تحقيقاتصحيفة البعث

العطلة الصيفية.. برامج ونشاطات ترفيهية ونواد لصقل المواهب ولكن بأسعار عالية!  

انقضى اليوم الامتحاني الأخير الذي كان يفصل علي ابن العشر سنوات عن العطلة الصيفية  ففي آخر أيامه في الصف الرابع، كانت مادة اللغة العربية المادة الأخيرة التي امتحن بها، ورغم حبه لقواعد اللغة، وعشقه لتعلّم أسرارها، وامتلاكه موهبة فريدة بإلقاء الشعر، وحفظه، لم يطق ذلك الفتى موعد انقضاء الامتحان وانتهائه، لينطلق مع باقي أصدقائه إلى تلك الفسحة والمتنفس في فصل الصيف، والعطلة التي ينتهي في أيامها كل ذلك الروتين الممل الذي اعتاد معه علي على الاستيقاظ المبكر، والفطور، ثم التوجه إلى المدرسة، وتلقي الدروس والواجبات، والعمل على حلها وإنجازها حين يعود.

علي كأي طفل يتلهف للعطلة الصيفية، ويخطط لقضاء الكثير من الوقت باللعب والمرح مع الأصدقاء، ويردد تلك العبارة الشهيرة بين الأطفال حين تسألهم عن النشاطات التي يخططون لها، فتكون الإجابة مختصرة: “لعب وراحة ونوم عالطراحة”، لكن للأهل الذين يبحثون عن مستقبل مشرق لأطفالهم رأياً مختلفاً، إذ ينتظرون انتهاء العام الدراسي، وبدء موسم الصيف لصقل بذور مواهب أبنائهم، وتنميتها بتسجيلهم في نواد، وتعليمهم لنشاطات مسلية، ربما لن تكون بالملل نفسه الذي يعرفه الطلاب في أوقات الدراسة!.

صقل للموهبة

يتحدث والد الطفل علي عن موهبة ابنه في الإلقاء وحفظ أبيات الشعر، ويقول: عندما كان طفلي في الرابعة من عمره، بدأت موهبته بجرأة لافتة في الإلقاء، وما ساهم في تطوره آنذاك انتسابه لأحد النوادي الصيفية، خاصة أن شخصية الفتى قوية، ويتمتع بجرأة وفصاحة، حيث يطلب مدرّسوه منه دائماً إلقاء الشعر، وسرد النصوص الأدبية في الصف بثقة، وقوة، وأسلوب مبدع، ومنذ ذلك الوقت قمنا برعاية موهبته، وتدريبه على الإلقاء، حيث ألقى بعض القصائد في بعض الفعاليات التابعة لمنظمة الطلائع، وحقق نجاحاً باهراً، ثم توالت مشاركاته في عدة فعاليات، وبالنسبة لفترة الصيف يؤكد والد علي بأنه لا يمانع على الإطلاق أن يقضي ابنه بعض الوقت في الاستراحة، واللعب مع أصدقائه، ولكن في المقابل التميز يكون بالعمل والمثابرة، لذلك فالنادي الصيفي الذي تقيمه مدرسته لمتابعة مواهب التلامذة وصقلها وتنميتها، هو أمر لا غنى عنه حتى مع استراحة فصل الصيف، لأنه صقل للموهبة وتنمية لها.

أماني العطلة

في مكان آخر تودع مايا أصدقاءها، وآخر أيام صفها الثالث في مدرسة نصوح بابيل بامتياز كبير، ونتيجة مشرفة تتوقع الحصول عليها في علاماتها المدرسية، سعادة لا توصف تشعر بها الفتاة التي تتطلع إلى أمنيات كثيرة، وأحلام عريضة في استراحة الصيف القادم، فموهبة الغناء التي تمتلكها الصغيرة مايا تنتظر الصقل، وشغفها بالموسيقا بحاجة إلى من يرعاه ويطوره، تقول الفتاة إنها تلقت وعداً من والدها بتسجيلها في ناد صيفي هذا العام لتعلّم العزف والموسيقا، وهو ما سيتيح لها تطوير موهبتها في فترة الاستراحة، تشارك أليسار صديقتها مايا بالأحلام والأماني في صيف هذا العام، لكنها لم تختر بعد نشاطاً محدداً تعتزم تطويره والمثابرة عليه في العطلة الصيفية، فتقول بتردد تاركة خيار الحسم لوالدتها: أريد أن أتعلّم فناً قتالياً، ربما الكاراتيه، حينها لا تتردد والدة أليسار التي كانت حاضرة أثناء الحديث بالتدخل والإجابة نفياً بأنها لا تريد مزيداً من العنف، وتأخذ مبادرة الحديث عن ابنتها: ربما أعمل لاحقاً على تسجيلك ومشاركتك في ناد صيفي لتعلّم السباحة، تومئ أليسار برأسها في إشارة لفكرة راقت لها.

