رأيصحيفة البعث

“السياسة في أسوأ تعبيراتها”

 

في كل لحظة ومع كل إطلالة، يثبت البعض من الساسة “الكبار” أنهم تجسيد حيّ لمقولة “السياسة في أسوأ تعبيراتها”، وإذا كان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، بمواقفه المعروفة، يتصدر ترتيب هؤلاء بجدارة مطلقة، والأمريكيون يعرفون ذلك حتى وصل الأمر براعٍ رسمي للإرهابيين في سورية مثل السيناتور الجمهوري “جون ماكين” إلى التبرؤ منه حين أوصى بمنعه من حضور جنازته حال وفاته، إلا أنه، أي ترامب، يتعرض لمنافسة شرسة من رؤساء آخرين كـ”ماكرون” الذي أعلنت بلاده، في مفارقة غريبة، بعد مشاركتها بعملية “البلطجة” الثلاثية على سورية، أنها “لا تنوي إسقاط الحكومة السورية، إلا أنها تعارض انتقال السيطرة على الأراضي، التي تمّ تحريرها من قبضة التنظيمات الإرهابية، إلى القوات السورية الحكومية”..!!، في الوقت ذاته الذي كان مسؤول سابق في “لافارج” يكشف لقضاة التحقيق “عن تعاون الشركة مع الإرهابيين في سورية بعلم المخابرات الفرنسية”..!!.
وبالطبع قيل الكثير، وكُتب الكثير، عن “ساسة الصدفة” وعصر “اللاعقلانيّة” في العلاقات الدوليّة، حيث يكثر أتباع “نظرية اللعبة السياسية” وممارسيها بصورتها الخاطئة في ظل بيئة استراتيجية تتسم بالغموض و”الجنون”، وعدم احترام سيادة الدول، أو التقيد بموجبات قواعد الشرعية الدولية، عصر سيطرة المافيات الدولية المالية العابرة للقارات، تحت أسماء براقة ومهام دولية مزعومة، تساهم عبر فروعها المتعددة في إنتاج “قادة” اقتصاديين وسياسيين من خارج النادي السياسي التقليدي، تغلب عليهم عوارض المراهقة السياسية، ويفتقرون للخبرة والتجربة التي تؤكد حقيقة محدودية القوة العارية للسلاح في صراع الإرادات التاريخي المبني على عوامل عدة ليس السلاح سوى أحدها، وهو ما يعني ضمناً مساهمتهم في خلق وترسيخ بيئة استراتيجية مفتوحة على “سيناريوات” واحتمالات متعددة قد يكون الآتي منها أعظم مما شهدناه حتى الآن، خاصة في ظل المرحلة الانتقالية التي يعيشها العالم في أيامنا هذه.
وكما أسلفنا يبرز “ترامب”، وسياسته إذا جاز القول، كأبرز تعبير عن مقولة “السياسة في أسوأ تعبيراتها”، فالرجل الذي لم يع بعد مخاطر اللعب بالتوازنات الدولية والحقوق التاريخية للشعوب، يحاول بمنطق “البلطجي المبتز” – يعرف الرجل أن التفاوض مع العرب لابتزاز أموالهم مازال يدور وفق نظرية “الشيخ والخيمة” الشهيرة، لذلك يرفع صوته أملاً برفع السعر – أن يحوّل شهر أيار الحالي إلى “أخطر شهر منذ عام 1967” عبر ما يحاول فعله سواء في “القضية الفلسطينية”، أو “الاتفاق النووي الإيراني”، رغم معارضة حلفائه العلنية في أوروبا، متجاهلاً أن “لعبه” وابتزازه هذا قد ينجم عنه مخاطر جمة وحقيقية تهدد باشتعال الإقليم، إن لم يكن العالم برمته.
بيد أن التعبيرات الأسوأ للسياسة لا تقتصر على “ترامب”، أو ساسة الغرب وحدهم، وعلى مبدأ أن المغلوب يقلد الغالب في كل شيء، هناك بعض العرب الذين لا يستطيعون التهرب من هذا السباق على اللقب الأسوأ، فقبل أيام قليلة جداً من موعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مع ما تحمله هذه الخطوة من مخاطر كبيرة على الأمن القومي العربي، قرر هؤلاء المواجهة، فكلفوا وزراء الإعلام العرب برئاسة السعودية!!! “بحث” التصدي الإعلامي للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”، فيما وزراء دفاعهم مشغولون بقتل بقية العرب في سورية واليمن والعراق وليبيا، ووزراء خارجيتهم يعلنون على لسان أحدهم أن “مقاومة إسرائيل كلام فاضي”..!!.
إنها “السياسة في أسوأ تعبيراتها”، يعبّر عنها “ساسة الصدفة” الذين يجمعهم “وهم القوة” و”وهم الحزم”، ويساندهم “وهم المال” الذي لا ينضب، ومع ذلك هناك نافذة للأمل بعقلنة السياسة يقدمها “الميدان” وحده، سواء السوري أو الفلسطيني أو اليمني، ففيه شباب باعوا، ويبيعون في كل لحظة، أرواحهم فداء لقضية حملوها، ووطن حملوه أجنة، ورضعوا حليبهما أطفالاً، واستشهدوا لأجلهما شباباً وشيباً، وبدمائهم يُكتب التاريخ، و”أيار” شهرهم لا شهر “ترامب وأضرابه.

أحمد حسن