دراساتصحيفة البعث

انتخابات أردوغان المبكرة وفوبيا السقوط

علي اليوسف

مفاجأة خرج بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعلانه انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في تركيا في الرابع والعشرين من حزيران المقبل، بدلاً من الموعد السابق الذي كان مقرراً في تشرين الثاني 2019، وهو موعد ارتبط بترتيبات متعلقة بالتعديلات الدستورية الرئاسية، التي تم الاستفتاء عليها في الرابع من نيسان 2017. قد يرى الكثيرون أن القرار الذي اتخذه أردوغان كان بدافع تفعيل نتيجة استفتاء نيسان 2017، ولكن السؤال هو: لماذا يريد أردوغان إجراء هذه الانتخابات في وقت قريب، خاصةً أنه يمكنه الإبقاء على موعدها العام المقبل في تشرين الثاني 2019؟.

خطوة متوقعة
القرار الذي اتخذه الرئيس التركي لم يكن مفاجأة، بل كان من المتوقع القيام بهذه الخطوة حتى من العام الماضي 2017، حيث توقعت مجلة “تايم” الأمريكية هذه الخطوة في تقريرها المنشور في 19 نيسان 2017، الذي ذكرت فيه أن فوز الرئيس أردوغان في الاستفتاء لم يكن إلا مجرد خطوة أولى، والخطوة الثانية له بعد الاستفتاء هي الفوز في الانتخابات الرئاسية، وشككت المجلة حينها أن ينتظر أردوغان إلى نهاية عام 2019 لإجراء الانتخابات الرئاسية، مؤكدةً أن لديه أسباباً ودوافع من أجل إعلان الانتخابات قبل ذلك الموعد.
في الحقيقة ظلت خطوة الانتخابات المبكرة مطروحة طوال الوقت أمام أردوغان، وهو الذي ألمح شخصياً- قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية- أنه في حال صوت الأتراك بعدم الموافقة على التعديلات، فإنه سيدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، إذاً ما هي الدوافع الحقيقية لإجراء هذه الانتخابات المبكرة؟.

تدهور الاقتصاد التركي
من الواضح أن أردوغان لديه ثلاثة أسباب رئيسية دفعته لإعلان إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، يكمن السبب الأول في الاقتصاد التركي المتدهور، إذ مازالت التخوفات الاقتصادية والمالية قائمة في الوقت الحالي، وهذه التخوفات الاقتصادية لا تتعلق فقط بشؤون الدولة، ونفقاتها، وإنما أيضاً بالشعب التركي، وبالتالي فإن سبب تدهور الاقتصاد التركي خلال الفترة الأخيرة جاء نتيجة عدة أسباب أبرزها التكاليف الكبيرة التي تحمّلتها الدولة التركية في مقابل التدخل العسكري في سورية، ما ساهم بشكل أكبر في تدهور الأحوال الاقتصادية لدى الكثير من السكان الأتراك، حيث ارتفعت نسبة البطالة العامة إلى 13%، وهي النسبة الأكبر التي تبلغها تركيا منذ سبع سنوات كاملة، فضلاً عن وصول نسبة البطالة في أوساط الشباب الأتراك إلى 24.5%، وارتفاع الديون الخارجية التركية إلى ما يزيد عن 200 مليار دولار بسبب انخفاض قيمة العملة، ناهيك عن نية أردوغان اللجوء إلى سياسات تقشفية عاجلة لمواجهة الأزمات الاقتصادية، ما سيضر بمصلحة المواطنين ويزيد من أعبائهم المالية، وهذا ما يزيد من حالة الاحتقان في الشارع، وارتفاع وتيرة الغضب ضد الحزب الحاكم في البلاد، وبالتالي فإن إجراء الانتخابات الرئاسية في وقت أقرب يضمن لأردوغان حصوله على التأييد قبل أن يزداد الوضع الاقتصادي سوءاً، وهو ما قد يترتب عليه غضب شعبي قد لا يستطيع أردوغان تفادي توابعه إن حدث.
في هذا السياق، يقول نيكولاس دانفورث المحلل في مركز بيبارتيسان بوليسي في واشنطن: “بدعوته إلى انتخابات مبكرة في حزيران، فإن أردوغان يعتقد أن شعبيته، ولو على الأقل في المستقبل القريب، قد وصلت لذروتها، ربما يشعر بقلق من أنه إذا استمرت المشكلات الاقتصادية في تركيا في التفاقم فإنها ستؤثر على شعبيته”.
بدوره قال فادي هاكورا المحلل التركي لشبكة سي.ان.بي.سي الأمريكية التلفزيونية: إن هذه الخطوة دلالة على حالة الذعر التركي وسط تدهور الاقتصاد، وإن دعوة أردوغان للانتخابات هي علامة على ذلك.
أما الباحث لدى معهد واشنطن سونر جاجابتاي فقد قال إن جميع الاحتمالات تصب في صالح أردوغان. بدءاً من حالة الطوارئ التي يستخدمها لقمع المعارضة، وصولاً إلى السيطرة شبه التامة على الإعلام، وإن الجائزة التي سينالها المنتصر في حزيران تتمثل في سلطات لم يسبق لها مثيل تقريباً منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك على أنقاض الامبراطورية العثمانية قبل نحو قرن من الزمان. وقال: “سينتهي وجود مكتب رئيس الوزراء، وسيصبح أردوغان رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس الشرطة ورئيس الجيش ورئيس الحزب الحاكم”.

