ثقافةصحيفة البعث

حسان نشواتي يحاضر عن سمات البيت الدمشقي ومعالمه

تمثل الباحث المهندس حسان نشواتي مقولة ابن جبير الذي تغنى بدمشق ووصفها بأنها جنة المشرق وعدّ مطلع حسنه المؤنق خان أسعد باشا أجمل خانات المشرق، وقال: إن قبابه تذكر بفنّ عمارة كنيسة القديس بطرس في روما، وواجهته توحي بفنّ العمارة في البندقية في عصر النهضة، بما كانت عليه من الإبداع والجمال والتناسق” ليصل إلى ما قيل أيضاً بأن شعباً يوجد على أرضه هذا الخان لاتموت فيه الفنون، كمدخل لوصفه البيت الدمشقي بعراقته وأصالته وفنونه وعمارته والذي كان حاضراً في أيام مهرجان التراث السوري الخامس الذي  حفل بمختلف الفنون والحرف اليدوية  للتعبير عن التمسك بتراثنا الذي يعكس هويتنا وثقافتنا.

ترافقت أيام المهرجان مع سلسلة ندوات منها، الندوة التي قدمها الباحث حسان نشواتي في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- حول سمات البيت الدمشقي ومعالمه، وعاد فيها إلى كتب التراث التي وصفت جماليات البيت الدمشقي وفنونه وإلى مجموعة صور وثّقت معالم أجمل بيوتات دمشق، منها بيت جبري والحسيني والسباعي والموصللي وقصر العظم ومكتب عنبر، كما عُرض فيلم قصير جسد مع نغمات الموسيقا معالم الحارة الدمشقية بيوتها مآذنها كنائسها محالها.

وقد تفاعل الحاضرون مع وصف الباحث الممتزج بروح الذكريات، لاسيما أنه وُلد ونشأ في بيت دمشقي عريق في حيّ القيمرية، فتسربت حميمية وصفه إلى الحاضرين الذين أحسّوا بالحنين إلى الماضي بكل ما يحمله من قيم وجماليات، واقترح الحاضرون أن تخصّ وزارة الثقافة البيت الدمشقي بكتاب موثق بالصور الملونة لكل معالمه، وأوضح الباحث نشواتي بأن مديرية التراث الشعبي ممثلة بالسيدة أحلام الترك تسعى إلى ذلك.

البيوت المتعانقة بالياسمين

لم يبدأ المحاضر نشواتي من البيت الدمشقي الذي وصفه بعالم نُسج من الماء والخضرة، إذ ارتأى أن يعود بذاكرته إلى الحارة الدمشقية المعشقة بالياسمين إلى الأزقة المتعرجة، إلى تناثر الورود والعرائش فوق الجدران الطينية، ليصل إلى تداخل الكتل المفعمة بالأحاسيس البشرية التي خطها الدمشقي المبدع الذواق فغدت أجمل اللوحات، ويتابع عن البيوت المتعانقة المتآلفة المشكّلة نسيجاً للأزقة التي وصفها بالشريان، والبيوت هي الخلايا التي تعيش على الشريان، ليمتد وصفه إلى العيش المشترك بين جميع الأديان والمذاهب.

وتوقف النشواتي عند ساقي الأزقة بالمياه وحامل القربة الجلدية، وسيارة البلدية التي ترش الطرقات. ثم تحدث عن بعض المعالم مثل الجامع الأموي والنوفرة وباب جيرون وخان أسعد باشا والساحات، مثل ساحة الدوامنة في القيمرية المخصصة لباعة دوما.

وانتقل الباحث إلى البيت الدمشقي والباب الخشبي الذي يخفي خلفه جنات الفردوس التي عبّرت عن انسياب الخيال ورمزية الفكر، ويتميز بسقاطتين، والسقاطة هي مطرقة لقرع الباب وتكون على شكل حلقة أو يد من الحديد، واحدة لسكان البيت والأخرى للضيوف، وتابع عن أدبيات دخول الضيف إلى البيت بحمل أعواد الياسمين الخضراء إذا لم يحضر معه شيئاً، إلى الدهليز وهو الممر المعتم الطويل الذي يفصل بين الخارج والداخل ويكون أشبه بأنشودة ترحيب بالساكن أو الضيف تبلغ قفلتها حينما تطأ قدماه فناء البيت بمفردات الترحيب، إلى ارتفاع البيت الذي كان بعلو طابقين مع الطيارة- غرفة منفردة في أعلى المنزل على السطح- وفناء البيت الذي احتوى النارنج وأوراق الليمون والفل والورد والياسمين والكباد والمشمش، أما الجدران والأسقف فبُنيت من اللبن المدعم بالأعمدة الخشبية ليتوقف عند المداميك وهي القسم الأول من الأعمدة الملبسة بالحجر فوق الأرضية، وتزيينات الأرضية بالأبلق المتناغم بين قطع الرخام الأسود والأبيض أو الأسود والزهري.

وفصّل بتقسيمات البيت الداخلية ابتداءً من الدهليز إلى الديار إلى البحرة إلى المربع والليوان والدوار والمشرقة والقاعة والمخدع والخصّ مبيناً وظيفة كل جزء من أجزاء البيت وأهميته. وتوقف الباحث نشواتي عند الرسوم والنقوش لفنّ العجمي والخط العربي وعن الآيات القرآنية وأبيات الشعر المنقوشة على الأسقف والجدران، وعن المنمنمات الفنية والزخارف المذهبة والمعتقة، وعن التمازج الرائع مع الرخام والتناظر بالرسومات الهندسية، ليصل إلى السقف العجمي وفي وسطه ينقش تاريخ البيت من خلال الأرقام، وأفرد الحديث عن زخارف الفسقية وتخاريمها وهي البحرة الصغيرة الموجودة داخل القاعات الداخلية والغرف لتبريد الجو في أيام الحرّ، فتتغلغل المياه بين زخارفها المنقوشة على سطحها لتعلوها النوفرة، فيتسرب خرير المياه إلى سكان المنزل.

وتابع الباحث نشواتي حديثه عن سمة توظيف الفراغات المدروسة التي تخلق عازلاً في الحرّ والبرد وعن الغرف العلوية – التي تدعى الفرنكة في القسم العلوي من المنزل التي تستخدم في أيام البرد، لينهي وصفه للبيت الدمشقي بأن الدمشقي لم يترك حيزاً من البيت إلا وجعله لوحة فنية. وشارك الحاضرون بمداخلات عن طبيعة الحياة الأسرية في البيت الدمشقي، وعن النظام السائد فيه بإدارة الجد، وعن التوافق والمحبة والعلاقات اجتماعية التي باتت مفقودة في زمننا الحالي.

ملده شويكاني