اقتصادصحيفة البعث

 “أرواد” على محك التنمية السياحية والاقتصادية والاجتماعية

تكاد تكون “أرواد” الجزيرة الوحيدة في صدر المتوسط التي تستعد لإطلاق مهرجانها السياحي في شهر آب القادم؛ فهذه الجزيرة يمكن أن تشكل – إن  تم تنفيذ ما يصاغ ويخطط لها من تنمية سياحية واقتصادية واجتماعية- الواجهة السياحية لسورية الحضارة والتاريخ والثرية بما تختزنه من مقومات متنوعة. ولعل ما يخفى عن الكثيرين أن أرواد التي تحظى اليوم باهتمام وجهود حكومية لتكون أيقونة المتوسط سياحياً واقتصادياً، كان أهلها أيام الرومان يستخرجون المياه العذبة من عمق بحرها بطريقة -لغاية الآن – لم نرتقِ لطريقة أبدع منها، تتمثل بإنزال قمع كبير من المعدن الثقيل لقاع البحر ورفع مياه الشفة العذبة للأعلى عبر أنبوب من الأقمشة المعالجة بطريقة خاصة يومذاك.

أمام اختبار

هذه الجزيرة الطبيعية وليس الصناعية أو المصطنعة، والتي احتضنت قبل أيام ورشة عمل مفتوحة أقامتها وزارتا السياحة والنقل ومحافظة طرطوس بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة في قاعة البرج الأيوبي بقلعتها، هي اليوم أمام اختبار الجهات المعنية، الهدف منه إعادة الألق ونبض الحياة إليها والارتقاء بواقعها في كافة المجالات لإظهار جمالها وتنميتها سياحياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وخدمياً. ومثل هذه الجزيرة الوحيدة لسورية، من حقها بعد مدة طويلة من الإهمال “الدلال” السياحي وبأرقى ما توصلت إليه الأفكار السياحية والاقتصادية العالمية، وهنا نكاد نجزم أن ما تحفل به أرواد من مزايا تنافسية وخاصة تاريخية وتراكم إبداعي لعمقها الفينيقي، حيث كان الفينيقيون رواد البحار بتجارتهم ومنتجاتهم ومصنوعاتهم ونقودهم واكتشافاتهم، نكاد نجزم أنها يمكن أن تجعل من شواطئها نقاط جذب واستثمار سياحي هامة، شريطة التوظيف الأمثل الذي يجمع بين العصرنة السياحية والموروث الإبداعي فكراً وصناعة وتجارة.

إقرار المخطط..

وزير السياحة المهندس بشر يازجي، أكد أن تأهيل جزيرة أرواد وتطويرها سياحياً يأتي في إطار التوجه الحكومي لتأهيلها وإنمائها، ولاسيما بعد إقرار المخطط التنظيمي السياحي، ما يجعل كلّاً منا معنياً بالعمل ومدركاً لدوره ومستعداً له، إلا أن موضوع تحسين الواقع الخدمي والمعيشي والسياحي للجزيرة كعامل جذب هام، يبدأ من العمل المدروس على توعية أهل الجزيرة للعمل معنا جنباً إلى جنب لتطوير واقعهم، الأمر الذي يؤدي حتماً إلى تدفق المزيد من الموارد، مشيراً إلى بعض محاور التحسين، وأهمها تحسين الواجهة البحرية، وإقامة منشآت صغيرة تخدّم السكان والزوار في آن معاً، والعمل على النقل البحري كخدمة أساسية وتحسينها، منوهاً إلى أن أهمية أرواد التاريخية ومكانتها تضاعف مسؤولياتنا تجاه الجزيرة، مبيناً أنهم ولكونهم جزءاً من الحكومة السورية وكسوريين مدركون خصوصية هذه الجزيرة السورية وأهلها.

فرصة تاريخية..

يازجي لفت إلى أنه إن كان الواقع اليوم يشير إلى اتجاه الجزيرة لتكون مكاناً سكنياً تتمدد فيه العشوائيات بشكل مؤذٍ للحاضر وللتاريخ والمستقبل، فإننا الآن أمام فرصة تاريخية تتكامل فيها الجهود الحكومية مع إرادة المجتمع المحلي للنهوض بها وتحويلها إلى مقصد سياحي متميز لائق بإرثها التاريخي، موجهاً دعوة مفتوحة للبدء بالعمل على جعلها جوهرة فريدة في خريطة السياحة السورية.

كما أكد يازجي أن تأهيل أرواد وتطويرها سياحياً، يعني أننا ندرك الاستحقاق الجوهري الذي تضعنا أمامه جزيرة مأهولة منذ أيام الفينيقيين، مشيراً إلى أن الحديث عن أهمية أرواد التاريخية والاقتصادية والملاحية، يضعهم بشكل مضاعف (كجزء من الحكومة السورية، وكسوريين مدركين لخصوصية هذه الجزيرة لسورية كلها ولأهلها خصوصاً)، أمام مسؤولياتهم تجاهها.

خارطة الخطة

وترجمة لتلك المسؤوليات، قدمت الوزارة ما يمكن أن نطلق عليه خارطة خطة عمل لتأهيل الجزيرة، تتوزع على أربع مراحل؛ تتضمن المرحلة الأولى تجميل وتحسين الواجهات في الجزيرة باستخدام نموذج من الألوان لطلاء المباني والإكساءات المستخدمة، وإزالة كافة التشوهات البصرية والمخالفات القائمة، إلى جانب واجهات المطاعم والاهتمام بالمرافق العامة وسوية الخدمات المقدمة.