تمديد حالة الطوارئ
السبب أو الدافع الثاني الأبرز الذي دفع أردوغان إلى الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يتمثل في حالة الطوارئ، ففي الوقت الحالي، يضطر أردوغان إلى تجديد وتمديد حالة الطوارئ كل فترة، حتى تمنحه بعض الصلاحيات التي وافق عليها الشعب التركي في تصويت الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي جرى العام الماضي، ولكن ما في الأمر أنه لا يستطيع الحصول على جميع الصلاحيات المنصوص عليها في الاستفتاء إلا بعد إجراء انتخابات رئاسية، وبالتالي فإن إجراء الانتخابات سيكون بالتأكيد حلاً أفضل من تمديد حالة الطوارئ، كما أنها ستمنحه مزيداً من الصلاحيات أكثر من تلك التي تمنحها له حالة الطوارئ.
وعن هذا الموضوع، قالت هيذر ناورت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية في إفادة صحفية: “خلال حالة الطوارئ سيكون من الصعب إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة بالكامل بما يتسق مع القانون التركي، وأيضاً مع التزامات تركيا الدولية”، مشيرةً إلى أن تركيا تخضع لحالة الطوارئ لما يقرب من عامين بعد محاولة انقلاب تموز 2016.
أما آرون ستاين، وهو زميل في مؤسسة “أتلانتك كاونسل” البحثية، فقد أكد أن أردوغان كانت لديه “قائمة من الخيارات” تشمل الالتزام بموعد تشرين الثاني 2019، أو إجراء انتخابات في تموز أو آب من هذا العام، وقال ستاين: “في النهاية قرر اختيار الأكثر تأثيراً على القائمة أو الخيار النووي أمامه، لأنه سيكون الأكثر فاعلية بالنسبة له ليُنتخب”.

