تحقيقاتصحيفة البعث

إجراءات تحث على الدراسة والتركيز.. ومحاولات لتهدئة القلق

التلفاز مغلق على مدار شهر كامل، والأجهزة الخليوية مخبأة في مكان سري، وشبكة الأنترنت مع أجهزة الكومبيوتر في المنزل خارج التغطية، وجميع الاحتياطات اللازمة وغير اللازمة تم اتخاذها في هذا الموسم الذي يشكّل كابوساً حقيقياً للأسرة، موسم الامتحانات الذي يجعل الجميع في حالة استنفار كاملة، لنجد جميع الأسر السورية، بدءاً من الأب، وانتهاء بالطفل الذي لم يدخل المدرسة بعد، في حالة هدوء تام كي لا يشكّلوا عنصر تشويش على الطلاب الذين يقدمون الامتحان، ليصبح الخوف رفيقاً دائماً لموسم الامتحانات النهائية!.

هذا الخوف الذي يفسره البعض بأنه ردة فعل سابقة للعواقب المترتبة عن النتائج النهائية للامتحانات التي ستحمل بين طياتها عصارة جهد تم بذله خلال عام دراسي كامل، في حين يرى البعض أن الخوف، أو بعضاً منه، ضروري كي يكون دافعاً يحفز الطالب لبذل المزيد من الجهد في الدراسة، ما سيعود بالنتائج الإيجابية في النهاية على الطالب، ولكن ماذا لو استفحل هذا الخوف والرهبة من الامتحانات، هل سيؤدي إلى النتيجة نفسها في حال تجاوز المستوى المطلوب؟!.

فقدان الثقة

عندما يهدد الإنسان بأي خطر، يكون الخوف هو رد الفعل الطبيعي لمواجهة هذه الحالة، ويعود هذا الشعور لأسباب عديدة أبرزها التنشئة الاجتماعية، ولكن عندما نتحدث عن خوف الطالب من الامتحان، فإن أسبابه تكون إما أسباباً خاصة تعود للمدرسة، والجامعة، وأجواء التوتر والرهبة والخوف التي تضع الطالب بها قبل الامتحان وأثناءه، أو أسباباً خاصة بالأسرة، والعقوبة التي تهدد بها ابنها الطالب في حال فشل في تحصيل العلامات التي تريدها، وأخيراً لأسباب شخصية تعود لفقدان الثقة بالنفس، وشعور الطالب ذاته بعدم كفاءته في التحصيل العلمي، فالطالب عندما يخفق في امتحان معين نجده يعمم هذا الفشل على كل الامتحانات اللاحقة، وهنا يكمن دور الأهل في غرس الثقة بنفوس أبنائهم، وتحفيزهم على الدراسة، مع عدم التوعد لهم بالعقوبات في حال فشلهم، لأن ذلك يغرس الخوف في قلوبهم منذ مرحلة الطفولة، لتستمر هذه الحالة طوال العمر!.

جو مناسب

إعداد الطالب باستمرار على مدار الأيام، وإحاطته، وتركه على طبيعته، كل ذلك يحافظ على مدى استعداده لمواجهة أي مجهول، ويرفع من معنوياته عند الامتحان، ففي فترة الامتحانات، برأي الدكتورة رشا شعبان، “علم اجتماع”، تفرض الأسرة حالة من الطوارئ غير العادية، وللأسرة دور هام في تهيئة الجو المناسب لأبنائهم داخل البيت خلال فترة الامتحانات، لما لهذه الفترة من حالة القلق والتوتر النفسي في نفوس الطلاب للحصول على نتيجة مرضية، فعلى الأهل بذل الجهد لجعل أيام الامتحانات أياماً عادية غير مربكة للأبناء من خلال احترام قدرات الطالب كما هي، وعدم المبالغة في التوقعات والنتائج المطلوبة منه، وتوفير جو عائلي يسوده الحنان، والمودة، والهدوء، والتنشئة الاجتماعية التي تبني الثقة بين أفراد الأسرة، وكذلك الثقة بالنفس، وتعزيز عزيمة الطالب، وثقته بنفسه، وتشجيعه عند حصوله على نتائج جيدة، ورفع معنوياته عند حصوله على نتائج متدنية، وعدم حرمان الطالب نهائياً من الترفيه في أوقات الامتحانات، وتخصيص بعض الوقت لذلك خلال فترة الدراسة، وعدم مقارنة الطالب بزميل، أو بأخ له متفوق، لكي لا يحبطه ذلك أو يعيق تقدمه.

صعوبة المناهج

سمر سعد الدين، “أستاذة في كلية التربية”، لخصت لنا ما يعانيه التلاميذ من خوف ورهبة  قبل وخلال الامتحان، ويعود ذلك إلى ما يلجأ إليه المعلمون من شرح لصعوبات الامتحان، والأسئلة التي ستأتي، ما يجعل الطالب متوتراً وخائفاً من الامتحان، إضافة إلى أن إكثار المعلمين من التحدث عن المتفوقين، ومدحهم أمام زملائهم، يصيب القسم الآخر من الطلاب بالدونية، فيتضاعف شعورهم بالخوف من الامتحان، فالمعلم بهذا الأسلوب يظن أنه يحفز الطالب على المذاكرة، لكنه يسبب له نتيجة عكسية تتمثّل في زعزعة ثقة الطالب بنفسه، وكذلك فإن الخوف من الامتحانات يزداد مع جمود المناهج، وصعوبة الاختبارات المطروحة، حيث يتوجب إعطاء حصص توعية على يد المستشار التربوي، أما بالنسبة للطالب فعليه أن يحضر المادة بشكل أولي خلال الدراسة اليومية، وأثناء الحصص يجب عليه الإصغاء والفهم في الحصة نفسها، والاستفسار من أساتذة المدرسة والجامعة عن المواد غير المفهومة، كما أننا لا نستطيع إلقاء الخوف من الامتحان على عاتق المدرسة والجامعة، فتبادل الآباء مع الأبناء الاتهامات والتوبيخ والعتاب في حال فشل الطالب في الامتحان الأول، يؤدي إلى مضاعفة شعور الطالب بالقلق ليؤثر على تركيزه الدراسي، فمن الأفضل أن يترك الأهل العتاب جانباً، وأن يهيئوا عوضاً عنه الأجواء لاستدراك ما فات، فالمطلوب هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالتركيز في بقية المواد، كذلك لابد للأساتذة والأهل من الابتعاد عن المقارنة بين الطلاب وأقرانهم، وعدم جعلها سبباً من أسباب استمرار فشل الطالب، فالناس يتفاوتون في تلقي العلم واستذكاره، والاكتفاء بإعطاء بعض النصائح في مميزات من يجتهد، وما سيحصده، وعيوب من لا يجتهد، وما سيحصده أيضاً!.

ميس بركات