تحقيقاتصحيفة البعث

الطــلاق.. منافسة قانونية بين الشريكين للاحتفاظ بالأطفال.. وحل قسري على حساب الحياة العائلية! 

لم يعد الطلاق من أبغض الحلال، فمعظم الإحصاءات تشير إلى ازدياد نسبة الطلاق في سورية، حيث بلغت 7300 حالة خلال العام الماضي، وهناك أسباب عديدة ومختلفة ساهمت بهذا الارتفاع، أهمها أن الزواج يكون نتيجة الخوف من مخالفة التقاليد المرتبطة بعائلة الزوجين، كالزواج في سن مبكرة، أو الزواج فقط من الأقارب، أو الزواج بأي شخص خوفاً من العنوسة، وهنا القناعة الكافية بفكرة بناء الأسرة مغيّبة تماماً عن أذهان المتزوجين، وأغلبهم لا يملكون الوعي الكافي حول العقبات والمشكلات التي يمكن أن تعترضهم في حياتهم المقبلة، وكيفية تلافيها، ففكرة الزواج تعتمد على فهم الشريك جيداً قبل الإقدام على هذه الخطوة، وهنا يجب ألا ننظر إلى الطلاق من منطلق سلبي، بل يجب إيجاد الحلول لما بعد الطلاق، وخاصة فيما يتعلق بحياة الأطفال ما بعد الطلاق، فمعظم المطلقين تبدأ هواجس الانتقام من الشريك من خلال الأبناء.

ازدحام

يسعى الزوجان المطلقان لامتلاك الأطفال، فالانتصار في معركة الطلاق مبني بالحصول عليهم، ومنع الشريك من رؤيتهم، فتكبر المشكلات أكثر، ويزداد التأثير السلبي على الأطفال من خلال حصول أحد الطرفين على الحضانة، ولا يبدو أن فكرة الإراءة المتبعة في القانون السوري كافية لحل النزاع بين المطلقين، وإبعاد الطفل عن الخلافات العائلية، بل على العكس تماماً فإن لمراكز الإراءة تأثيرها السلبي على مشاعر الطفل، وهنا توضح  المحامية سلمى جنود واقع مراكز الإراءة، فهي غير مؤهلة لوجود الأطفال، واستقبالهم للأهالي في مناخ يسمح بلقائهم  نتيجة الازدحام الشديد، وعدم وجود الألعاب، والمساحات الخضراء الكافية، بالإضافة إلى ضيق الوقت، لأنه مرتبط بالدوام الرسمي، وهي عوامل تزيد من معاناة الأطفال والأبوين، كما تفتقد تلك المراكز للكوادر المتخصصة من مرشدين نفسيين، واجتماعيين، ليحل مكانهم عناصر من الشرطة لمنع المشاحنات بين المطلقين، والتي تصل إلى الضرب في الكثير من الحالات!.

واقع جديد

لم يصل مجتمعنا إلى الآن لصيغة راقية تحفظ كرامة الأطفال والمطلقين، ففكرة الطلاق بحد ذاتها تعتبر من العقد الاجتماعية التي لم تجد حلاً إلى الآن، والسبب هو الرفض لفكرة الطلاق، وعدم تقبلها دينياً، واجتماعياً، الباحثة الاجتماعية ريم ميا تحدثت عن الجانب الاجتماعي للطلاق، فرغم ازدياد نسبته، إلا أن معالجة آثاره مازالت ضمن قوانين وأنظمة ضعيفة تزيد الأمر سوءاً، وتحول الطلاق من نتيجة طبيعية لعدم الوفاق إلى حالة من الدمار الأسري الذي يطال كل أفراده، وبحسب ميا فإن تغييب دور الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين عن ساحات الطلاق يفقدها الكثير من التعامل المنطقي والطبيعي، ووضع النقاط على الحروف، ليتفهم كل فرد في العائلة الواقع الجديد الذي يجب العيش فيه دون أية أفكار سلبية أو أحقاد وضغائن، وتقبل الطلاق على أنه حالة طبيعية يمكن أن تحصل بين أي زوجين، وأنه لا يؤثر على العلاقة ما بين الأطفال وآبائهم، أو حتى على مستوى حياتهم الخاصة.

بداية

اعتقادنا بأن الطلاق يدمر حياة الأسرة بات فكرة مبتورة تماماً، فالحقيقة تقوم على التفاهم في أية حالة من الأحوال، أي أن الطلاق بالتفاهم والاتفاق بين الطرفين يتحول في كثير من الأحيان إلى بداية حياة جديدة تحمل الكثير من الاستقرار النفسي والعاطفي لأفراد العائلة، حيث يتم ترتيب شؤونهم ضمن نظام مختلف، لكنه يحترم خصوصيتهم، الدكتور النفسي لؤي حمدان يبيّن أن الزواج عبارة عن مؤسسة فيها طرفان يشتركان في بنائها، وإذا حصل أي خلاف بينهما يكون الحل الطبيعي بفض الشراكة بالحسنى، والتزام كل طرف بحقوقه وواجباته، ولكن في مجتمعاتنا لا توجد قناعة بهذا المفهوم، فهناك العديد من العائلات تعيش تحت ضغوط نفسية وعاطفية للحفاظ على عائلة هي بالواقع مفككة، والطلاق فيها مخفي وليس علنياً، وهذه الحالة تفرز مشكلات أكبر وأعمق من الطلاق، وتؤدي إلى الكثير من المشاحنات والمشكلات اليومية، لذلك لا مشكلة في اتخاذ قرار يحمي جميع الأفراد، وبالنسبة للأطفال فإن طلاق الأبوين يعد أفضل بكثير من مشاهدتهما في نزاع دائم يملؤه الصراخ والضرب والإهانة، وهذا بالعموم يؤثر على أخلاق الطفل، ويعلّمه التعامل بعنف مع أقرانه، والمحيط الذي يعيش فيه، لذلك لابد من إيجاد متخصصين يقدمون النصائح للعائلة بعد قرار الطلاق، وتوجيهها نحو حياة مستقرة، مع الحفاظ على محبة واحترام كلا الأبوين.

احتضان اجتماعي

تحتاج معظم القوانين في الجهات التنفيذية للمحاكم المدنية إلى مراعاة العامل الإنساني والاجتماعي للأفراد، بحيث تقدم لهم الوعي المطلوب في اتخاذ القرارات التي من شأنها دعم الأفراد للحصول على حياة أفضل، وهذا ما دفع العديد ممن يعملون في هذا القطاع للمطالبة بالخبرات والكوادر الاجتماعية والنفسية لتطوير عمل المحاكم، ومجالسة العائلة مع بعضها لوضع الحلول، وتوضيح وجهات النظر، وأسباب الطلاق، واللجوء إلى التفاهم كحل أمثل، ثم احتضان العائلة التي يحصل فيها الطلاق خلال مدة الإراءة بعيداً عن أية مؤثرات أخرى كأهل الأم، أو أهل الأب، أو الأقارب، منعاً من تشويه سمعة أحد الأبوين أمام الأطفال، على أن تكون فترة احتضان العائلة كافية لتحصينهم من أية نزاعات يختلقها أحد الأطراف نتيجة ضغط الأهل.

ميادة حسن