ضعف المعارضة
أما عن السبب الثالث المرجح أنه دفع الرئيس أردوغان إلى الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية في الوقت الحالي، فهو ذلك المتمثل في ضعف المعارضة التركية الحالية، بالإضافة إلى ندرة تنظيم صفوفها في الوقت الحالي، ففي الوقت الذي يتمتع فيه أردوغان بسيطرة حاسمة على حزب العدالة والتنمية، فإن أحزاب المعارضة التركية لا تزال غير منظمة، حيث يبدو أنّ حزب الشعب الجمهوري سيظل هو الممثل الرئيسي للمعارضة في البرلمان التركي.
وبالتالي، فإن دعوة أردوغان لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة تكون في صالحه بالتأكيد، فالآن أفضل من اللاحق، حتى لا يتوافر بعض الوقت للمعارضة التركية من أجل تنظيم صفوفها، ما يعني ضرورة استغلال الوضع والحالة بضعف التنظيم لديهم.
وبالإضافة إلى هذا وذاك، فإن هذه الانتخابات، وفي ظل ضعف المعارضة أيضاً، ستكون فرصة جيدة لإعطاء أحزاب أصغر حجماً موالية لأردوغان عدداً أكبر من المقاعد في البرلمان، مثل حزب الحركة القومية.
ففي الانتخابات الأخيرة تشرين الثاني 2015 حصل حزب العدالة والتنمية على 49% من المقاعد في الانتخابات البرلمانية، وتجاوز الرئيس أردوغان نسبة 52% في الانتخابات الرئاسية 14 آب 2014، ومن المؤمل أن تكون نتائج الانتخابات المقبلة أكبر بالنسبة للعدالة والتنمية، لأن الأحزاب المعارضة التركية، وبالأخص حزب الشعب الجمهوري ستكون حظوظها أقل من ذي قبل، ولذلك يحاول حزب الشعب الجمهوري منذ الإعلان، التأكيد على أنه جاهز للانتخابات المبكرة، وأنها لم تفاجئه أولاً، كما يحاول التحالف مع الأحزاب المعارضة الأخرى ثانياً، لإدراكه أن تحالف حزب العدالة والتنمية مع الحركة القومية قد فرض واقعاً سياسياً جديداً في تركيا، وهدف حزب الشعب الجمهوري تشكيل جبهة قوية لمواجهتهما، وتقديم مرشح انتخابي لرئاسة الجمهورية، كما يمثل المتحالفون معه، وهذا ما عبّر عنه المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري بولنت توزجان في يوم الإعلان عن تقديم الانتخابات مباشرة.
وعلى الصعيد السياسي، هناك استقطاب حاد بين الأحزاب السياسية بعد اتفاق أردوغان مع حزب الحركة القومية، وتجاهل باقي الأحزاب السياسية التي تعاني الوهن والضعف السياسي في منافسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، كما أن سياسة أردوغان أزمت الحياة الاجتماعية في البلاد في ظل سياسة الإقصاء التي ينتهجها، والإطاحة بالمعارضين قبل الانتخابات الرئاسية.

خاتمة
من الواضح أن لدعوة أردوغان إلى انتخابات مبكرة بعداً استراتيجياً، فهو خاص بإعطاء تجديد سياسي وتنشيط للصلاحيات المخولة “قانوناً” للحكومة والرئيس بالذات، والذي يحمل منصبه صلاحيات واسعة تمكنه من السيطرة على مقاليد الدولة والحكم إجمالاً ومنها التحركات العسكرية في الجوار مثل سورية والعراق، بالإضافة إلى عدة دلالات أهمها محاولة تعويض شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية التي تراجعت بنسبة كبيرة خلال السنوات الأخيرة بسبب الإجراءات والسياسات الخاطئة التي انتهجها الرئيس التركي، خاصةً تلك المحاولات المتكررة للقفز على السياسة الاقتصادية، وتعديل السياسات المالية التي أدت إلى مزيد من القلق والتوتر في الأسواق الاستثمارية، وتراجع العملية الاقتصادية بشكل كبير.
إن قرار أردوغان تقديم الانتخابات الرئاسية لا شك أنه سيزيد من حالة الاحتقان في الشارع السياسي، في ظل عدم استعداد الأحزاب المعارضة لخوض الماراثون الرئاسي في الوقت الحالي، فضلاً عن ممارسات الإقصاء التي أقدم عليها الرئيس التركي خلال الفترة الأخيرة، وإخلاء الساحة من السياسيين والمنافسين.