اقتصادصحيفة البعث

صندوق “الفرنكين”..؟!

ذكرتنا الألف ليرة فقط ليس غير، التي سيتم دفعها للفلاحين كتعويض عن كل دونم من أراضهيم المزروعة التي  تضررت في غير منطقة في سورية، نتيجة لما ساد من مناخ ماطر غير المسبوق في شدته وموعده وبالتالي آثاره وأضراره، التي وصلت لحد خسارة كل المحصول، سواء كان تبغاً أم غيره من محاصيل، أي فقدان الكثير من العائلات لمواسمها التي تشكل مصدر دخلها الوحيد.. ذكرتنا بمشهد من فلم “ليالي ابن آوى”، يظهر فيه الفنان القدير أسعد فضة وهو يُتلف بقدميه محصول البندورة، ضارباً كفه اليُمنى باليسرة غير مصدق أن الكغ الواحد من محصوله الذي تكلف عليه ما تكلف، مالاً وعملاً وجهداً ووقتاً، يساوي فقط “فرنكين” فقط لا غير..؟!!

كانت صرخة ولا تزال، يصرخها فلاحنا، الذي طالما كان الحلقة الأضعف في سلسلة إنتاجنا النباتي والحيواني، رغم أنه الأساس فيما يستتبع من صناعة وتجارة تعتمد على ما ينتجه..؟!

حقوله تعب واجتهاد.. وبيادره كفاف وحسرة.. في حين من يعتمدون على ما ينتجه من صناعيين وتجار، في نعيم كده وجهده يرفلون.. وبعشرات الليرات التي لا تتجاوز الأربعين أو الخمسين أو الستين في أحسن الأحوال، يأخذون منه الكغ من المحاصيل المختلفة، ثم يضاعفون تلك العشرات لتصبح مئات وآلاف الليرات، وعلى “البارد المتهني” كما يقال..؟!

فلاحنا هذا الذي لم يتوقف طوال الأزمة عن الزرع، وفي مواسم عدة ترك محصوله على الشجر أو على الأرض لعدم الجدوى، لم يحصل على ما يستحقه من مكافئ لجهده ومثابرته على تأمين احتياجات مجتمعه الغذائية..؟! هو اليوم أمام ما لمَّ به وبمحاصيله من “كارثة”، أمام رحمة ما يطلق عليه “صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية”.

ألف ليرة فقط للدنم الواحد كتعويض، مبلغ خجل أحد المعنيين – ومعه حق- عن ذكره حين سُؤاله عن قيمة التعويض..!

وآخر حين مناقشتنا معه لمقدار التعويض الهزيل المخزي، كان رده أنه ليس تعويضاً ولا دعماً، بل تخفيفاً وفقاً والتزاماً بما عنون به الصندوق المعني بمثل هذه الكوارث..؟!

عذر أقبح من ذنب، ولمن قد يحتج.. نحيله وبمقارنة بسيطة، لكم ونوع التسهيلات والدعم والإعفاءات من رسوم وضرائب التي توهب للصناعي والتاجر، قياساً على ما يحصل عليه فلاحنا..؟!

تخصيص طائرات برحلات” تشارتر” مجانية لتصدير منتجاتنا المصنعة، وإعفاء للمواد المستوردة الداخلة في الصناعة بنسبة 50%، وغيرها المعلن وغير المعلن من التسهيلات والإعفاءات نسوقها على سبيل المثال لا الحصر، في إطار دعم المنتج الوطني، في حين لو طرحنا سؤال حول إجمالي ما يُقدم للصناعي والتاجر من دعم وما يقدم للفلاح..؟ لما استطاع أحدهم إعطاءنا رقماً صريحاً دقيقاً ومعلومة شفافة نزيهة..؟!

دعكم مما سبق، فمطالبتنا اليوم دون الخوض في تفاصيل وحسابات وتعليمات “صندوق التخفيف”، تكتسب عدالتها وأحقيتها، وهي أنه آن الأوان على الأقل لمعاملة فلاحنا معاملة الصناعي والتاجر، دعماً محرزاً لا تخفيفاً، لأن التخفيف في أصله مُسكِّن.. ولعلنا لا نجافي الحقيقة إن قلنا: إن”التسكين” في موضوع أمننا الغذائي هو موت بطيء، وعليه نشدد على ضرورة إعادة النظر بالأهداف التي من أجلها أُحدث صندوق التخفيف   من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية.

إن 196.9 مليون ليرة أعطيت للفلاحين في العام قبل الماضي، كتعويض عما لحق بمحاصيلهم من أضرار في الغاب وطرطوس وحماة وللاذقية – علماً أن الكوارث ليست في كل عام وليست في كل المناطق – هي عند تاجر أو صناعي تكاد لا تذكر في صفقة واحدة من صفقاته، صحيحها ومشبوهها، وهي عند مهرب لا تعدو رشوة من طرف الجيبة.. أو حتى فاتورة موبايل لدارة في إحدى شركاتنا العامة..!!!

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com