بينما تشتمل المرحلة الثانية على تأهيل وتوظيف المسارات السياحية ضمن الجزيرة، والعمل على تأهيل وتوظيف كافة الفعاليات والمواقع التي يمر بها كل مسار، وتنفيذ المشاريع الخدمية والبدء بطرح المشاريع الصغيرة نسبياً للاستثمار. في حين يتم خلال المرحلة الثالثة عرض المشاريع الأكبر نسبياً للاستثمار السياحي (فندق التراث – متحف الشمع).

أما المرحلة الرابعة فيتم خلالها تأهيل وتوظيف المسارات السياحية ضمن الجزيرة والتي تشمل على ثلاثة مسارات سياحية، أولها المسار السياحي الرئيسي (المار بالبرج الأيوبي والسوق التجاري التاريخي وعدد من البيوت الأثرية وقلعة أرواد، انتهاء بالبرج العثماني في الجهة الشمالية الغربية للكورنيش البحري الدائري)، والعمل على تأهيل وتوظيف هذه المعالم والبيوت التي يمر بها المسار بحسب ما هو مقترح في المخطط التنظيمي (مطعم للمأكولات الشعبية – سوق للحرف اليدوية والصناعات التقليدية – محترف لصناعة مجسمات المراكب)، وطرحها للاستثمار بأسرع وقت.

وثانيها المسار السياحي الثانوي الذي يبدأ من الواجهة البحرية ويمر بعدد من المحلات التجارية والمواقع الأثرية ومواقع أخرى، وينتهي على الواجهة الغربية للجزيرة، والعمل على تأهيل وتوظيف المواقع التي يمر بها المسار بحسب ما هو مقترح في المخطط التنظيمي، وذلك من خلال البدء بطرح المشاريع الصغيرة نسبياً للاستثمار أولاً (المحلات التجارية – مطعم المأكولات البحرية – متحف الحياة البحرية..)

وآخرها المسار السياحي الدائري الممتد حول محيط الجزيرة، وتأهيل وتوظيف المواقع التي يمر بها (مركز الاستعلامات السياحي – المجمع التجاري المتضمن عدداً من المحلات التجارية المتنوعة ومطاعم الوجبات السريعة ونادي الغطس – المنطقة الحرفية لصناعة المراكب – مقاهي الأرصفة- مطاعم شعبية – حدائق ومتنزهات).

بانتظار..

رئيس لجنة متابعة المشاريع في محافظة طرطوس وزير النقل المهندس علي حمود، أكد أهمية التعاون مع الجهات لتقديم كافة الحلول للوصول بالجزيرة إلى أفضل ما يمكن لجعلها منافسة للجزر الموجودة في البحر الأبيض المتوسط ، مشيراً إلى عمل الوزارة لتحسين النقل إليها، والتمييز بين أنواع المراكب التي يتم استخدامها (مراكب الصيد، السفر، الشحن، النقل، النزهة)، منوهاً بأن يكون لكل نوع من المراكب شكل ولون مختلف، وتشجيع العمل على الصناعات البحرية وخاصة صناعة القوارب، وكذلك صناعة الشباك وكل المهن التي برز فيها أهلنا في أرواد سابقاً، مضيفاً أنه من خلال لجنة المتابعة يتابعون مع الوزارات الأخرى تلبية متطلبات الجزيرة وإعطاءها الرونق الذي تستحقه، مؤكداً أن الأفكار الجميلة التي طرحت خلال ورشة العمل ستكون بموضع الاهتمام والتنفيذ.

وفي السياق ذاته تم خلال الورشة عرض المخطط التنظيمي لأرواد الذي يتضمن تحليل الوضع الراهن وخاصة التنمية السياحية الاجتماعية الاقتصادية، وجمع وتوثيق المعلومات، والدراسة التحليلية، والناحية العمرانية ودراسة نسيجها، ودراسة مصادر المياه والطاقة، والخدمات الصحية والأنشطة الاقتصادية، ودراسة تاريخ الجزيرة وإظهار حضارتها وتاريخها، وكيفية الترويج والتسويق، وإدخال النشاطات السياحية بما ينعكس إيجاباً على أهالي الجزيرة، وإيجاد فرص عمل لهم.. وبانتظار الانتقال من حالته النظرية إلى العملية، ستظل الجزيرة محكومة بالأمل.

أول الحلم..

لا يسعنا إلاَّ التفاؤل والحلم، ولعل ما يعزز ذلك مشروع فينيقيا في الجزيرة الذي دخل التنفيذ لإقامة فندق وشاليهات من سوية 4 نجوم على مساحة 7 دونمات، ستضم أكثر من ٧٠ غرفة وسويتاً فندقياً، إضافة إلى عدة مطاعم بسعة ٦٠٠ كرسي إطعام، و١٢ شاليه منفردة، وملحق مارينا للزوارق واليخوت يتسع لأكثر من ٣٠ قارباً ويختاً سياحياً، حيث تقدر كلفته الأولية بـ 5 مليارات ليرة سورية.

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com