفس المخرج، الذين كانوا رافعة الأعمال الثلاثة آنفة الذكر، لكن مع استلهام معاني الأكشن التركي، ولأن النجم يتكلم باللهجة الشامية، فقد اقترحوا في القصة أن تكون الأم سوريّة، وهكذا تبدو القصة  واقعية، مع أنها ليست كذلك.

أين تقع القصة؟ لا نعلم، وفي أي زمن أيضا؟ لا نعلم، تاجر السلاح والمخدرات هو شخصية محببة، وسوف يزيد من قبولها عند الجمهور، أن النجم الذي يؤديها معروف بأدوار جيدة كثيرة، ومن صناعة المخرج “حاتم علي”، “عبودة” في “الانتظار” و”أخو اليمامة” في “الزير سالم” و”الراوي” في “التغريبة الفلسطينية”، سيظهر الآن تاجراً للسلاح، ومهرباً للمخدرات، وخارجاً عن القانون، وماذا يطلق عليه أهل تلك القرية الوهمية؟ إنهم يلقبونه “ابن الشامية”، وذلك يتضمن إلصاقاً للجريمة وعوالمها بكلمة “شام”!.

القصة الركيكة تبدأ بعودة امرأة مع جثمان زوجها المغترب لتدفنه في مسقط رأسه حسب وصيته، وبصحبتها ابنها الطفل، فتخوض صراعا ضد العائلة، لأنهم يريدون الاحتفاظ بالطفل فهو “من ريحة المرحوم”، رفضها ذلك كان قائما بالأساس على إنكارها لطبيعة هذا المجتمع المافيوي، وفجأة تنسى ذلك كله وتصبح من عظام الرقبة، ومن مريدي هذا المجتمع الذي بدأت علاقتها فيه، بحرب مع عاداته الإجرامية، فلا ضير من الزواج، بمهرب سلاح، من النوع المسكين، الذي لا يبيعه إلا لمن يحتاج الدفاع عن نفسه، هذا المجرم لديه مواصفات أخلاقية عالية، وهو يعمل مهرب أسلحة وفي أوقات فراغه، يدير منشأة لمشتقات الحليب، أو ربما يدير منشأة لمشتقات الحليب، وفي أوقات فراغه يهرب السلاح.

الرجل لديه ضيع، يسمح أو يمنع بالمرور عبرها، ولكنه يحظى بإعجاب الجمهور، لأنه يحرك بندقيته ببطء، “يطخطخ” الرصاص هنا وهناك، بطريقة تشبه، طريقة محلات التصوير في أزمنة غابرة، عندما كان محل التصوير يحتفظ مثلا بساعة يد ثمينة، أو آلة موسيقية، بندقية مزيفة تبدو كأنها حقيقية، لأن بعض المراهقين، قد يحبون دخول المحل، والتقاط الصور، بصحبة تلك الأغراض، بهذه الطريقة يظهر “ابن الشامية”، مزودا بحلاقة قريبة من حلاقته في مسلسل “الانتظار”، ولمن يشعر بالنفور من شخصية كهذه، لأنها تقف على العداء مع القانون، فهناك أغنية الشارة تتولى الدفاع عن الأمر، فماذا تقول كلماتها؟.

الأغنية تدافع عن مرتكبي الخطيئة، من باب أنهم يعرفون “الصح –أكتر ناس عملو الصح هني اللي عملو غلط”وقد غاب عن أذهان أصحابها، أن معرفة -الصح-لا تكفي، بل يجب تطبيقه؛ إن المُغتصب يعلم تماما أنه يخرق القانون، فهل هو بريء لأنه يعلم؟ كان يجب ألا يفعل، وليس أن يكتفي بالمعرفة، شأنه في ذلك شأن السارق والكاذب والقاتل.

البطل الذي هو من نوع “أكتر ناس عرفو الصح”، لا يمتلك أي صفة من صفات البطولة، إلا الطخطخة بالرصاص أمام الكاميرا، أما البطل الحقيقي فلم يظهر في الجزء الأول للأسف، وهو الأخ المتوفى، الذي قتل فداء للأسرة، في الماضي البعيد، وتحمل عناء الغربة، وتزوج وأنجب، دون أن يحكي كلمة واحدة لزوجته عن وضعه، والآن تعود زوجته لدفنه، فيتلقفها الأخ؛ والزواج من أرملة الأخ، هو فعل أخلاقي جديد يمكن إضافته على التهريب والقتل!.

ربما اطلنا الحديث عن الجزء الأول، لكن لا بد لمعرفة ماذا يوجد في الطابق الثاني، أن نعرف ماذا يوجد في الطابق الأول، فالجزء الثاني الآن، هو لنفس تلك الشخصيات، مع تعديل السمراء بشقراء هذه المرة.

في إحدى نسخ البرومو العديدة، التي ظهرت مؤخرا لتعلن عن دخول مسلسل “الهيبة 2” الموسم الدرامي الحالي، يظهر، الممثل “أويس مخللاتي”، بلهجة دمشقية رنانة، وهو يطلق النار على زجاجات مشروب، بنفس طريقة أفلام “الكابوي”، وكلما أصاب زجاجة، ينسفح منها كمية هائلة من الماء، كما لو أن مصمم الديكور قد وضع خرطوم سقاية خلفها، بينما “تيم حسن” إلى جانبه يدخن بهدوء ووجهه للأعلى، الاستعراض الخالي من المضمون، ربما يطغى على الجزء الثاني، كما طغى على الجزء السابق.

هذا النوع من الأعمال الدرامية المحلية، المفرغة من المضمون، يذهب مذهباً خطراً، في نزوعه نحو تكريس الخواء، كحالة عامة في الدراما المحلية، خصوصا عندما تصبح شخصية “البطل” بلا معنى، بل إن بطولتها تزدهر في سوء مسلكها الاجتماعي في الحياة.

تمّام علي بركات