بذور تنمو

الموهبة نعمة من الله تعالى قد تنمو وتتطور، وقد تذبل وتموت، يؤكد معظم الاختصاصيين التربويين هذه الحقيقة، فعند حديثهم عن ضرورة دعم مواهب الأطفال السوريين وتشجيعها في بداية فصل الصيف الحالي، رغم كل الظروف المحيطة، يرون أن الاهتمام بالطفل هو الأولوية في بناء المجتمع أياً تكن الظروف، ويوضح مختصون في علم النفس بأن نمو الموهبة يتوقف على عوامل عدة متوفرة في البيئة التي يعيش بها الفرد، وأهمها الخلية الأولى في المجتمع وهي الأسرة التي لها دور كبير في رعاية الموهبة، وتشجيع من يمتلكها من خلال الملاحظة، والمتابعة، والرعاية، والتشجيع، سواء كان مادياً أو معنوياً من قبل الأسر، فيلعب ذلك دوراً كبيراً في صقل المواهب واستمرارها، وإلا سيتم إجهاض المواهب واضمحلالها في حال لم تتوفر الرعاية الملائمة، والمطلوب عند اكتشاف الموهبة العمل من الأهل على تطويرها، وذلك من خلال تشجيع الأهل أطفالهم وتسجيلهم في أندية تعنى برعاية المواهب، كما أن على الأسرة دائماً تشجيع أطفالها للمشاركة بالفعاليات المتنوعة، ومكافأة أطفالهم باستمرار تعزيز دورهم، ومن هنا فهواية الأطفال تحتاج بالدرجة الأولى لمتابعة الأهل، وسقي هذه البذور لتنمو وتنتج شيئاً مفيداً للمجتمع، وهنا تبرز أيضاً أهمية النوادي الصيفية لتشجيع الأطفال على تنمية مواهبهم في فصل الصيف، ومنع اضمحلالها، فيجب تشجيع الأطفال للاستفادة من فترة استراحتهم من المدرسة بتطوير ذاتهم، وصقل مواهبهم، وتحقيق الفائدة المرجوة، بما يعود على الطفل بحد ذاته، وعلى المجتمع بشكل عام.

 

ارتفاع الأجور

ورغم أن للنوادي الصيفية أهمية كبيرة في دعم الطلاب، واكتشاف مواهبهم وتنميتها، يشكو الكثير من الأهل ارتفاع أجور هذه الأندية، وتحولها إلى متاجر لجمع المال من الأطفال وذويهم، ويحاول الكثير منهم نتيجة لهذه الحال وضع أطفالهم في أندية تابعة لهيئات أهلية، أو مؤسسات غير ربحية، في حين يجد البعض منهم أنفسهم مرغمين على تسجيل أطفالهم في أندية خاصة للرعاية والاهتمام، ونوع النشاط المتوفر، فالأندية غير الربحية لا توفر إلا نشاطات محدودة وبسيطة، في حين يكون الاهتمام مختلفاً في الأندية الخاصة، وهو الأمر الذي يتطلب خططاً تربوية خاصة تنظر في وضع تلك النوادي الصيفية، ومراقبتها، والحرص على أن يستفيد جميع الأطفال منها في دعم مواهبهم، وصقل بذور الإبداع لديهم، ويجب على كل الجهات المعنية وذات الصلة أن تهتم بشكل فعلي بجميع هذه النوادي، وتقديم الدعم والرعاية لنشاطاتها.

محمد محمود